رئيس مجلس الادارة

عمــر أحمــد ســامي

رئيس التحرير

طــــه فرغــــلي


بفرمان مباشر من رئيس الجمهورية .. فريد الأطرش ملك حفلات الربيع

16-5-2017 | 09:32


كتب : خالد فـؤاد

فى مطلع الستينيات من القرن الماضى، فكر الإذاعى الشهير جلال معوض، أحد أشهر الإعلاميين الإذاعيين فى ذلك الوقت، جمع كبار الفنانين من المطربين ونجوم فن المنولوج والنكتة، بالإضافة لنجوم السينما، فى أول حفل «أضواء المدينة» يقدم بمناسبة قدوم عيد الربيع.

ووقع الاختيار على أغنية «الربيع» التى كُـتبت خصيصاً لكوكب الشرق أم كلثوم، ولحنها فريد الأطرش لتطل بها فى أول حفل يتم تقديمه بهذه المناسبة.

لكن المفاجأة أن أم كلثوم، وبعد الاستماع لكلمات وموسيقى الأغنية، رفضت تقديمها، مؤكدة أن فريد الأطرش هو أفضل من يقدمها بصوته، وأكدت ثقتها فى نجاح الأغنية نجاحاً كبيراً إذا قدمها بصوته، بل تنبأت بأن النجاح لن يكون مقصورا على هذا العام فقط، إنما سيمتد لسنوات طويلة.

ملك الحفلات

لكن فريد الأطرش استقبل كلمات أم كلثوم بشىء من عدم الحماس، اعتقاداً منه بأن الأغنية لم تعجبها وأنها حاولت الهروب من أدائها بشكل لطيف دون إحراج، فأخذ يبحث عن مطربة أخرى لتقديم الأغنية، لكن جلال معوض أكد له أنه يتفق مع ما قالته أم كلثوم، فقرر فريد وقتها تقديم الأغنية؛ ليكتشف صدق كل كلمة قالتها أم كلثوم، فلم تصبح الأغنية واحدة من أهم وأشهر أغنياته فحسب، بينما أصبحت أيقونة حفلات عيد الربيع فى كل الأعوام التالية، فلم تخلُ حفلة من حفلات الربيع سنوياً من استدعاء فريد الأطرش لتقديم الأغنية سواء أمام الجمهور بشكل مباشر أوعبر إذاعات الأثير والقنوات التليفزيونية، ليلقب بلا منازع بـ"ملك حفلات الربيع" فلا تزال أغنية الربيع، رغم مرور عشرات السنين على تقديمها تحظى بمكانة خاصة لدى الجمهور، حتى إن كافة الإذاعات والمحطات التليفزيونية والفضائية العربية تحرص على تكثيف إذاعتها فى عيد الربيع من كل عام، فتعد وكما يقولون بمثابة الإعلان الرسمى والشعبى لقدوم موسم الربيع الجميل.

منافسة حليم

كان من الطبيعى أن يلفت النجاح الكبير الذى حققه فريد الأطرش بهذه الأغنية أنظار الكثير من المطربين والمطربات فى هذا التوقيت، ولأن المنافسة بينهم كانت على أشدها، والكل يبحث عن تقديم الأفضل، فقد حرصوا جميعاً على تقديم حفلاتهم الغنائية فى هذا الموسم، بل وتقديم أغنيات مختلفة للربيع، لكن أياً منهم لم ينجح فى سحب البساط من أسفل أقدام فريد.

كان معروفاً عن عبدالحليم حافظ فى ذلك الوقت الابتعاد بحفلاته عن هذا الموسم، لكن المقربين منه لفتوا أنظاره لأهمية هذا التوقيت، فراح يطل على جمهوره فى نفس التوقيت كل عام بأغنية جديدة، خاصة بعد اتجاهه للأغانى التطريبية الطويلة.

وقد أدى دخول عبدالحليم حلبة المنافسة فى هذا التوقيت مع فريد الأطرش إلى اشتعال المنافسة بينهما، حيث راح كل منهما يستخدم كافة الوسائل المشروعة والمتاحة لجذب الجمهور، ونتيجة هذه المنافسة كانت لصالح الجمهور، بلا شك، الذى أصبح ينتظر هذا الموسم ليستمتع بوجبة دسمة من الأغنيات الجديدة والرائعة، فكان لكل مطرب منهما مجموعة من المطربين الآخرين المقربين منه يحرص على إشراكهم معه فى حفلاته، يسبقونه فى الإطلال على الجمهور، ثم يصعد هو ليختتم الحفل بما لديه من جديد، بالاضافة للأغنيات القديمة التى كان يطلبها الجمهور.

خطاب فريد للرئيس

كان فريد الأطرش يقدم حفلاً كل شم نسيم فى كل عام أحيانًاعلى خشبة مسرح «ديانا» وأحياناً أخرى على خشبة مسرح «سينما قصر النيل»، وكان الآلاف من مصر ومن كافة الأقطار العربية يتسابقون لحجز مقاعدهم قبل الحفل بوقت كافٍ، لكن فريد سافر إلى بيروت فى النصف الثانى من الستينيات، وعاد بعد بضع سنوات فاكتشف أن حليم قد احتل مكانه، وأنه يقوم بالغناء ليلة شم النسيم على مسرح «قصر النيل» وهو أحد أماكن فريد المفضلة، فحدثت المشكلة الشهيرة بينهما، وأصبحت الإذاعة فى حيرة، كيف تنقل الحفل، ومَن سيذاع حفله أولاً. ما اضطر فريد الأطرش لإرسال خطاب مسجل للرئيس جمال عبدالناصر ليفصل بينهما فى ذلك الأمر، واعتقد الكثيرون أن قرار عبدالناصر سيكون لصالح مطرب الثورة «عبدالحليم».

فرمان عبدالناصر

ولكن على عكس المتوقع، جاء القرار الرئاسى منصفاً لفريد وتاريخه؛ نظراً لأقدميته من جهة، ولكونه ملك هذا التوقيت «الربيع» من جهة ثانية، كما أنه كان مفضلاً لدى السيدة تحية «زوجة الرئيس» ذات الأصول الشامية، لكل تلك الأسباب أمر عبدالناصر بإقامة حفل فريد فى مسرح «قصر النيل»، بينما يقام حفل حليم فى سينما «ريفولي»، ويبث التليفزيون والإذاعة حفل فريد بشكل مباشر، بينما يتم تسجيل حفل حليم وإذاعته فى اليوم التالى.

رشوة غنائية

كان الملحن الشاب بليغ حمدى من أهم أصدقاء عبد الحليم، فضلاً عن تكوينهما ثنائياً فنياً كبيراً، لذا فكان من الطبيعى أن يساعد صديقه فى إقامة حفلاته بشكل مباشر أمام الجمهور ليستمع الجمهور إلى ألحانه، فحاول إغراء المطرب الشاب «محمد رشدى» بإعطائه لحن أغنية «ردوا السلام» التى كان رشدى يلح فى غنائها، مقابل عدم المشاركة فى حفل شم النسيم مع فريد الأطرش، محاولة منه فى سحب النجاح من حفل فريد، إلا أن رشدى رفض وظهر فى الحفل، وقدم أغنيتين، والمفاجأة أنهما كانتا من ألحان بليغ حمدى وهما «مغرم صبابة» و«عرباوى»، وشارك فى هذا الحفل كل من فهد بلان وسعاد محمد.

الحفل الأخير

بعد رحلة طويلة مع المرض عاشها فريد فى لبنان، عاد إلى القاهرة وأعلن عن حفله الجديد فى شم النسيم، وكان آخر حفل لفريد الأطرش بهذه المناسبة، على «مسرح الفن» (جلال الشرقاوى حالياً). قدم فريد آنذاك عزفاً منفرداً طويلاً على العود، وكأنه يودع الجمهور والحياة، ثم غنى أغنيته الشهيرة «الربيع» ولا يزال التليفزيون يحتفظ بتسجيل هذا الحفل إلى الآن.