رئيس مجلس الادارة

عمــر أحمــد ســامي

رئيس التحرير

طــــه فرغــــلي


معركة الرئيس مع التبرعات

17-5-2017 | 12:36


بقلم –  أحمد النجمى

لماذا يتبرع السيسى بنصف ما يملك.. ويسانده الفقراء.. ويمسك الأثرياء أيديهم؟!

تبرع الرئيس السيسى-مبكرًا وفى بدايات حكمة الذى يوشك أن يتم ثلاث سنوات- بنصف ما يملكه (نصف راتبه ونصف ما ورثه عن والده الراحل) فى يونيو ٢٠١٤، وأشعل خيال المصريين بحالة فريدة فى نكران الذات والزهد فى المال مقابل مصلحة الوطن، ربما نسى البعض هذه الواقعة التاريخية الفريدة فى تاريخ مصر، ومن المؤكد أن البعض قد تناسى هذه الواقعة عمدًا، (المصالح الشخصية) عندهم طغت على المصالح العليا لهذا الوطن الذى يحتاج إلى كل جنيه دعمًا لمسيرته!

أما الإجابة على السؤال الذى يحمله العنوان (لماذا يتبرع السيسى بنصف ما يملكة؟)، فهى أن السيسى رجل وطنى، وليس بمستغرب على من ضحى بحياته وأمنه الشخصى فى ٣ يوليو ٢٠١٣ حين أعلن البيان التاريخى لثورة ٣٠ يونيو المجيدة، ذلك البيان الذى خلعت به جموع الشعب.. الجماعة الإرهابية المحظورة من حكم مصر بعد سنة سوداء كان فيها المعزول مرسى على رأس الدولة، أقول إنه ليس بمستغرب على هذا الرجل الذى وضع حياته وأمنه رهن إشارة مصر والمصريين أن يعطى مصر نصف راتبه ونصف إرثه.. ضاربًا المثل لجميع أهل هذا البلد.. أغنياء ومتوسطين وفقراء- لكى يسيروا على نفس المنهج، كل حسب طاقته، وكل حسب ما يجنيه من مكاسب!

لم يساند الرئيس السيسى فى هذه الدعوة النبيلة التى أطلقها قبل ٣ سنوات بصورة عملية- التبرع مباشرة- سوى الفقراء والطبقة المتوسطة، وبعض الأغنياء ولا نقول الأثرياء فبين الكلمتين فارق.. الأغنياء هم من لديهم بضعة ملايين.. إنهم (المستورون) بلغة الماضى- حين كان المستور من يملك بضعة عشرات من الآلاف.. !- كالسيدة (سبيلة) التى تبرعت بما يقرب من ربع مليون جنيه لصالح صندوق «تحيا مصر».. والفقراء والطبقة الوسطى هم من مولوا هذا الصندوق، ، وهذه الطبقة- الوسطى- هى أيضًا الممول الرئيسى لصندوق «تحيا مصر» حتى الآن.. هذه هى (القوى الاجتماعية) التى ساندت ولا تزال اتجاه الرئيس السيسى نحو التبرع للمشروعات الوطنية والاحتياجات المصرية المتعددة.. وحين ضرب لهم السيسى المثل بتبرعه بنصف ما يملك ونصف راتبه تحركوا فورًا، كأنه كان يخاطبهم- هم- بهذه الإشارة الواضحة.. لكن الحقيقة أن السيسى كان يخاطب عموم المصريين، وكان يتمنى لو أن الأغنياء والأثرياء وفاحشى الثراء هم من يقودون هذا التبرع ويضربون المثل بأنفسهم، لكن جاءت الاستجابة من الطبقتين المتوسطة والفقيرة أكبر كثيرًا - جدًا - من استجابة الطبقات الغنية !

وراء هذا النزوع من السيسى إلى (التبرع) رغبته بل اتجاهه السياسى نحو الاعتماد على القدرات الذاتية لمصر فى بناء هذا البلد، بعيدًا عن الاتجاه إلى الاستدانة، صحيح أن الدولة لجأت إلى صندوق النقد الدولى بعد ذلك، ولكن كان لهذا اللجوء أسباب كثيرة وملابسات متعددة يضيق بها المقام، نختصرها فى القول بأنها كانت خطوة ضرورية لا غنى عنها ولا طريق آخر يمكن السير فيه بدونها.. لاسيما بعد أن رفع (الداعمون العرب) أيديهم - إلا قليلًا ! عن دعم مصر ماليًا، ذلك الدعم الآخذ فى التناقص بقوة، وقد أدرك السيسى مبكرًا أن بناء دولة حديثة بالمعنى الواسع للمصطلح لا يمكن أن يقوم على الهبات والمنح والقروض، ورأى أنه لابد من استنهاض القوة الكامنة داخل صفوف المصريين لكى يبنوا بلدهم بأيديهم وبأموالهم أيضا.. هذا البعد تبدى واضحًا فى المشروع القومى العظيم لقناة السويس الجديدة، والذى اكتتب المصريون فيه بـ ٦٤ مليار جنيه فى ثمانية أيام فقط، وليس الاكتتاب كالتبرع.. ولكن الخيط الرفيع بين الأمرين هو (الاستجابة الشعبية) وتصديق الرئيس لدى قطاعات عريضة من هذا الشعب.. ولا ننسى حين قال السيسى ذات يوم: «بيعايرونا بفقرنا«.. وأعتقد أنه كان يقصد من هذا التعبير الذى أطلقه غاضبًا - وظهر هذا الغضب واضحًا من ملامح وجهه ودرجة صوته - أن يحث المصريين على التبرع بدلا من استجداء الآخرين مهما تكن درجة قرابتنا هذه بالآخرين..! لاسيما إذا دخلت إعانات الآخرين هؤلاء فى سياق (المعايرة)!

لكن كانت هناك قوى أخرى فى المجتمع ضد هذا النزوع الرئاسى نحو التبرع لصالح الوطن.. هناك - مثلا - «الإخوان»، وقد صارت بينهم وبين الدولة المصرية «حالة عداء» تاريخية، يتمنون الفشل لكل تحرك جديد لهذه الدولة إلى الأمام، ويشيعون حالة من الإحباط الدائم، ويشوهون كل الصور الجميلة، فضلًا عن أنهم متورطون فى الجرائم الإرهابية حتى ذقونهم.. كل هذا يجعل عداءهم لحالة التبرع التى أطلقها الرئيس السيسى منذ بداية عهده عداء منطقيًا، والمصريون - بعد أن عرفوا الإخوان على حقيقتهم - صاروا لا ينتظرون منهم إلا الشر.. والإخوان من جانبهم يترصدون معركة التبرعات التى يخوضها الرئيس السيسى بمفرده - حتى الآن - مدعومًا بالفقراء ومتوسطى الحال، يترصدونها بالشائعات تارة.. وبالتشكيك تارة.. وبالضرب فى صميم الفكرة تارة.. كل هذا يبدو مفهومًا، إذ كيف تنتظر الخير من عدوك؟!

أما المثير للتأمل حقًا.. فهو إحجام الأثرياء ورجال الأعمال عن التبرع.. يمسكون أيديهم عن دفع شيء فى صندوق «تحيا مصر».. حتى حين داعب السيسى المصريين - وكانت مداعبة مقصودة ولا تخلو من جدية! - قائلًا «صبحوا على مصر ولو بجنيه» عن طريق (الموبايل) أو أى صورة من صورة من التبرع، تجنب الأثرياء ورجال الأعمال هذه الدعوة.. وسخر منها الإخوان - وهذا منطقي، كونهم يستهدفون هدم مشروع السيسى لبناء الوطن - لكن لماذا تجنب الأثرياء التبرع؟

يبدو أثرياء هذا الوطن فى معركة التبرع كلاعبى المنتخب القومى الجالسين على دكة الاحتياطي.. وهم يختلفون عن اللاعبين الحقيقيين فى المباريات فى أن هؤلاء اللاعبين مرشحون فى أية لحظة لنزول الملعب والمساهمة فى (المباراة) وأن هؤلاء اللاعبين جادون فى هذا العزم.. أما الأثرياء ورجال الأعمال فهم يتابعون فقط، فإذا تم دعوتهم للنزول والمساهمة ساقوا لك بدلًا من الحجة عشر حجج لعدم النزول.. ينتظرون شيئًا ما.. ويشاركون فى مباريات أخرى فى ملاعب أخرى ذات مصالح أخرى.. إلا من رحم ربك منهم، نقولها وليس تحت أيدينا ما يثبت أن ميليارديرًا وأحدا تبرع بشىء لـ»تحيا مصر» أو غيرها من مشروعات التبرع القومية.. إلا قليلين لا نملك ذكر أسمائهم، كونهم يستحون من ذكر أسمائهم!

يمسك الأثرياء أيديهم عن التبرع.. لا نتكلم هنا عن «الزكاة» ولا عن «الصدقات»، فهذه الأمور من الفروض الدينية -تقبل الله من الجميع لكن الكلام هنا عن التبرع للوطن.. وقد كان البكوات والباشوات فى العشرينيات والثلاثينيات والأربعينيات هم أكبر المتبرعين.. الأميرة فاطمة إسماعيل هى التى تبرعت بأرض جامعة القاهرة، والأغنياء كانوا على رأس المتبرعين لمشروعى (القرش) و(الحفاء) وفى زمن خالد الذكر حمال عبدالناصر تبرعت كل قوى المجتمع لصالح «المجهود الحربي» بعد ٥ يونيو ١٩٦٧، لكن هذه (الطبقة) من الأثرياء ورجال الأعمال- الموجودين الآن- تحجم عن أن تفعل الشىء نفسه؟ ربما لأن هذه الطبقة تشكلت فى زمن (الانفتاح) الساداتى، ذلك الزمن الذى رفع شعار (اخطف واجري)، ثم جرى تدليلهم ونقلهم إلى سدة السلطة السياسية فى البلاد فى العقد الأخير من عصر المخلوع (مبارك) حين أصبح رجال الأعمال هم الداعم الرئيس لمشروع السيد الوريث «جمال مبارك» طبقة هذا تكوينها هل يمكن أن تسهم بجدية فى (حالة التبرع) التى يريد الرئيس السيسى إيجادها فى المجتمع وتحويلها إلى (حالة دائمة) كما هو الحال فى بلدان الرأسمالية القديمة كالولايات المتحدة والاتحاد الأوربى؟

نعود فنقول إن هناك استثناءات من هذه القاعدة، وأنه- إحقاقًا للحق- هناك رجال أعمال يدعمون حالة التبرع الراهنة.. لكنهم لايزالون أقلية بين كبار الأثرياء، ممن تصدرت أسماؤهم بعض قوائم كبار الأغنياء حول العالم.. أو إذا كانت «المصور» تتبنى فى هذا العدد (مشروع الجنيه) وتهديه كفكرة إلى الرئيس لعلاج السرطان بصورة موسعة فى مصر فإننا نرى أن رجال الأعمال عليهم أن يصلحوا الخطأ الذى استمروا يمارسونه لثلاث سنوات وأن يساهموا بـ (الجنيه) فى هذا المشروع..

وبالطبع، فإن (جنيه) المليارديرات ليس كجنيه الفقراء ولا متوسطى الحال الفارق معروف والمطلوب مفهوم، أما من يصرون على الجلوس على (دكة الاحتياطي) فعليهم أن يحتاطوا.. لأن هذه الدكة ذاتها مرشحة للرفع إذا استمروا على رفضهم المشاركة فى هذه المباراة التاريخية التى تحمل اسم (معركة التبرعات)!