«حتى يجد الأسود من يحبه» لـ محمد صالح البحر تعبر عن أزمة الإنسان في ظل الصراع التكنولوجي
شاركت رواية الروائي محمد صالح البحر، بعنوان "حتى يجد الأسود من يحبه" والتي صدرت عن دار روافد للنشر هذا العام بمعرض القاهرة الدولى للكتاب فى دورته الـ٥٢ لعام ٢٠٢١.
وقال الروائى صالح البحر - في تصريح له ، " لقد أصبح مفهوم الرواية الجديدة يعكس منزلة مغايرة للرواية، هي مكانة أكسبتها إياها وقائع زمنية وفنية مستجدة، وتمثل رواية "حتى يجد الأسود منْ يُحبه" واحدا من أصداء هذا الواقع العالمي الآني، بما يخترق سكونه من صراعات، وتفتت أيديولوجي، فقد جاءت الرواية متسقة مع الرؤية التفكيكية التي أصبحت تبحث عن النظام في اللا نظام، وهي تعبر بشكل واضح عن أزمة الإنسان، ففيها تفجرت الحبكة، واختفت نبرة الإيهام بالواقعية، وذهب ذلك التناغم الزمني، أي أنها رواية ذات فجوات، ومساحات فارغة، تحتاج من القارئ إلى جهد كي يملأها، ومن هنا يمكن القول بأنها رواية تزرع الشك، وتزعزع اليقين، وفي ذات الوقت لا تدّعي إعطاء الحقائق، فهي رواية صعبة متساءلة، بمثابة قراءة مغايرة للذات والكون والوجود، تتجلى من خلال جمع أشخاص.
ولقد اختار محمد صالح البحر خلفيتهم بدقة وعناية، ووضعهم جميعا في عمارة واحدة، في مكان مجهول لا نعلم عنه إلا أنه يطل على البحر، وأمامه مجموعة من الصخور يُطلَق عليها «قلعة العشاق».
وأضاف أن الرواية تنسج شخصياتها من الحنين المفرط في قسوته، والعشق المذبوح دوما تحت سياط الجشع والرغبات المنفلتة، وفيما يبدو "الوليد " كشخصية محورية للأحداث، يكشف السرد عن أنها مجرد تقنية تشبه "تقنية الجِذع" الذي تخرج منه الفروع ليكتمل نمو الشجرة، وأنها تتناسب تماما مع عمله ككاتب هجرته الكتابة ويخوض غمار معركة قاسية مع التيه، لا يكف خلالها عن البحث عن ذاته، ومحاولة إيجادها في الحب المفتقد بكل أشكاله، أو رؤيتها في مآسي الآخرين التي تتشابك مع مأساته، وتفرض عليه المواجهة، فالسرد كثيرا ما يزيح هذه المحورية لـ "الوليد" ليخلق مساحات كافية لتحقق الوجود الموازي لبقية الشخصيات، فتحية وليلى وموسى ونوارة والعمة وميرو، فتتكشف بتؤدة أبعاد البنية الصوتية للبناء الفني للرواية، بناء متشابك، لا تتيح الشخصية فيه نفسها بسهولة، وتلعب اللغة دورا رئيسا في تميزه، وهي تنحت بعمق غائر للإمساك بأعماق الشخصيات، وإقامة متن سردي قوي ومتماسك، تمتلك قدرتها التعبيرية وتدفقها السلس للانتقال بين الشخصيات والأزمنة والأماكن، ترسم حدودهم وتنقش تفاصيلهم بدقة، وتتراوح لحظتها الآنية بين الماضي والتطلع إلى المستقبل برشاقة تمكنها من إقامة عالمها المتخيل بواقعية أسطورية وصدق".
وأشار إلى أن الرواية يجب أن تكون ملفتة للعقل، لا النظر، فالتشويق مهم لقراءة الرواية، لذلك يجب أن تقوم الرواية على حالة معرفية تضيف إلى العقل، وتثيره باتجاه التفكير في شيء لم يكن يفكر فيه من قبل، ولذلك أيضا يجب أن يكون الروائي بديلا حقيقيا عن الفيلسوف، في عالم صار الآن بلا فلسفة حاكمة، فالرواية في أصل عمقها حالة مناجاة تدور بين الروائي وذاته، تحت قسوة ظروف محددة وخاصة، ومن خلال صراع المناجاة تحدث حالة الكشف التي يرى الروائي من خلالها مصيره في هذا الوجود الضاغط.
وفي سياق آخر، قال صالح البحر إنه من الجميل قرار الدولة بإستمرار فعاليات معرض القاهرة الدولي للكتاب لهذا العام ليستمر بلا توقف ولو لدورة واحدة ، ومن المهم أنه عندما تحول الظروف دون انعقاده في موعده المعتاد في شهر يناير من كل عام، أن يتم تأجيله إلى موعد لاحق، لكنه كان من المهم أيضا تحديد هذا الوقت بشكل أكثر دقة، بحيث لا يأتي في هذا الصيف الحارق، ولا يأتي متواكبا مع امتحانات الثانوية العامة التي نعرف أهميتها بالنسبة للأسرة المصرية، والتي اقتطعت قطاعا كبيرا من رواد المعرض، كما أن فكرة عدم وجود فعاليات ثقافية مواكبة للمعرض لم تكن فكرة جيدة على الإطلاق، فقد أفقدتْ الكثير من المبدعين والمثقفين حماسهم لحضور المعرض، كما أفقدتْ المعرض ذاته بهجته وقيمته كواحد من أهم وأكبر معارض الكتاب في الشرق الأوسط، لقد تحول المعرض تحت ظل هذه الظروف القاهرة من منارة فكرية وإبداعية، إلى مجرد سوق لبيع الكتب لا أكثر.
وقَدَّمَ محمد صالح البحر عبر مسيرته الإبداعية العديد من الروايات والمجموعات القصصية منها، "أزمنة الآخرين" قصص 1999م، "ثلاث خطوات باتجاه السماء" قصص 2008م، "حقيبة الرسول" رواية 2010م، "موت وردة" رواية 2013م، "نصف مسافة" رواية 2014م، "قسوة الآلهة" قصص 2017م، وروايته الأخيرة "حتى يجد الأسود منْ يحبه".