علامة فارقة.. مؤرخون يكشفون كيف غيرت 23 يوليو وجه الحياة في مصر
تحل الذكرى الـ69 لثورة 23 يوليو، غدا الجمعة، وهى الثورة التي وصفها مؤرخون بأنها من أعظم ثورات الشعب المصري والتي نجحت في تغيير وجه الحياة في مصر جذريا، من خلال إنجازات تحققت بفعل مبادئها الستة التي رفعتها منذ اللحظة الأولى، حيث نجحت الثورة في القضاء على الاستعمار من خلال تحقيق الجلاء وطرد الإنجليز وكذلك القضاء على الإقطاع بقوانين الإصلاح الزراعي والقضاء على سيطرة رأس المال على الحكم بعدة قوانين ومشروعات.
ورفعت ثورة 23 يوليو 6 مبادئ، ونجحت في إنهاء مرحلة من الحكم الملكي بعدما عانى الشعب المصري بسبب من الفقر والجهل، إلى جانب فشله في تحقيق الاستقلال، لتأتي ثورة 23 يوليو وتكون علامة فارقة في تاريخ مصر بمبادئها وإنجازاتها كـ«ثورة بيضاء» حققت أهدافها بدون قتال أو إراقة للدماء.
مكتسبات ثورة 23 يوليو
وفي هذا السياق، قال الدكتور عاصم الدسوقي، أستاذ التاريخ الحديث بجامعة القاهرة، إن ثورة 23 يوليو هي علامة فارقة في تاريخ مصر لأنها نجحت في القضاء على الحكم الملكي وتولى الضباط المصريين قيادة الأمور من خلال مجلس قيادة الثورة حتى إعلان الجمهورية في عام 1953 وإعلان الدستور في 1956 وبدأت الحياة تأخذ شكلها العادي الدستوري.
وأكد في تصريحات لبوابة "دار الهلال"، أن المبادئ التي أعلنتها ثورة 23 يوليو حققتها، وهي ستة مبادئ ثلاثة منها استهدفت الهدم وثلاثة استهدفت البناء، وهي القضاء على الاستعمار والقضاء على الإقطاع والقضاء على سيطرة المال على الحكم، وهي كلها تحققت، حيث انتهى الاستعمار بعد التفاوض مع الإنجليز وإجبارهم على الجلاء.
وأشار الدسوقي إلى أنه فيما يخص القضاء على الإقطاع، فقد تحقق ذلك من خلال أول خطوة في 9 سبتمبر 1952 بقانون الإصلاح الزراعي لتحديد الملكية الفردية للشخص بـ200 قدان بحد أقصى وتحولت إلى 100 فدان عام 1961، مضيفا أنه تم أيضا منح الفلاحين حق تكوين نقابات والدفاع عن مصالحهم وتحديد إيجارات الأرض.
وأوضح أن القضاء على الرأسمالية تم من خلال التأميم الذي تم عام 1961، وقبلها في عام 1967 كان قد بدأن تأميم رأس المال الأجنبي، والذي كان خطوة لاحقة لخطوة سابقة في 1948 وهي صدور قانون منع تملك الأجانب في مصر، مضيفا أن المبادئ الثلاثة الأخرى التي استهدفت البناء كانت هي إقامة جيش وطني قوي وهو أمر تم بالفعل.
وأضاف أستاذ التاريخ الحديث أن الإنجليز عقب قيام الثورة رفضوا تمويل مصر بأسلحة بناءا على اتفاقية سابقة تمت مع الملك فاروق وتوقفوا عن إرسال باقي الثورة، وبعدما تواصل مع الضباط الأحرار رفضوا ذلك سبب مساعي الثورة لجلاء الإنجليز، لذلك بدأت جهود توفير السلاح من تشيكوسلوفاكيا.
وعن المبدأ الخامس للثورة والذي كان تحقيق العدالة الاجتماعية، قال عاصم الدسوقي إن تم تعميم التعليم المجاني في كل المراحل وحتى العام الدراسي 1962 تم تطبيق المجانية على التعليم الجامعي، وكذلك في عام الثورة خلال الإصلاح الزراعي صدر قانونا بمنع الفصل التعسفي للعمال حيث كان أصحاب الأعمال يستغنون عن العمال فجأة ويجدون أنفسهم في الشارع بلا تأمين أو غير ذلك، لذلك صدر القانون في 1952 بمنع الفصل التعسفي للعمال إلا بالمحاكمة إذا أخطأ وإذا ثبت خطأه يتم الفصل.
ولفت إلى أنه في سبتمبر 1952 صدر أول قانون بتخفيض إيجارات المساكن المبنية من 1942 أي قبل 10 سنوات بقيمة 15% وهو أمر كان لصالح الموظفين المستأجرين، موضحا أن المبدأ الأخير للثورة وهو المبدأ السادس بإقامة حياة ديمقراطية سليمة أيضا تحقق، رغم أن خصوم ثورة يوليو وحتى اليوم يقولون إن الثورة حققت كل أهدافها ماعدا هذا المبدأ، لأنهم يخطئون فهم كلمة السليمة.
وتابع: كلمة الديمقراطية التي كانت قائمة في مصر قبل 1952 طبقا لدستور 1923 والقانون الانتخابي له الذي يحدد المرشحين لعضوية مجلسي الشيوخ والنواب كانت الشروط تختص بكبار الملاك، وأن من يرشح نفسه للمجلس يكون من دافعي ضريبة الأطيان الزراعية قدرها 150 جنيها سنويا مما يعني أنهم يملكون 300 فدان لأن الضريبة كانت 50 قرشا على الفدان، وكذلك مجلس النواب كان به شرطا لا ينطبق إلا على أصحاب المال وهو أن المرشح يدفع أيضا 150 جنيها كتأمين يرد له في حالة فوزه أو حصوله على 7% من أصوات الدائرة، لذلك وقع المال في يد أصحاب المال، مما جعله يصدر تشريعات لصالح هذه الطبقة وضد الطبقة الوسطى والعمال والفلاحين.
وأكد أن إقامة حياة ديمقراطية سليمة كان معناها توسيع مفهوم السلطة الشعبية أن يكون بها عمال وفلاحين بنسبة 50% من المجالس وأن يكون الجيش ممثلا مع وجود الرأسمالية الوطنية، فيكون هناك أصحاب رأس مال لكنهم ليسوا كبارا ووطني تعني الالتزام بسياسات الحكومة في الشراء والبيع والأجور والمرتبات، وهذا يعني تحقيق الديمقراطية السليمة "أي أن الجميع يعمل والكل يملك والكل يأخذ أجره حسب عمله".
وبشأن إطلاق مصطلح الثورة البيضاء عن 23 يوليو، أوضح أستاذ التاريخ الحديث أن الثورة البيضاء تعني أن الضباط الأحرار لم يتقاتلوا الدخول في حرب مع أي طرف مثل الحراس أو غير ذلك، فالملك قدم تنازله وانصرف عن البلاد، وأبقوا على الملكية من خلال مجلس وصاية على ولي العهد الذي كان عمره حينها 7 أشهر وهو الملك أحمد فؤاد، حتى تم إعلان الجمهورية في 18 يونيو 1953 لأنهم اكتشفوا مؤامرة في الخارج تستهدف إعادة الملك فاروق.
عوامل ما قبل 23 يوليو
ومن جانبه، قال الدكتور جمال شقرة، أستاذ التاريخ الحديث والمعاصر بجامعة عين شمس، إن ثورة 23 يوليو هي ثورة عظيمة من ثورات التاريخ المصري ويجب التأكيد على أنها حلقة من حلقات الحركة الوطنية المصرية قام بها ضباط وطنيين بعد تأسيس تنظيم الضباط الأحرار، مضيفا أنه يجب العودة إلى ما قبل الثورة للتأكد من مدى عظمتها.
وأضاف شقرة، في تصريح لبوابة دار الهلال، أن ثورة 23 يوليو أعظم من الثورة الفرنسية وبمقارنته بما حققته من إنجازات فهي من أعظم ثورات الشعب المصري يليها ثورة 30 يونيو، مؤكدا أن مصر قبل عام 1952 اجتمع فيها الفقر والجهل والمرض فكان هناك إجماعا أن مصر تمر بأزمة على كافة الأصعدة سياسية واجتماعية وسياسية واقتصادية.
وأكد أن هذه الأزمات مجتمعة كانت تنذر بتحول مصر لدولة فاشلة، فأسوأ 10 سنوات في تاريخ الملكية في مصر هي الـ10 سنوات التي وقعت بعد عام 1942 منذ حادث 4 فبراير ومحاصرة الدبابات البريطانية قصر عابدين وأزلت الملك وأهانت العلم المصري ومصر كلها، وعاشت مصر بعدها 10 سنوات من أسوأ سنواتها.
وأوضح: "على المستوى الاقتصادي كانت مصر تعاني من انحراف الميزان التجاري والبنيان الإنتاجي فكان الاقتصاد قائما على الزراعة فقط والاعتماد على محصول فقط هو القطن، وكان القطاع الصناعي والتجاري متردي، وكان على قمة الهرم الاجتماعي طبقة كبار ملاك الأراضي الزراعي التي استحوذت على الثروة والسلطة معا في مجتمع كان يوصف بمجتمع النصف في المائة وحرم الشعب المصري من ملكية الأرض".
وتابع: "كان هناك هوة اجتماعية قاتلة بين كبار الملاك والرأسمالية المصرية والاجتماعية وكذلك الطبقة الوسطى وبقية المجتمع المصري"، مضيفا أن النظام الملكي حاول أن يعالج القضية الوطنية وتحقيق حلم الشعب المصري في الحرية والاستقلال لكنه فشل، وكذلك حاول حل المسألة بالتحكيم الدولي ففشل أيضا وكذلك فشل في علاج مشكلة الفقر وتدني المستوى الاجتماعي المصري، وكان الشعب المصري يوصف بأنه "شعب حافٍ" بسبب انتشار الحفاء في الريف في أمر كان يمثل إهانة شديدة للمصريين، وهو أمر موثق بالصور في دوريات هذه الفترة الزمنية".
تأسيس تنظيم الضباط الأحرار
وأكد أستاذ التاريخ الحديث أنه لم يكن هناك مفرا من حدوث الثورة فبعض التقارير الأمريكية وغيرها من تقارير المخابرات الأجنبية توقعت أن مصر على شفا فوضى بسبب تردي الوضع حينها، حيث توقعت قيام الثورة على يد الضباط الوطنيين في الجيش المصري، وهو ما حدث بالفعل بنجح الزعيم الراحل جمال عبد الناصر في تأسيس تنظيم الضباط الأحرار من الضباط التسعة سنة 1945.
وعن الخطوة التالية، أكد شقرة أنه بعد ذلك بدأ التنظيم يضم الضباط الوطنيين إلى تنظيمه فوصل عددهم إلى 99 ضابطا تقريبا وهم من قاموا بثورة 23 يوليو، مضيفا أن المبادئ التي رفعتها ثورة 23 يوليو هي التي منحتها عند التطبيق وصف الثورة، فهناك فارقا بين الثورة والانقلاب، لأن الانقلاب لا يغير تغييرا جذريا في المجتمع لكن الثورة توصف بأنها غيرت وجه الحياة في مصر، حيث أُلغيت الألقاب والرتب والنياشين وصعدت الطبقة الوسطى لتحل محل طبقة كبار الملاك.
ولفت أستاذ التاريخ الحديث والمعاصر إلى أن الثورة انحازت منذ 9 سبتمبر 1952 إلى الفقراء في الريف المصري بإصدار قانون الإصلاح الزراعي الأول وهو القانون الذي منحها صفة الثورة، بعد أن كان هناك خلافا بين المفكرين حينها حول وصف الثورة بأنها ثورة أو انقلاب، لكنهم بعد تنفيذ الثورة الكثير من إجراءاتها مثل تحديد ملكية الأراضي الزراعية تغير رأي المفكرين في الشرق والغرب بأنها ثورة قامت على يد الضباط الوطنيين.
مبادئ الثورة
وبشأن مبادئ ثورة 23 يوليو، قال شقرة إن هناك 6 مبادئ أرستها الثورة منها القضاء على الاستعمار وأعوانه وهو أمر تحقق بالفعل وانتهى الأمر بعقد اتفاقية الجلاء وطرد البريطانيين من مصر بعد العدوان الثلاثي عام 1956، أما المبدأ الثاني وهو القضاء على الاحتكار وسيطرة رأس المال على الحكم هو مبدأ أيضا تحقق بالتدريج بعد عام 1957 بالانتقال إلى النظام الاشتراكي وطرد الطبقة الرأسمالية الرافضة للتعاون مع الثورة في مرحلة المشروعات الحرة بين 1952 و1957، وكذلك القطاع على الإقطاع وهو ما تحقق بقوانين الإصلاح الزراعي.
وعن المبادئ الثلاثة الأخرى والخاصة بالبناء كان أولها بناء جيش وطني قوي، فأكد أن هذا المبدأ هو من أهم المبادئ التي نجحت ثورة 23 يوليو في تنفيذها وأصبح لمصر جيش وطني قوي، فنجح عبد الناصر في تنويع مصادر السلاح بعقد صفقة الأسلحة التشيكية وكسر احتكار الولايات المتحدة الأمريكية بتزويد مصر بالأسلحة، وهو الجيش الذي نفتخر به حتى الآن فرغم ضربه في مؤامر يونيو 1967 حقق انتصارا عظيما في حرب الاستنزاف وحرب أكتوبر 1973، وهو الجيش الذي طوره الرئيس عبد الفتاح السيسي بعد ثورة 30 يونيو ليصبح من أقوى جيوش المنطقة ليحافظ على استقلال مصر وسلامة أراضيها.
وتابع: المبدأ الثاني في هذا الشأن وهو إقامة حياة ديمقراطية سليمة، حيث ركزت 23 يوليو على الديمقراطية الاجتماعية، وفشلت في الديمقراطية السياسية، أما المبدأ الأخير هو إزالة الفوارق بين الطبقات، فنجحت الثورة في إقرار مجانية التعليم وأعطت للطبقة الوسطى المصرية الحراك الاجتماعي فصعد بالتعليم جحافل من أبناء الطبقة الوسطى في الريف والمدينة المصرية ليتعلموا في الجامعات المصرية وليرتقوا محل الوظائف التي كانت تسيطر عليها الجاليات الأجنبية بعد طردها سنة 1956، فهناك 10 آلاف وظيفة كان يحتلها الأجانب لكن بعد تأميم قناة السويس وحركة التمصير التي قامت بها عبد الناصر بعد عام 1956، حصل على هذه الوظائف المصريين وانتشروا في مؤسسات الدولة ليقضوا ولو نسبيا على في تضييق الفجوة بين الأغنياء والفقراء فتراجع التفاوت الطبقي الشديد كما كان قبل الثورة.
وأكد أن عبد الناصر بدأ تنفيذ مشروعات عظيمة منها تنفيذ ألف مصنع ومنها مصنع للحديد والصلب والألومنيوم وغيرها من المصانع التي ساهمت في تحقيق نهضة اقتصادية حقيقية، وكذلك على المستوى السياسي ارتقت مصر مكانة عالية جدا، موضحا أن عبد الناصر كان يرى أن استقلال مصر منقوصا إذا لم تستقل بقية الدول العربية حيث أيد حركات التحرر الوطني في القارات الثلاث آسيا وأفريقيا وأمريكا اللاتينية، وتبنى مبدأ عدم الانحياز بين الكتلتين المتصارعتين إبان الحرب الباردة الشيوعية والرأسمالية.
واختتم: فهذه الثورة أدت إلى تحولات جذرية رفعت مصر إلى مكانة عالية ولعل هذا ما دفع إسرائيل والولايات المتحدة الأمريكية إلى استهداف جمال عبد الناصر ووضع الخطط لاغتياله بين عام 1957 ثم 1967 والمؤامرة على ضرب الجيش المصري في يونيو 1967، لكن عبد الناصر قبل أن يرحل أذل إسرائيل في حرب الاستنزاف ووضع الخطط لعبور قناة السويس، حتى جاء أنور السادات وكان قرار العبور في 1973 الذي كان حصاد بناء الجيش المصري القوي.