«المصور» تدخل عالمهن السرى راهبات «دميانة» .. ملائكــــــــة تسكن الأرض
مُعايشة : سارة حامد
عدسة : إبراهيم بشير
خطوات متأنية على بعد ١٢ كيلومترا من منطقة برارى بلقاس بمحافظة الدقهلية، حيث سُكنتهن الأبدية.. هُنا دير القديسة «دميانة والعذارى الأربعين»، حيث يعيش ما يقرب من ١٦٠ راهبة ومكرسة، و٣ راهبات إريتريات داخل الدير.
حياتهن أشبه بخلية نحل يتعبدن فيها، ويعملن فى صمت لا يبغين إلا وجه الله، فتيات تفوقن فى دراستهن فحصلن على شهادات جامعية عليا، مُعظمهن خريجات كليات الهندسة والطب، ويتسمن بهدوء شخصياتهن، وحسن خلقهن، فيطلقن على أنفسهن «الملائكة الأرضيين».
كل هذه الصفات أهلت كل واحدة منهن إلى حياة البتولية ساعيات للحياة مع المسيح فى الأبدية، فتركن أسرهن وواجهن مصاعب المجتمع الرافض لحياة الرهبنة، وقررن الاعتكاف فى القلايات، يواظبن على صلوات ومزامير وتسبيحات ليلية ورفع بخور فى العشية وباكر، يمارسن القراءة فى الكتب المقدسة والنسكية والعمل الروحى والبدنى فى أعمال يدوية بأقسام الدير المختلفة حسب قدراتهن ومهاراتهن.
«المصور» كانت هناك ورصدت عالمهن السري، عبارات كثيرة أكدت عليها الراهبات، منها «لو عادت الأيام للوراء لن نختار سوى حياة الرهبنة».. ويزدن على هذا: «تركنا الحياة ولم نمر بقصص عاطفية أو نفكر فى الزواج».
كل واحدة منهن مُنشغلة فى عملها، لا وقت للأحاديث الجانبية، صمت يحيط مبانى الدير، فلا تسمع سوى أصوات تصدر من ورش النجارة أو ماكينات الخياطة، أو أنات الباكين أمام قبر القديسة دميانة راجين أن تصلى من أجل تحقيق أمانيهم، الراهبة آنا، وكيلة الدير، واحدة من هؤلاء، تقول «شغلتنى حياة الرهبنة وكنت أقضى إجازاتى فى خلوات الدير منذ أن كنت فى المرحلة الإعدادية إلى انتهاء دراستى الجامعية بكلية طب أسنان».
وتضيف: «القراءة المستمرة فى بستان الرهبان عن محاربة الشياطين للرهبان فى البرارى والمناطق المقفرة جعلنى مترددة وزاد من مخاوفى عن اتخاذ قرار الرهبنة، فكان لى أحد أقاربى راهبا فى دير الأنبا أنطونيوس، صارحته بما انتويه وشرحت له مخاوفى عن طبيعة حياة الرهبنة، فقال لى إن «الرهبنة درجات ومراحل، والله يختبرنا على قدر قدرتنا على التحمل، وظل يشجعنى على اتخاذ تلك الخطوة، فلم أتردد لحظة فى الالتحاق بالرهبنة فى دير القديسة دميانة والعذارى الأربعين الذى كان الوحيد الذى يقبل فتيات طالبى الرهبنة فى وقت التحاقى به عام ١٩٩٠».
«آنا» تعترف دوما بينها وبين نفسها وتقول: «لم يكن لدىّ موانع إذا توافر دير يقبل طالبى الرهبة غير دير دميانة، ولم أصارح أسرتى للذهاب إلى الرهبنة عند مُغادرة المنزل، فظنوا أننى ذاهبة للخلوة كعادتي»، وعندما طالت فترة خلوتى اتصلوا بالدير فأجابوهم: «ابنتكم صلينا عليها صلاة الموت»، مضيفة: بعد أشهر زارتنى أمى فى الدير وظلت تبكى متأثرة بالفراق، لكنى لم أتأثر كثيرا، لأن مريم العذراء أشبعتنى عن الأمومة الدنيوية، وبعد أعوام رغبت إحدى شقيقاتي الست الاقتداء بى فى حياة الرهبنة، لكن الزواج كان طريقها الذى اختاره الله لها، ولم يختر لها الاستمرار فى حياة البتولية».
وتكمل حديثها: «٢٧ عاما مرت على رهبنتى لم أغادر الدير سوى ٣ مرات فقط، المرة الأولى كانت بعد ١٠ سنوات من الرهبنة لحضور مؤتمر مسيحي، ولا أخفى أنى أبغض الخروج إلى خارج أسوار الدير، وتلك هى أكثر الأمور التى تؤرقنى وأيضا أحزن بشدة عند معرفتى عن تراجع فتيات عن حياة الرهبنة وعودتهن للحياة الدنيا أثناء فترة الاختبار.. وكنت أتمنى بشدة استمرارهن فى الحياة الملائكية، أما أكثر ما يسعدنى عندما تنمو إلى مسامعى أخبار عن عشية رهبنة فتيات جدد، ولو عادت الأيام مجددا للوراء لن أختار سوى حياة الرهبنة».
يوم تزوجت شقيقتي.. حزنت!
حياتها الرهبانية أنستها أنها سيدة، فتقول «أشفق على شقيقتى المتزوجة».. عبارة رددتها الراهبة «مارتيريا» فى عارض حديثها، مبررة أن حياة السيدات خارج الدير تتطلب قوة احتمال وجلد من قبل الأمهات والزوجات لتربية أطفالهن، لذلك هن يحتجن إلى الشفقة.
حياة «مارتيريا» مليئة بالأقارب والمقربين الذين لم يشبعوا من متع الدنيا ومنشغلون بها، ولم يزهدوا فيها مثلها، بينهن أختها الشقيقة: «حزنت يوم زفافها لأنى تمنيت أن تسلك نفس طريقى فى حياة الرهبنة فى أى دير للراهبات، لكن الله سخرها لطريق آخر وأيضا لخدمة والدىّ فى حياتهم»، وتكمل: «تخرجت فى كلية آداب قسم اللغة الإنجيلزية، وعملت فى شركة أجنبية كبرى وكنت أتقاضى مرتبا مجزيا جدا، وأثناء عملى عرض علىّ العمل فى السفارة الأمريكية بمصر، لكنى تركت كل ذلك رغبة فى الحياة البتولية، فالتحقت بالدير منذ أكثر من ٣٠ عاما».
«لم يختلف تخصصى عن عملى داخل الدير» تقول بكل ثقة: «عملت بترجمة الكتب، والأبحاث الأجنبية المسيحية، وأيضا تعلمت اللغة العبرية بإجادة تامة خلال عامين من إحدى نزيلات الدير التى أقامت فترة فى بيوت الضيافة، وأيضا تعلمت اللغة اليونانية لترجمة الكتب والمخطوطات المكتوبة باللغة القبطية».
الراهبة تقول عن فترات الخلوة: «أحيانا تصل فترة خلوتى داخل القلاية إلى شهر لا أخرج منها، إلا فى مواعيد الصلوات فقط دون النطق بكلمة واحدة مع أحد فى الدير إلا فى حالة طلبى العلاج».
أما عن الصعوبات التى مرت بها منذ رهبنتها تقول «مارتيريا»: الأيام الأولى فى إقامتى بالدير كانت أصعب فترة زمنية قضيتها، لأنى دخلت عالم الرهبنة فى شهر سبتمبر الذى يبدأ الجو يتحول فيه إلى طقس شديد البرودة، فكنت لا أتحمل الرعد والبرق فى البرارى إلى أن تعودت عليه».
هواية الراهبة فى شبابها الاطلاع على الكتب والقراءة، فتقول، «تأمل الطبيعة وعزف البيانو هما أكثر هواياتى منذ صغري، لكن بعد الرهبنة ما زلت أقرأ، لكن استعضت عن عزف البيانو بالألحان القبطية وآلة الدُف والتريانتو القبطية»، ولم تكد تكمل حديثها، إلا وهى تمسك بالآله وتردد تراتيل إنجيلية.
مؤكده رفضها الرهبنة فى أى دير آخر، بقولها: لن أقبل بالرهبنة فى أى دير غير القديسة دميانة والعذارى الأربعين»، مضيفة: منذ أن كان عمرى ١٥ عاما كنت أحب دير القديسة دميانة وتهوى إليه نفسي، لأنه بعيد عن عائلتى وكل معارفي.. وهنا لا أحد يعرفنى ولا أعرف أحدا سوى التضرع إلى الله .
تابع التفاصيل في العدد الجديد في المصور الموجود حالياً في الأسواق .