رئيس مجلس الادارة

عمــر أحمــد ســامي

رئيس التحرير

طــــه فرغــــلي


محمد خان.. «حريف السينما» عاشق الشوارع والناس

26-7-2021 | 15:25


محمد خان

محمد أبو زيد

عشق السينما وباتت بالنسبة له الهواء الذي يتنفسه، ولا يعرف يعيش بدونها، أخذ علي عاتقه أن ينقل معاناة المهمشين القابعين في قاع المدينة التي يجوب شوارعها بحثا عن حواديت لمواطن قدر له أن يكون بطل فيلمه على شاشة السينما، تجد بطله في "الحريف" هو "فارس" لاعب كرة القدم "الشراب" هاوي اللعب في الشوارع والساحات الشعبية مقابل المراهنات، وتشاهد "عطية" الموظف البسيط الذي تهدده حماته بفسخ خطوبته من ابنتها لتأخره في توفير عش الزوجية في "خرج ولم يعد".

بينما تجد بطل فيلمه "ضربة شمس" وهو المصور الصحفي الذي لا يمتلك سوى ضمير حي وكاميرا وفي حفل زفاف يلتقط بها ورقة تحترق مدون عليها كلمات غامضة ومنها تبدأ الرحلة التي تقوده إلي عصابة كبيرة، هو المدهش بين أبناء جيله وأحد أهم مخرجي السينما المصرية، وأصدق مخرجي الواقعية، الذي حفر اسمه من نور في السينما وبات وجوده على تتر الفيلم كفيلا على أنك سوف تشاهد فيلما يعبر عنك ويعيش طوال الأبد، هو "حريف السينما" وأبرز رواد الواقعية المخرج الكبير محمد خان.

 

 

ولد محمد خان في 26 أكتوبر 1942 بالقاهرة في حي السكاكيني، لأب باكستاني وأم مصرية، ما إن أتم الـ 16 عاما حتى سافر إلى إنجلترا لدراسة الهندسة المعمارية، وهناك تقابل مع صديق سويسري يدرس السينما، وهو ما جعل "خان" يترك الهندسة، للدراسة السينما، وما إن أنهى دراسته في 1963، حتى عاد إلى القاهرة، وعمل بقسم السيناريو في شركة إنتاج سينمائي تحت إشراف المخرج الكبير صلاح أبو سيف، 4 سنوات قضاها ومع نكسة 1967 غادر إلى لبنان وهناك عمل مساعد مخرج، غير أنه قرر العودة إلى لندن مرة آخرى، وظل هناك حتى 1977 ليعود بعدها إلي القاهرة.

بدأ "خان" رحلته وقدّم أول أفلامه "ضربة شمس" 1980 مع نور الشريف "شمس" المصور الصحفي الذي يجوب شوارع القاهرة بدراجته البخارية ممسكا بكاميرا يحاول بها التقاط الحقيقة، حتى تقوده الصدفة ليلتقط صورة لورقة تحترق وهو في حفل زفاف تقوده كلماتها الغامضة لكشف عصابة تتزعمها "ليلى فوزي" التي تتاجر في تزييف النقود والآثار.

خبر صغير نشر في جريدة لبنانية عن فتاة كانت تحب رجل ولكن أهله رفضوا ذلك الحب والزواج فقامت الفتاة بتسميم نفسها وتسميم حبيبها، الواقعة الغريبة لم تمر أمام "خان" مرور الكرام وتولدت منها فكرة فيلم "موعد على العشاء" 1981 الذي كتبه له السيناريو بشير الديك، وبات واحدا من أجمل أفلام السينما المصرية وأهم أدوار سعاد حسني وشهد تألق حسين فهمي وأحمد زكي.

يفتح "خان" قلبه وذراعيه ويقدم للشباب أحمد زكي وآثار الحكيم في بداية مشوارهما فيلم "طائر على الطريق" 1981 مع صديقه المؤلف بشير الديك، وتشاهد بطله "فارس" الذي يعمل سائقًا بسيارات الأقاليم، ويرتبط بقصة حب بريئة مع "عصمت" وتقوده الصدفة في أن يتعرف على "فوزية" فردوس عبد الحميد التي تعاني مع زوجها "جاد" فريد شوقي وتتولد بينهما قصة حب.

لم يتوقف إبداع "خان" وقدم لـ محمود ياسين "الثأر" 1982، وفي العام التالي "نص أرنب" بطولة يحيي الفخراني، ومحمود عبد العزيز، وسعيد صالح، ويعد من أفلام الحركة والمهمة في مصر.

تقف مبهورا وأنت تشاهد "خرج ولم يعد" وترى "عطية" يحيى الفخراني الموظف البسيط الذي يعيش وسط صخب القاهرة والمهدد من حماته بفسخ خطوبته من ابنتها لتأخره في توفير عش الزوجية، فيقرر السفر إلى بلدته ليبيع إرثه من والده، لـ "كمال بك" فريد شوقي ليقع في غرام ابنته "خوخة" ليلى علوي، الطبيعة والهدوء الذي رصدته كاميرا "خان" يجعلك تتمنى أن تعيش بساطة الريف والطبيعة وتحب الأكل الذي يعتبر بطل الفيلم.

بلغت ذروة نجاح "خان" عندما قدم رائعته "الحريف"1984 وترى بطله "فارس"عادل إمام الذي يهوى لعب كرة القدم "الشراب" على المراهنات، التي تجعله يخسر زوجته وابنه ووظيفته في مصنع الأحذية ويتنقل "خان" بكاميراته لترصد باقي أبطال فيلمه من المهمشين، وفي المشهد الأخير يرضخ "فارس" للواقع ويودع حياة اللعب في آخر مباراة له تحت الكوبري وهو يقول لابنه "زمن اللعب راح يا بكر".

توالت إبداعات "خان" وقدم في 1986 فيلمي "مشوار عمر" و"عودة مواطن" ومع أحمد زكي "زوجة رجل مهم" 1988، و"أحلام هند وكاميليا" في نفس العام، وفيلم "سوبر ماركت" 1990 لـ نجلاء فتحي، وفي 1993 قدم 4 أفلام منهم 3 بطولة محمود حميدة "يوم حار جدا، فارس المدينة، الغرقانة"، و"مستر كاراتيه" لـ أحمد زكي.

وبرفقة أحمد زكي قدم له "خان" فيلم "أيام السادات"2001 وقصة حياة الرئيس محمد أنور السادات منذ شبابه وحتى حادث المنصة واغتياله، وقدم بعدها "كليفتي" مع باسم سمرة 2004، وفي العام التالي "بنات وسط البلد" مع منة شلبي وهند صبري، وفي 2007 "في شقة مصر الجديدة" وقصة بطلة فيلمه "نجوى" غادة عادل التي تتحول رحلتها في القاهرة بحثا عن "أبلة تهاني" إلي سلسلة من المغامرات. 

اختفى "خان" عدة أعوام وكأنه كان يبحث عن أبطال آخرين لأفلامه من قلب الشارع الذي يضج بالحالمين حتى عاد بفيلمه "فتاة المصنع"2014 بطولة ياسمين رئيس، وكانت النهاية مع فيلم "قبل زحمة الصيف" 2015 بطولة هنا شيحة وماجد الكدواني وأحمد داود، 24 فيلمًا طويلًا حصيلة محمد خان كانت علامة فارقة في تاريخ السينما المصرية جعلته يحصد العديد من الجوائز والتكريمات.

 

حصل "خان"على الجنسية المصرية في 2014 بقرار رئاسي، ورحل عن عالمنا في 26 يوليو 2016 جراء أزمة قلبية مفاجئة، وبقيت أفلامه الشاهدة على حبه للسينما والقاهرة والشوارع وخلق الله من البسطاء والمهمشين، وتظل أفلام "خان" باقية يختلف أبطالها ما بين المواطن وهمومه والشارع وحواديته.