محمد العربي.. «أويمجي» مصر أثار إعجاب صدام حسين فأمر بمقابلته (صور وفيديو)
ينفرد كل إنسان منا في حياته بتحديات وقصص كفاح ذات تفاصيل خاصة، تتشابك في النهاية عند نقطة واحدة، وهي النجاح. تستحق تلك القصص أن يفتخر بها أصحابها، لأنها أضفت لحياتهم قيمة ومعنى.
قصتنا اليوم عن رجل أمر الرئيس العراقي الراحل صدام حسين برؤيته على وجه التحديد، ومكافأته عن مهارته وإتقانه في العمل، إنه محمد العربي، ويعمل "أويمجي".
يُعد محمد العربي مثال المصري الحرفي المالك لمفاتيح صنعته، الذي يرفع من شأن بلاده بالخارج، ويثبت أن المصريين مهرة، لا يعرفون معنًا للمستحيل.
صدفة أم قدر؟
في إحدى الليالي، كان العربي منهمكًا في إنهاء بعض الطلبيات بورشة صديقة له بمنطقة الداودية، وفجأة استوقفت منتجاته رجلا تبين من حديثه أنه عراقي الجنسية، ومسؤول كبير في السفارة، عرض عليه السفر فورا للعمل في القصر الرئاسة للرئيس الراحل "صدام حسين".
ويقول محمد العربي: "كان هناك رجل يدعى عبد الجبار، جاءني وأنا أعمل على البنك في ورشة بالداودية، وعندما رأى عملي، طلب مني السفر معه للعراق، فأخبرته أنني قرر سلفا السفر للأردن، وأحمل تذكرتي وجواز سفري، لكنه طلب مني التجربة والتفكير في الأمر، وأنه بانتظاري غدا في السفارة العراقية".
لم ينم العربي تلك الليلة، فظل العرض يشغل باله، فيفكر كيف يترك زوجته وأبنائه وإخوته البنات وأمه وحدهم؟ إضافة إلى ذلك رفض والدته سفره للعراق، بسبب الحرب المشتعلة وقت إذ بين العراق وإيران، وخوفها أن يموت جراء قصف جوي، وذلك بحسب قوله.
قرار
لاحظت زوجة العربي أنه هائم في التفكير بالعرض، وكزوجة مصرية أصيلة، أخذت تشاركه التفكير وتشجعه على قبول العرض، موضحا أنها طمأنته بألا يخاف من تركهم وحدهم، وأنه لن يصيبه إلا ما كُتب له.
قرر بطل حكايتنا صانع الأويما الذهاب للسفارة لمقابلة عبدالجبار ذاك المسؤول العراقي، وعندما وصل للسفارة استقبله أحد المسؤولين وقد تعجب من صغر سنه، 25 عاما، وهم ما يتنافى مع الخبرة، لكن عبدالجبار، الذي أطلع على عمله، أمر بتحرير أول عقد له للسفر للعراق ضمن 6 من المصريين، كأفضل الصناع المهرة للعمل في القصر الرئاسي.
في إحدى الأيام أمر المسؤول عن العاملين بالقصر الرئاسي بإحضار العمال المصريين الست، ليعرض عليهم تنفيذ تصميم ما، ويحدد من لديه القدرة على "دق" هذا الرسم، بلغة صناع الأويما، على صالون "فوتيه" تم إحضاره من فرنسا.
مغامرة
رفض الصُناع الخمس المغامرة بتنفيذ ذاك التصميم، مرشحين محمد العربي لمهارته، وعندما عُرض على بطلنا تنفيذ التصميم لم يتردد للحظة بالموافقة، ما دفعه للتساؤل عن ثقته الكبيرة، فأجابه العربي قائلًا: "الحمد لله أثق في نفسي. وقد جئت إلى هنا للعمل وتحليل أموالي".
عكف "العربي" على تنفيذ ذاك الصالون في "كرفان" خاص به، وأخذ يتفنن فيه، ويضيف على التصميم ويخرج ما لديه من إبداعات فنان، حتى أنتهى منه، وبعد فترة فوجئ بأحد الضباط من القصر المشرف على العمال يقتحم عليه "الكرفان"، مطالبًا إياه بتغيير ملابس العمل على الفور بأخرى نظيفة، والمجيء معه بدون مناقشة، كما أوضح محمد العربي.
توجه ذاك الضابط بمحمد العربي إلى قصر الرئاسة والأجواء من حوله تثير مشاعر الخوف وأنه قد ارتكب شيء كبير، وأثناء انتظاره وجد الصالون "الفوتيه" الذي قام بتنفيذ، هنا بدت له الأمور تتضح بعض الشيء، ظنا منه أن الغرض من مجيئه هو تعديل المسؤول عن العاملين بالقصر على الصالون، لكن ما لم يكون في الحسبان مقابلته لصدام حسين.
مقابلة صدام حسين
ويقول: "رأيت من بعيد شخصًا أشبه عليه، لكن من الخضة لما أتمكن من التعرف عليه، ووجدت من حولي يقفون أنتباه (وقفة عسكرية) فوقفت مثلما يقفون، وفجأة أرى ذاك الشخص هو الرئيس صدام حسين، فأول ما نطق به لساني، سيدي".
وأضاف أنه عندما حاول التقدم إليه ومصافحته، منعه الحراس، لكن صدام حسين أوقفهم، ودار بينهم حوار مفاده أنه صدام حسين تعجب من أنه هو من قام بتنفيذ الفوتيه، ظنا منه بأن صحاب تلك المهارة رجل كبير وليس شاب صغير السن، كما أبدى إعجابه الشديد ببراعة ومهارة المصريين، وأنهم لا يغلبون في تنفيذ شيء، وانتهت المقابلة بأن أمر صدام حسين بصناعة أطقم أخرى لأبنائه، وصرف مكافئة مالية مقدارها 15 ألف دينار، لكن بحسب قول العربي أنه لم يحصل على المكافأة، والسبب أنه لن يحصل على الأموال إلا بعد عودته من الإجازة بمصر.
نشوب حرب بين العراق والكويت حال دون عودته للعراق مرة أخرى والحصول على تلك المكافأة، وحتى اليوم لم يحصل عليها محمد العربي، ولكن كانت المكافأة الحقيقية له معنوية وليست مادية، موضحًا أنه من ضمن أبرز الأعمال التي قام بتنفيذها وتصميمها بالقصر الرئاسي المنصة الرئيسية، التي كان يقف عليها صدام حسين والرؤساء، أثناء السلام الجمهوري، وكذا "باب صقر" وهو عبارة عن صقر كبير فوق باب، متمنيًا من الله أن يزالون متواجدين.
نشأة قاسية ومسؤولية مُبكرة
عاش محمد العربي حياة مليئة بالتحديات والكفاح، بدأت مع وفاة والده عن عمر يناهز الـ44 عامًا، وكان والده بمثابة الصديق والأب والسند، ووفاته في هذا السن المبكر أثقل عليه في بكورته مسؤولية الإنفاق على المنزل وتجهيز إخوته الفتيات الأربعة.
لم يلتحق العربي بالمدرسة؛ حيث قضى سنواته الأولى في تشرب أصول صنعة "الحفر على الخشب" بإحدى ورش النجارة بالقاهرة، وكان يبلغ من العمر بحسب قوله 7 سنوات.
امتلك من المهارة والحرفية في فن "الأويما" ما يمكنه من نحت أدق تفاصيل الرسمات على الخشب، إضافة إلى موهبته في رسم أي تصميم يعرض عليه قبل الشروع في تنفيذه، وتحديد المرتفعات والمنخفضات في الرسمة عبر تظليل المنخفضات، وهي إحدى الطرق الهندسية في الرسم.