ليست القضية فى ما قاله الشيخ سالم عبدالجليل، وكيل وزارة الأوقاف المستقيل، سابقًا الأسبوع الماضى فيما يخص تكفيره للمسيحيين عندما كان يفسر الآية ٨٥ وما بعدها من سورة آل عمران، «ومن يبتغ غير الإسلام دينا فلن يقبل منه وهو فى الآخرة من الخاسرين»، فهذا التفسير للآية ولآيات كثيرة من الطبيعى أن تكون هى الهادى للمسلم حتى يؤمن أن دينه هو الإسلام صحيح وأنه كمسلم هو من سيفوز فى الآخرة بالجنة دون سواه..
الطبيعى هنا هو أن كل صاحب دين من حقه أن يؤمن أن دينه الذى يؤمن به هو الحق كل الحق، بل هو الحقيقة المطلقة دون غيره من الأديان وإلا ما كان يؤمن به ولا يعتقد فيه، وهذا يوجد فى جميع الأيان السماوية الوضعية وإلا إذا كان مؤمنا بدين يعرف ويثق فى صحة دين آخر غير دينه يصبح انتقاله واعترافه بهذا الدين الآخر طبيعىا، فاليهود هم من يؤمنون بالدين الذي يرون فيه أنهم شعب الله المختار، الذى أنقذهم من يد فرعون.. والمسيحيون هم من سنيال السماء لأن كل من لم يعتمد بالماء والروح لن يعاين ملكوت السماوات.. والمسلمين هم خير أمة أخرجت للناس.. كما أن أصحاب الأديان الوضعية لهم دينهم وعقيدتهم، والأهم الذى يعبدونه ويؤمنون أنهم الصح وليس الخطأ.. نعم فهذه هى إرادة الله التى أرادت هذه التعددية.. هذه التعددية تعنى أن فكرة الألوهية، ومنذ أن خلق الله آدم هى الفكرة التى تقود الإنسان مطلق إنسان فى أن يكون له آله يعبده حسب إيمانه وفطرته ومعرفته وتفسيره للأمور وبطقوسه الخاصة لكل دين ولعبادة الإله.. ولذا قد رأينا الله سبحانه وتعالى قد تعامل مع آدم حسب قدرته وبقدر استيعابه للأمور فكانت تلك الوصية لا تأكل من هذه الشجرة، ومع تطور آدم عقلًا وفكرًا واستيعابا أوجد الله له الشرائع والمناهج والرسل والرسالات، ثم الأنبياء وأخيرًا الأديان.. يقول الإنجيل «من ليس لهم ناموس فهم ناموس لأنفسهم».. ويقول القرآن «لِكُلٍّ جَعَلْنَا مِنكُمْ شِرْعَةً وَمِنْهَاجًا وَلَوْ شَاءَ اللَّهُ لَجَعَلَكُمْ أُمَّةً وَاحِدَةً»، إذن ما هى حكاية التكفير هذه؟ الكفر لغويا يعنى عدم الإيمان بما تؤمن به، فالمسلم يكفر بالمسيحية أى لا يؤمن بأحكامها وعقائدها، ولكنه يؤمن بالإسلام عقائده وأحكامه.
كذلك المسيحى يكفر بالإسلام لذات السبب.. وكل صاحب دين يكفر بالأديان الأخرى لأنه لا يؤمن بما تؤمن به هذه الأديان.. ولكن هل الكفر هنا لغويًا، يعنى عدم الإيمان بالله خالق السماوات والأرض.. خالق الإنسان مطلق إنسان أيا كانت ديانته وعقيدته وما يؤمن به.. الإنسان الذى يفضله عن سائر المخلوقات؟ وهنا يمكن أن نقول إن الاشتراكى يكفر بالرأسمالية والعكس صحيح، وهكذا فى كل الأمثال، هذا يعنى أن أصحاب الأديان إذا كانوا يكفرون بعضهم البعض وهذا الكفر هو نتيجة معنوية أى عدم الإيمان بدين الآخر، ولكن الجميع يؤمن بالله الواحد الأحد.. ولكن لكى نكون صرحاء فالكفر والتكفير على المستوى الاجتماعى والعام فى إطار الموروث يعرف وعرف بأن الكافر هو من لا يؤمن بالله ووحدانيته، بل هو إذا كان غير مسلم وعرف بأنه كافر، فهذا يعنى أن هذا الكافر هو ضد الإسلام، ويعمل على محاربته، الشىء الذى يعنى أن يجاهد المسلم تجاه هذا الكافر دفاعًا عن الإسلام ويفعل ما يريد قتلا وترويعًا وحرقًا، حتى يكون هو المسلم الحق، الذى يدافع عن دينه مع العلم أن القرآن والإسلام يقول: «لا يَنْهَاكُمُ اللَّهُ عَنِ الَّذِينَ لَمْ يُقَاتِلُوكُمْ فِى الدِّينِ وَلَمْ يُخْرِجُوكُم مِّن دِيَارِكُمْ أَن تَبَرُّوهُمْ وَتُقْسِطُوا إِلَيْهِمْ إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُقْسِطِينَ»، ولذا وعلى هذا الفهم وذلك التفكير نجد أن داعش وأمثاله يستندون على مثل هذه التفاسير ويفعلون ما يفعلون فى غير المسلمين، بل فى المسلمين ذاتهم، لأنهم لا يساندونهم فى هذه الآراء وتلك الاجتهادات..
كما أن الإسلام إذا كان يكفر غير المسلم الذى لا يؤمن بالإسلام على قاعدة عدم الإيمان بما تومن به وكذلك فى باقى الأديان، ولكن لا يوجد نص فى الأديان السماوية يفرض على أصحاب الدين أن يهزأوا من دين الآخر أو يسفهوا محتواه..
بل قالت الأديان بعدم الإساءة لدين الآخر حتى لا يسىء إلى دينك، وهنا نركز أن المسيحية لا تحرم الآخر رأيًا ودينًا، بل تفرض على المسيحى الحق أن يحب الآخر بل يحب عدوه.. إذن القضية ليست تكفير الآخر فى معناه اللغوى أو فى سياقه الدينى ولكن الإشكالية فى فهم التكفير فى إطاره الاجتماعى والتاريخى، الذى يمثل اجتهاد البعض وليس الكل بالرغم من الخلاف الدينى وهو مشروع وطبيعى، حيث إنه إرادة إلهية ولكنه لا يعنى الصراع والقتال والتحارب ورفض الآخر الإنسانى، لأن الخلاف والتعددية قد أرادها الله وهو ذاته جلت قدرته، الذى أمر بالتحاب والسلام والقسط وبكل التمسك بالقيم الدينية، التى هى قيم إنسانية تقدر الإنسان وتحافظ على هذه الإنسانية لأنه لو كانت الأديان تتصارع بهذا الشكل ما بقيت الإنسانية منذ أن خلق الله العالم، إذن الدعوة إلى الدين أى دين هى واجبة على كل متدين فى أن يكون قدوة ومثلا طيبًا للآخر «ادع إلى سبيل ربك بالحكمة والموعظة الحسنة»، «والإيمان ما وقر فى القلب وصدقه العمل»، وليروا أعمالكم الصالحة ليمجدوا أباكم الذى فى السماوات»، وعلى ذلك يمكن أن نقول بأن الشيخ سالم قد جانبه الصواب ليس لأنه قام بتفسير سورة آل عمران، ولكن فى توجيه التقريع واللوم على الآخر المسيحى.. فالدعوة للدين وتفسير الآيات فى أى دين لا يعنى تسفيه الدين الآخر، حيث إن هذا لا ولن يكون دعوة بل يكون حشدًا جماهيريًا سياسىا يأخذ الشكل الدينى لأن الحشد يعتمد على العاطفة والإثارة وخلق عدو وهمى يهدد الدين حتى تم حشد الأتباع ويكونون وراء ذلك الزعيم، الذى يستغل الدين.. ولكن الدعوة للإيمان الصحيح يتم ببيان محاسن الدين والتركيز على قيمه وأخلاقه وقبول الآخر حتى ولو كان مختلفًا فى الدين، حيث إن الله هو الذى سيفصل ويحكم ويشهد للجميع «إِنَّ الَّذِينَ آمَنُواْ وَالَّذِينَ هَادُواْ وَالصَّابِئِينَ وَالنَّصَارَى وَالْمَجُوسَ وَالَّذِينَ أَشْرَكُواْ إِنَّ اللَّهَ يَفْصِلُ بَيْنَهُمْ يَوْمَ الْقِيامَةِ إِنَّ اللَّهَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ شَهِيدٌ»، ونحن هنا لسنا مع التوقيت غير مناسب لأن مشاعر المصريين لا تزال ملتهبة من أثر الضربات المتلاحقة، التى طالت المسيحيين ودور عبادتهم فى الشهور الأخيرة.
تفجير البطرسية فى العباسية ثم تهجير المسيحيين عن بيوتهم فى سيناء، ثم تفجير مارجرجس فى طنطا والمرقسية فى الإسكندرية، لأن التوقيت لا يجب أن يكون بحجة التكفير ومبررًا لعدمه ولكن العبرة فى الفكر الدينى الصحيح الذى يقبل الآخر ولا يحكم عليه بالكفر أو الإيمان، الفكر الدينى الصحيح الذى لا يتصور أنه من يملك أن يدخل من يريد الجنة ويحدف من يشاء إلى النار، فالشيخ سالم قد كفر سيد القمنى فى قناة القاهرة والناس وكفر محمد عبدالله نصر فى حوار صحفى وقال يجب أن يرجم فى ميدان التحرير وهم مسلمون، حيث إنهم يقولون لا إله إلا الله، إذن القضية ليست تكفير غير المسلم وإن كان هذا قائمًا بالمعنى الذى أوضحناه بين المسلم والمسيحى وأى دين آخر أو حتى عدم الإيمان بفكر أو رأى، ولكن أن يكفر مسلما ويحكم عليه بعقوبة الرجم فهذا لا علاقة له بالآخر الدينى وغير الدينى.. هذا هو ما يجب أن نركز عليه ما يجب أن نعالجه ليس بأفكار أصول الدين وثوابته لأى دين.. ولا بمجاملة الدين الآخر، إنه الحقيقة لا هذا ولا ذاك.. ولكن بالتمسك بالدين واحترام أصحاب الدين الآخر، بل الرأى الآخر، حيث إن الله الذين سيحاسب الجميع.. وفى ذات المجال وفى المقابل ولنفس الأسباب ترفض على الجانب المسيحى من يدعى أنه يبشر بالمسيحية خاصة فى القنوات الدينية المسيحية، التى تبث من الخارج من أمثال زكريا بطرس ومرقس عزيز، وهم لا علاقة لهم بالمسيحية ولا بالتبشير المسيحى ولا بقيم الحب المسيحى، فالتبشير هو تعريف صحيح العقيدة المسيحية والتركيز على قيمها ومبادئها وأخلاقياتها وقبول الآخر وحب الأعداء، فلا علاقة بهذا وبمهاجمة الإسلام والإساءة له وللمسلمين ولعقائدهم، وهذا ليس بتبشير، ولكنه حشد جماهيرى يثير الطائفية وينتج قدرًا طائفيا يساعد على التشرذم والفتنة، فالإساءة لدين الآخر غير التعريف بالدين.. وتسفيه الأديان الأخرى لا يتسق مع، ولكنها المتاجرة بالأديان فى كل مكان وكل زمان ولكل الأديان الأخرى أدعو إلى الذين بشروا بالدين بقيمه وأخلاقياته قيم أى دين لأتباع كل دين.. قدم القدوة الحسنة والمثل الجيد للآخر الدينى حتى تكون عنوانًا حسنا لدينك، حسنًا معالجة الموقف المترتب على إساءة عبدالجليل حسنًا أن يرفض الرأى العام المصرى المسلم خاصة هذه الإساءة، ولكن لسنا مع تطبيق ما يسمى بازدراء الأديان فافتحوا الأبواب للرأى والرأى الآخر فى إطار القيم الدينية وقبول الآخر.. فالازدراء لا يكون إلا برفض الآخر ورفض تصرف الشيخ عبدالجليل لا يلغى وجوب رفض الذين قد دأبوا على سب المسيحيين والإساءة للمسيحية أمثال برهامى، فهذا لا يجب أن يقال فى الإعلام، ولكن مكانه الأماكن البحثية فيما يسمى بالمقارنة بين الأديان للتعرف الصحيح وليس للتربص والتصيد..
الآن وفى كل أوان مصر لا تستحمل هذه الممارسات ضد الآخر ومن أى طرف ومصر تحتاج إلى فكر دينى صحيح يوضح بين المسيحى المؤمن بالله والشاهد عليه أفعاله وبين الكافر، الذى يتوعده الله بجهنم.. مصر تحتاج إلى توحد وطنى مصرى يعطى الحق لكل صاحب دين أى يؤمن بدينه ويعطى فى نفسى الوقت الآخر الدينى نفس الحق فى أن يؤمن بصحيح دينه، الحل لكل مصرى أن يؤمن كيفما يشاء والله هو الذى سيحاسب والله تعالى قال «فمن شاء فليؤمن ومن شاء فليكفر» مصر تحتاج أن يعامل المصرى كمواطن مصرى كامل الحقوق بدون تفرقة لأى سبب، الوطن يعامل المواطن على أساس مواطنته وليس على أساس دينه.. فالدين لله والوطن للجميع ومصر لكل المصريين..