رئيس مجلس الادارة

عمــر أحمــد ســامي

رئيس التحرير

طــــه فرغــــلي


١٧ مومياء تعيد اكتشاف «تونة الجبل» أثرياً

17-5-2017 | 14:11


 

المنيا: أمانى عبد الحميد

فى أحضان الجبل الصخرى المهيب ترقد قرية صغيرة تحمل اسما غريبا لا يفهم معناه سوى سكانها «تونة الجبل»، هادئة بعيدة كل البعد عن ضوضاء المدينة والمدنية لا يعكر صفوها سوى الزائرين الفضوليين الذين أتوا من الشرق, قدموا ليمعنوا النظر فى بهاء الطبيعة الصعيدية الأصيلة التى ظلت على حالها آلاف السنين, وفى باطن صخورها الصلبة ترقد آلاف المومياوات لكل شيء كان حيا من الطيور وقردة البابون وحتى الأطفال وأمهاتهم وكهنة ورجال إله جحوتي, مدينة كاملة وسراديب أخفت على مدى آلاف السنين وثائق ونصوصا باللغة الهيروغليفية والديموطيقية خاصة بالمعبود تحوت، تكشف أنه قد يكون أول من اعتقد بمبدأ التوحيد قبل إخناتون.

أطلق عليها الأجداد اسم “البحيرة “أو “تاحني” حيث تتجمع عند أقدامها مياه فيضان النيل، وفى اليونانية «تاونس”، ومع مرور الزمان أصبحت “تونة” باللغة العربية، غرابتها لم تأتِ من فراغ، فهى ظلت عبر العصور مقبرة صخرية ضخمة تحوى مقابر للقردة البابون وطيور الإيبيس وهى الحيوانات المقدسة للإله تحوت، إضافة إلى جبانة مدينة هيرموبوليس، ومقبرة الكاهن بيتوسريس الكاهن الأكبر للإله تحوت، والتى ترجع إلى عصر البطالمة, وخلال الأسبوع الماضى عثرت البعثة بالتعاون مع بعثة جامعة ميونخ الألمانية على جبانة ضخمة أخرى تحوى مومياوات لسيدات وأطفال وعدد من أصحاب المكانة وعلية القوم ترجع للعصر الرومانى اليوناني.

وسط خلائها الصحراوى وقف الدكتور خالد العنانى وزير الآثار والدكتور جابر نصار عميد جامعة القاهرة فى حالة زهو وافتخار بما صنعته أيدى علماء كلية الآثار وأثريي الوزارة, الاكتشاف الأثرى التى توصلت إليه البعثة المصرية العاملة بمنطقة آثار «تونة الجبل» ليس بالهين لكنه كما يصفه العنانى «مبشر وعظيم..», مؤكدا أنه لايزال فى بدايته ويحتاج إلى كثير من الجهد العلمى للتوصل لبقية ما يوجد داخل المقبرة, وإن شدد على الدور العظيم الذى يقوم به عمال الآثار الذين يعملون بلا كلل أوملل ويرتدون الجلابية المصرية التى أصبحت بسببه رمزا لفخر وسط الأثريين جميعا, وأن الآثار هى القوة الناعمة التى ستقدم الوجه الحقيقى لمصر أمام العالم.

هناك نجح الدكتور صلاح الخولى رئيس البعثة المصرية فى العثور على مقبرة ضخمة منحوتة فى صخر الجبل ومكونة من عدة طوابق وتتضمن آبارا ودهاليز وحجرات متعددة كثيرة التعاريج, وتحوى أكثر من ١٧مومياء سليمة، بالإضافة إلى بقايا مومياوات وعظام كثيرة ومقتنيات من التحف المصنوعة من الفخار, وأكد “الخولي” أن الجبانة كانت مخصصة للمعبودة “جيجوتي”، ويصفها بأنها من أهم الاكتشافات التى تم التوصل إليها داخل منطقة تونة الجبل منذ ما يزيد على ٦٠عاما تقريبا؛ حيث كانت أعمال الحفر قد بدأت منذ عام ١٩٣١ تحت رئاسة الراحل الدكتور سامى جبرة, موضحا وهو الذى تولى رئاسة البعثة منذ ٢٠١٢ أن المقبرة المكتشفة تبشر بوجود جبانة متكاملة لعدد كبير من علية القوم والمبنية على طريقة الكاتاكومب او المدرجات والدهاليز والممرات المتعددة.

فى المقابل أعلن الدكتور جابر نصار عميد جامعة القاهرة المشرف على أعمال البعثة المصرية أنها ستتولى تمويل عملية تطوير منطقة تونة الجبل بالكامل بلا حد أقصى، إلى جانب استكمال مركز الزوار وكل المنطقة حتى يتم وضعها على خريطة السياحة العالمية, وأكد أن العمل الأثرى ليس مسئولية وزارة الآثار بمفردها لكونه عملا شاقا ومسئولية كبيرة، مرددا أن كل إمكانية جامعة القاهرة ستكون تحت تصرف وزارة الآثار.

فى حين كان أول من قام بالنزول إلى الجبانة هو اللواء عصام البديوى محافظ المنيا، معربا عن إحساسه بالفخر وإصراره على تطوير كل المناطق الأثرية فى محافظة المنيا كافة لكى تكون صالحة للزيارة.

ومن جانبه أكد الأثرى شريف عبد المنعم معاون وزير الآثار أن جبانة تونة الجبل تمتد حوالى ٣ كم وهى ذات أهمية خاصة؛ لأنها تبرز مظاهر التزاوج الفنى بين الفن المصرى القديم والفن اليوناني، وأهم ما تحويه إحدى لوحات حدود مدينة إخناتون, المنحوتة فى أحد صخور المنطقة قبل مدخل جبانة تونة الجبل, عليها صور لإخناتون ونفرتيتى وبناتهما يتعبدون للإله آتون، وأسفلها توجد أجزاء من تماثيل مجسمة لكل من إخناتون ونفرتيتى وبناتهما, إلى جانب عدد من السراديب المنقورة فى باطن الأرض، والمخصصة لدفن رمزى الإله: جحوتى “القرد، والطائر أبو منجل”, كانت المومياوات توضع فى توابيت فخارية، أو خشبية أو حجرية, وعلى السطح الخارجى بعض النصوص بالخط الديموطيقى, وتضم الجبانة بضعة ملايين من المومياوات، بالإضافة إلى مقبرة أحد كهنة حوتى، ويدعى «عنخ حور» والذى كان يشرف على تقديم القرابين ودفن المومياوات.

ويضيف «عبد المنعم» أن من أهم المقابر التى تحويها تونة الجبل هى مقبرة بيتوزيرس، الكاهن الأكبر للإله حوتى، مقبرة فريدة فى عمارتها وفنونها, تماثل عمارة المعابد المصرية فى الدولة الحديثة، وفنونها جمعت بين الفن المصرى والفن اليونانى فى بعض الحالات،

وتزخر المقبرة بالعديد من المناظر الدنيوية، مثل الزراعة والحصاد، وجمع وعصر العنب، ورعى الطيور والحيوانات، والمنظر الشهير لبقرة تلد, ومناظر الصناعات الحرفية المتعددة والدينية، مثل الجنازة ومقدمي القرابين، وعبادة الآلهة، وبعض فصول كتب الموتى. 

ومن أهم المقابر أيضا مقبرة “إيزادورا”, وهى فتاة عاشت فى القرن الثانى قبل الميلاد، غرقت وهى تعبر نهر النيل للقاء حبيبها, وقد رثاها والدها بمرثية شعرية كتبت باليونانية، وسجلت على جدران المقبرة. 

منذ عام ١٩٣٠ تعمل بعثة جامعة القاهرة فى منطقة تونة الجبل حيث توجه الدكتور سامى جبرة إلى المنطقة وظل يعمل لأكثر من عشرين عاما، حتى تمكن من العثور على مدينة كاملة وسراديب تحت الأرض, كما كشف عن وثائق مهمة ونصوص باللغة الهيروغليفية والديموطيقية خاصة بالمعبود تحوت، أثبت فيها توصله إلى مبدأ التوحيد قبل إخناتون، وهو الحدث الذى لاقى اهتماما بالغا من عميد الأدب العربى الدكتور طه حسين حتى إنه كان يزور تونة الجبل كثيرا، واتخذ له فى هذه المنطقة استراحة خاصة لاتزال قائمة حتى الآن, ثم قام بنشر نتيجة أبحاثه فى كتاب صدر باللغة الفرنسية، وقامت الهيئة المصرية العامة للكتاب بترجمته إلى اللغة العربية ونشره تحت عنوان «فى رحاب المعبود تحوت” وكان ذلك عام ١٩٧١, وتسعى محافظة المنيا إلى تحويل الاستراحة إلى مركز للزوار؛ حيث إنها شهدت تصوير فيلم «دعاء الكروان» .

والمعلوم أنه منذ عام ٢٠١٥ قامت البعثة المصرية بعمل مسح جيوفزيقى بالاستعانة بمتخصصين من قسم الجيوفيزيقا بكلية العلوم جامعة القاهرة، وتبين وجود فراغات متعددة تحت الارض, فبدأت البعثة بالحفر والتنقيب حتى نجحت فى الكشف عن بئر مربع منحوت فى الصخر نزل بعمق ثمانية أمتار تحت الارض ينتهى بمجموعة من الدهاليز والممرات المنحوتة فى الصخر, ثم ظهر بئران آخران إلى الغرب والشمال الشرقى من البئر الأول ينتهيان إلى نفس الممرات السفلية, حتى تم العثور على عدد من المومياوات بعضها فى حالة جيدة وبعضها فى حالة سيئة نتيجة عبث لصوص المقابر, والعثور على سبعة توابيت حجرية وتابوتين من الفخار.

وظهرت أيضا بوابة حجرية على جانبيها عدد من المومياوات والبقايا الآدمية مبعثرة على الجانبين, وخلفها ظهر لايزال التنقيب مستمرا, وأشار «عبد المنعم « إلى أنها المرة الأولى فى مصر التى يتم فيها الكشف عن جبانة آدمية بهذه الضخامة, موضحا أن أسلوب التحنيط ومستواه المرتفع وكم اللفائف المستخدمة فى لف المومياوات والتى كانت فى الأغلب مغطاة بأقنعة جصية مذهبة تكشف أنها كانت مخصصة لطبقة ذات مستوى اجتماعى مرتفع لعلها فى الغالب تخص كهنة المعبود تحوت, والذين عثر الجانب الألمانى – فى مواسم سابقة - على مساكنهم المعروفة بالبيوت البرجية, علما بأن بعض المومياوات تحتوى على كتابات بالخطين الديموطيقى واليونانى عند إقدامهم, كما تم العثور على برديتين بالخط الديموطيقى إحداهما داخل إناء فخارى سوف يتم ترميمهما ومعالجتهما حسب الشواهد الأثرية ترجع هذه الجبانة إلى العصر المتأخر والعصرين اليونانى والرومانى.