نافس فيلم "ريش" بقوة في مهرجان كان في دورته الـ74، وحصد على الجائزة الكبرى من مسابقة أسبوع النقاد الدولي بالمهرجان.
ويعد "ريش" أول الأفلام الروائية الطويلة للمخرج عمر الزهيري، وتدور أحداث الفيلم حول أم تعيش مع زوجها وأبنائها، وفي أحد الأيام تقرر الأسرة الاحتفال بعيد ميلاد الابن الأصغر وتستعين بـ "ساحر" لإضافة نوع من البهجة على عيد الميلاد وخلال تقديم الساحر فقراته المسلية للأطفال يدخل الزوج صندوق خشبي ويتحول الأب إلى دجاجة ومع محاولة الساحر في إعادة الرجل الذي كان يدير كل تفاصيل حياة الأسرة مرة أخرى تفشل الخدعة، ويبقى الأب على هيئة دجاجة، وهو الحدث الذي يغير مجرى حياة الأسرة ويجبر الزوجة على تحمل المسؤولية، وتحاول البحث عن حلول لاستعادة زوجها، من خلال رحلة شاقة.
المخرج الشاب عمر الزهيري فتح قلبه لبوابة "دار الهلال" وكشف خلال حواره عن تفاصيل وكواليس الفيلم من بداية الفكرة مرورا باختيار الممثلين وظروف تصويره حتى مشاركته وفوزه بجائزة في مهرجان "كان"، وكيف تحمس لفكرة الفيلم، وكشف عن مشواره الفني الذي بدأ قبل سنوات وأشياء آخرى.
وإلى نص الحوار:
** في البداية كيف بدأت فكرة الفيلم؟
من فترة عندما شاركت بفيلم قصير في مهرجان "كان" في المسابقة الرسمية لأفلام الطلبة والمهرجان لديه جانب إذ يدعم السينما بشكل عام إنتاجيا ويكتشف المخرجين الجدد، وهناك علمت أن لديهم برنامج لرعاية السيناريوهات، ولو كان هناك مخرج لديه سيناريو يقومون بمساعدته في الانتقال إلى باريس ومساعدته في الكتابة، والتواصل مع المركز القومي للسينما الفرنسي الذي بدوره يساعده في إنتاج الفيلم وهم ينتجون أفلام في عدة دول وليس فقط في مصر، وكنت محظوظا أنهم منحوا الفرصة لى، وفكرة الفيلم وجدت بها شيئًا مثيرًا والتي تبدو أنها "نكتة" وهي أن رب أسرة يتحول إلي دجاجة مع عدم رجوعه مرة أخرى، ولكن وراء تلك الفكرة تكمن قصة سيدة بسيطة في الظل نحكي عنها ومن خلال التعامل الجاد مع فكرة "الدجاجة" نقدر أن نكتشف رحلة تطورها بشكل مبهم ومن هنا يبدأ الموضوع، وكان جزء من الأسلوب أن الفكرة عبثية جدا وأننا نخلق عالم غير متعارفين عليه في الصورة والممثلين الذين يقفون أمام الكاميرا لأول مرة وليس لديهم وعي أو خبرة بتقنيات التمثيل ويقفون بكل ذلك أمام الكاميرا ونقوم بتصويرهم ونأخذ منهم الشئ الطبيعي وفي المونتاج نقوم بعمل الفيلم وهو ما حدث.
** هل كان التعامل مع أبطال الفيلم صعبًا خاصة أنهم يمثلون لأول مرة؟
في الحقيقة العمل معهم لم يكن صهبًا وكانوا جيدين والتصوير معهم كان في منتهى السهولة، الصعب كان في مهمة العثور عليهم ومراحل البحث عن أبطال الفيلم استمرت لمدة طويلة حتى وجدنا الشخصيات المناسبة.
** كيف وجدت أبطال شخصيات فيلمك؟
لدينا في الفيلم ممثلين جاءوا من أماكن مختلفة ما بين أشخاص عملت من قبل في التمثيل وآخرين "كومبارس" يؤدون أدوارا بسيطة في السينما ولم يلاقوا الاهتمام ولكن "وجوه هايلة"، بينما هناك من يقف لأول مرة أمام الكاميرا، والأهم لدى كان في العثور على الأم والطفلين أبطال الفيلم.
وهناك فرقة في المنيا اسمها "بانوراما البرشا" في قرية البرشا بمركز ملوي، وهي فرقة تعمل مسرح شارع وبعد وقت اكتشفنا تلك الفرقة وتواصلت معهم من خلال المخرجة مديرة الفرقة، وأخبرتها بأنني أحضر لفيلم روائي طويل وأبحث عن أشخاص تمثل لأول مرة وأريد مساعدتك في العثور على هواة من القرية بما أنكم قابلين فكرة مسرح الشارع ولديكم تجارب فنية في القرية، وبعدها تطور الأمر تدريجيا وأصبحنا فريق واحد، وبدأنا في البحث حتى وجدنا الأم والطفلين أبطال الفيلم وحدث تعاون بيننا إذ جاءت الفرقة إلي القاهرة، ووراء الكاميرا تعلموا السيناريو وساعدونا في تدريب الأطفال.
** ماذا عن بطلة الفيلم؟
اسمها "أم ماريو" من قرية البرشا في المنيا وابنتها ممثلة في فرقة بانوراما البرشا، ولم نستخدم جهود الفرقة والمخرجة سوى في مساعدتي في الوصول لأبطال الفيلم وتدريب الطفلين وهم أعمارهما 4 و 7 سنوات، ولكن الأم وهي "أم ماريو" لم تحتج إلى تدريبات، والطفلين أيضا من نفس القرية، ولكن الزوج بطل الفيلم من مكان آخر.
** ماذا عن بطل الفيلم؟
الممثل سامي بسيوني خريج فنون مسرحية دراسات حرة وأحيانا يؤدي أدوار بسيطة وله تجربة سابقة معي في فيلم قصير، ولم أجد صعوبة في التعامل معهم كنت أعرف ماذا أريد منهم كممثلين ولم يكن لدي مشكلة إنتاجية حتى أعمل مع ممثلين لأول مرة بالعكس المنتجين كانوا جيدين سواء المنتج محمد حفظي وكل المنتجين المشاركين في الفيلم إذ قاموا بتوفير كل شئ للفيلم ولديهم إيمان شديد به ولكن هو أسلوب أننا نخلق عالم غير متعارف عليه وخلق أسلوب تمثيل غير معتاد وهو الأسلوب الطبيعي "إن هما يغلطوا أحيانا والغلطة تظهر الفيلم وكأنه فيلم تسجيلي" والفيلم كان فرصة على وجود "ناس طازة" عمرهم ما ظهروا أمام كاميرا وتعاملت معهم بأسلوب بسيط.
** هل سيناريو الفيلم منح أبطال الفيلم مساحة للارتجال أم الالتزام بالورق المكتوب؟
لم يكن لدينا سيناريو معقد نقرأه كنت أحكي لهم المشهد عبارة عن حكاية وهم كانوا يعبرون عن أنفسهم بل وصل بهم الأمر إلي الارتجال أحيانا، وكانت تطلع منهم أشياء غير التي اتفقنا عليها ولكنها كانت جيدة والموضوع كان بسيط جدا، الكاميرا توضع في مكان بينما هم يتعاملون بسلاسة ولم أقم بإعادة المشاهد بكثرة وسهلت لهم الأمور وكنت أتفهم أنهم غير محترفين من ناحية الخبرة ولكن هم محترفين من ناحية التمثيل.
** بالنسبة للتمثيل.. كيف كان النقد الذي وجه للفيلم من تلك الناحية؟
النقد كله الذي وجه للفيلم كان يدور عن التمثيل والنقد بشكل عام كان إيجابيا حتى أن لجنة التحكيم كانت تتحدث عن جودة التمثيل في الفيلم، ورئيس لجنة التحكيم في المهرجان وهو مخرج روماني كبير وكان حاصل على السعفة الذهبية وهو من أهم المخرجين في العالم تحدث معي لحوالي ساعة عن طريقة اختياري للممثلين وعن التعامل معهم وأبدى إعجابه بهم وبأدائهم ونالوا العديد من رسائل الشكر.
** أين كانت أماكن تصوير الفيلم؟
التصوير كان في أماكن مختلفة وديكورات كثيرة وأحداث الفيلم تدور في عالم مفتوح وخيالي وكنا نعمل في أماكن حقيقية ونغير فيها بالديكورات والجرافيكس الذي تستطيع من خلاله تغيير الخلفية أو المباني أما التصوير الداخلي معظمه ديكورات.
** ما الذي جعلك تتحمس لفكرة الفيلم من البداية؟
إحساس وانجذاب شخصي وهي نفس الطريقة التي تعاملت بها في أفلامي القصيرة السابقة وشغف لشيء أحب أن أستثمر فيه وقتي، فأنا بطبعي "أحب اشتغل بمزاج والحاجة اللي بتاخد وقتها بتطلع حلوة"، بجانب المستوى الإنتاجي الكبير للفيلم من البداية لأن الدعم الذي جاء لي من مهرجان "كان" أو من المنتجين جعلني أشعر بأنني لابد من عمل شئ جيد.
** عملت على الفيلم لمدة طويلة.. ما الأسباب التي جعلته يتأخر كل تلك المدة؟
أخذت وقتا من تطوير السيناريو وفي التفكير في الفيلم لقررات نهائية، وأيضا كانت كورونا في الفترة الأخيرة من ضمن أسباب التأخير، ولكن لم يكن هناك مشاكل واجهت الفيلم على عكس ما يعتقد البعض أن الفيلم واجه مشاكل أدت لتأخيره، ولكن كان التأخير فنيا وكنت دائم التفكير فيه وفي اختيار الممثلين وهو ما جعل الفيلم يأخذ كل ذلك الوقت لكن لم تكن توجد عراقيل.
** اشترك معك في كتابة السيناريو أحمد عامر.. كيف كان التعاون بينكما؟
"عامر" عمل معي على جزء من السيناريو بشكل كبير وأنا أكتب بطريقة مختلفة تماما عن المعتاد وكنت أحتاج من يكتب معي بشكل تقني على بناء السيناريو، وكان جزء كبير من مرحلة تطوير الفيلم وبلورته مناسب، وكان العمل مع أحمد عامر والورش التي ذهبنا لها سويا سواء في إيطاليا أو غيرها وهي ورش مشهورة في كتابة السيناريو وساعدت بشكل كبير في الفيلم، والسيناريو كان جزء كبير منه هو تطويره وحدث عليه تغيير عند اختيار الممثلين إذ قرروا وقت التصوير فعل أشياء لم تكن مكتوبة.
** هل كنت متخوفا من فكرة عدم تقبل الجمهور لفكرة الفيلم؟
أن تكون متخوفا وتضع أسئلة ثم تضع لها مبررات حتى تكون مقبولة، الفكرة عندما تشاهد ساحر بشكل لا إرادي تريد منه أن يبهرك حتى تستمتع لذلك نذهب لمشاهدة فقرة الساحر، وفي الفيلم هو ساحر لو أبهرك حتى لو لزمن قصير تتقبل الخدعة منه، والفكرة كلها لها خدعة سحرية حدثت أمام عينك وهي أن الزوج دخل الصندوق ولم يخرج وخرجت مكانه دجاجة ومن هنا تبدأ القصة ووضعت في الفيلم مشاهد مبررة بشكل نراه من خلال الشخصيات وليس من خلالنا، لأننا لدينا وعي أو متعلمين لكن الشخصيات والحالة التي نشاهدها لهم في الفيلم تجعلنا نفرق ما نراه من خلالهم ونرى اللحظة التي يروها وبالتالي هو ما حدث وهناك جراءة بالفيلم في التفكير العبثي الموجود وفي النهاية "قلت أجرب".
** هل توقعت حصولك على جائزة في مهرجان "كان"؟
الفيلم حصد جائزة أسبوع النقاد وهي الجائزة الكبرى وبعدها بيومين حصد الفيلم جائزة النقاد الدوليين "فبرسكي" وهي خارج مسابقة مهرجان "كان" ويختار النقاد فيلم لمنحه الجائزة ولابد أن يكون الفيلم على مستوى الأفلام الأولى وحصلنا على الجائزة من بين 50 فيلما وهي مهمة جدا، ولم أكن أتوقع أن يحصل الفيلم علي أي من الجائزتين، ولكن توقعت المشاركة في المهرجان نظرا لأني أحسست بعمل فيلم جيد والمسابقة مهمة ومرموقة لأنها فنية بحتة.
** حدثنا عن شعورك لحظة استلام الجائزة؟
ما أسعدني حقيقي لحظة تسليمي الجائزة عندما قالوا "جائزة للسينما المصرية الجديدة" ولأني خريج معهد السينما في مصر، والفريق من خريجي معهد السينما ولأني "ابن الصناعة" كنت سعيدا وفخورا من داخلي وأحسست أنه تقدير كبير، ومصر طول عمرها تذهب بأفلامها إلي مهرجان "كان"، ولكن لم نحصل على حقنا بشكل عام والجوائز تأخرت علينا، في العام الماضي حصد فيلم "ستاشر" على السعفة الذهبية والعام الحالي حصد "ريش" على الجائزتين، وهو من المفترض أن يكون طبيعيا لأننا سينما قوية وفنية وليست سينما موضوع بمعنى أنها "سينما ممتعة" وهو ما جعلهم يتحدثون عنه في "كان" وقالوا عن السينما المصرية أنها سينما جميلة وهو ما أسعدني بشكل شخصي وتقدير السينما للفيلم وخاصة أن كل العاملين في الفيلم من الشباب وهو شئ جيد.
** كيف كان التعاون مع المنتج محمد حفظي خاصة أنه لا يتحمس إلا للأفلام المهمة والقوية؟
الفيلم بدأ بإنتاج فرنسي في البداية دون إنتاج مصري لأني كنت أدرك أن الأسلوب الذي أعمل به فنيا متعب لأي منتج مصري، نظرا لأن الممثلين غير معروفين ولغته السينمائية وموضوعه مختلفين وكان به مغامرات كثيرة فنية في الفيلم ولأني لدي خبرة غير قليلة في الصناعة إذ عملت مساعد مخرج لفترة طويلة وفي الإنتاج ولا أقدر أن أطلب من منتج أن يتحمل كل الميزانية، وبالتالي كنت أبحث عن الإنتاج المشترك الذي له قنوات متخصصة وله أسلوب فني متعب إلي حد ما، "حفظي" سمع عن مشروع الفيلم بحكم أننا أصدقاء وعندما قرأ السيناريو تحمس له بشكل كبير وبذل مجهودا جبارا في التوفيق بين شركات الإنتاج المختلفة وبين تصوير الفيلم، والمجهود لم يكن أنه أنتج الفيلم فقط ولكنه وضع إضافة فنية هو وشاهيناز العقاد وشركة Lagoonie Film Production اهتموا جدا بالفيلم وكل شئ حدث أكثر مما كنت أريده ولم يتأخروا عني وهم مهتمين حقيقي ويصنعون تغيير للسينما، و"حفظي"منتج شاطر ومخلص للسينما وليس كل همه البحث عن المكسب كمنتج لكنه يصنع سينما بذكاء ويعرف كيفية تسويقها.
** هل نرى فيلم "ريش" يعرض في السينما.. وكيف ترى تصنيف البعض للأفلام ما بين فيلم تجاري وآخر مهرجانات؟
الفيلم سوف يعرض من خلال "فيلم كلينك" للمنتج محمد حفظي، وهم وضعوا خطة للتوزيع ولكن في النهاية أن لا أملك شئ في هذا الموضوع أنا دوري أن أعمل فيلم جيد، و"ريش" مختلف طبيعي وأعرف أنه ليس تجاريا وهو لا يعيب الأفلام التجارية، هو فيلم سينما مختلف وله جمهوره وكل سينما ولها جمهورها وهذا لا يقلل من الآخر إطلاقا وأنا شخصيا مخرج إعلانات وأعرف أذواق الناس ولكن لابد أن يكون لدينا سينما مختلفة لا تجبر الجمهور على شئ ولكن تجذبه وأرى أن الفيلم به عناصر الجذب الكافية وخاصة بعد الجائزة والفيلم سوف يعرض في مهرجان الجونة وبذل القائمين عليه مجهود كبير ويريدون عرضه وأعتقد أن الناس تحب السينما والشباب تحديدا سوف يذهبون لمشاهدة الفيلم بخلاف المهتمين بما حدث للفيلم.
** "ريش" هو التجربة الأولى لك في الأفلام الروائية الطويلة فماذا عن الأفلام القصيرة؟
لدي تجربتين في الأفلام القصيرة الأول هو فيلم "زفير" 2011، وعرض في مهرجان دبي وحصل على جائزة لجنة التحكيم وعرض في مهرجان "مونبلييه" بفرنسا، والفيلم الثاني كان مختلف تماما وهو كوميدي إلي نوع ما اسمه "ما بعد وضع حجر الأساس لمشروع الحمام بالكيلو 375" وهو أطول اسم لفيلم روائي أو قصير وتم عرضه في المسابقة الرسمية لمهرجان "كان" للأفلام القصيرة في قسم أفلام الطلبة وكانوا لأول مرة يختارون في المهرجان فيلما مصريا وكان حدثا كبيرا، وهذه المسابقة بعينها لها دور في أن تكتشف مخرجين جدد وتساعدهم في عمل أفلام روائية طويلة وتدعمها وهو ما حدث في فيلمي "ريش".
** نفهم من ذلك أن فيلم "ريش" هو ثاني أفلامك التي شاركت في مهرجان "كان"؟
نعم.. المرة الثانية ودعموني في السيناريو وعلاقتي بالمهرجان جيدة بخلاف أن المهرجان مهتم بصناعة السينما وهناك مخرجين آخرين دعم المهرجان أفلامهم منهم المخرجة نادين لبكي.
** هل من الممكن أن تكرر التجربة مرة أخرى مع أبطال فيلم "ريش"؟
لو وجدت فيلما مناسبا سوف أكرر معهم التجربة، لكن أنا متفتح تماما وأصدقائي ممثلين ولو سمحت تجربة تتطلب محترفين سوف أذهب لها بالطبع، الفكرة حسب المشروع وتجربة فيلم "ريش" كانت تتطلب هؤلاء الممثلين.