رئيس مجلس الادارة

عمــر أحمــد ســامي

رئيس التحرير

طــــه فرغــــلي


لجان المشاهدة في مهرجانات السينما .. استشارية أم ملزمة؟

21-5-2017 | 11:08


صفاء الليثي - مونيرة وناقدة سينمائية مصرية

على مدى سنوات شاركت في لجان لاختيار أفلام مهرجاني القاهرة الدولي السينمائي والإسماعيلية للأفلام التسجيلية والقصيرة. المصطلح العلمي لها أنها لجان اختيار أولى (Pre-selection) مهمتها اختيار أفلام للمشاركة بالمهرجان من بين أفضل الأعمال المتقدمة للمشاركة. وقد اختارت لجنة مشاهدة مهرجان القاهرة فيلم "آخر أيام المدينة" بحماسة للمشاركة في المسابقة الرسمية (2016)، وبعدما أعلن عن اختياره بالفعل، تغير الموقف وفوجئ أعضاء اللجنة بفيلمين مصريين آخرين وعدم عرض الفيلم المختار بأي قسم في المهرجان.

    وقعت الأزمة فأثير النقاش: هل رأي اللجنة ملزم أم أنها لجنة استشارية؟ الناقد الراحل سمير فريد كان قد اعتمد تسمية "لجنة اختيار الأفلام" حين تولى رئاسة المهرجان عام 2014، بينما يعتمد الناقد يوسف شريف رزق الله التسمية بلجنة المشاهدة. وأعتقد أن الفارق كبير في المعنى وإن كانت النتيجة واحدة، تقوم سياسة رزق الله على أنه يستحيل عليه أن يشاهد بمفرده أفلاما تتخطى الألف فيلم بمتوسط ساعتين لكي يختار من بينها الأفلام المشاركة، ولهذا يعتبر لجنة المشاهدة لجنة معاونة له في غربلة العدد الكبير من الأفلام المتقدمة لمهرجان القاهرة العريق.

   رزق الله المدير الفني للمهرجان ومبرمج البرامج اختار مساعدا له في السنوات الأخيرة يشاركه الاختيار. بعض الآراء تذهب إلى أن هذه اللجنة غير ذات صفة وأن الأفضل أن يكون هناك مبرمج يختار الأفلام ويصنفها داخل أقسام المهرجان المختلفة. وأجد الرأي مناسبا للمهرجانات الصغيرة كمهرجان شرم الشيخ للسينما الأوروبية والعربية أو مهرجان الأقصر للسينما الإفريقية أو مهرجان أسوان لأفلام المرأة. ويبقى مهرجان القاهرة السينمائي في احتياج إلى لجان تختار وتمنح تقديرات، ويقترح أفرادها القسم الذي يرشحون الفيلم للمشاركة به. يحكم النقاد من خلفيات صحفية غالبا على محتوى الفيلم وفكرته، أما النقاد من خلفيات أكاديمية أو من بين دارسي فن السينما وصناعها فيعنيهم الأسلوب الفني للفيلم وكيفية تناوله عبر تقنيات السرد. ولهذا أجد أن اللجنة الأكثر توفيقا في الاختيار التي تضم نقادا صحفيين وصناعا للفيلم ممن يمتلكون حسا نقديا ومن الممكن أن تضم أيضا مثقفا عاما أو ممارسا لفن الكتابة أو الفن التشكيلي، فتكون عندها النظرة للأفلام شاملة فروع الفيلم الستة المعروفة.

   اللجنة الأنسب تتنوع فيها أيضا الفئات العمرية والنوعية، شبابا وكهولا، رجالا ونساء. أذكر أن لجنة ضمتني مع د. سلمى مبارك والصحفية علا الشافعي، وكنا ثلاثتنا نتحمس لفيلم لا يلفت انتباه الرجال الزملاء من الرجال، الأنثى تقرأ بشكل نسوي الأفكار والمشاعر بشكل يغيب عن الرجال أحيانا كثيرة. أما الخلاف الأكبر فينشأ بين جيل قديم مازال يجد أن التزام الفن ضروري في المقام الأول بينما يجد الشباب أن كسر القواعد والتجديد في الشكل عنصر يغلب المضمون ومفاهيم الالتزام بكل أنواعها. يثار نقاش أيضا حول تضمن بعض الأفلام لمشاهد جنسية صريحة، عندها تظهر وجهتا نظر، إحداهما ترى الحكم على الفن لدواع فنية بعيدا عن الرقابة، والرأي الآخر يصرح بأننا نختار فيلما للعرض على مصريين متنوعي المشارب وليس اختيارا في المطلق. أنحاز إلى الرأي الأخير ويكون اختياري بما أعتقد أنه مناسب للعرض في مصر على جميع المستويات شكلا وموضوعا. وتظل لجنة مشاهدة مهرجان القاهرة لجنة استشارية ترشح عددا من الأفلام يتخطى كثيرا ضعف المطلوب لتكون هناك فرصة أمام المبرمج ليختار بشكل نهائي الأفلام المشاركة بما يناسب لائحة المهرجان وبما يمكنه الحصول عليه بأقل تكلفة ممكنة مع انخفاض سعر الجنيه المصري أمام العملات الأجنبية. هكذا يكون مصطلح "لجنة المشاهدة" تعبيرا دقيقا. وعلى حسب توافق أعضاء اللجنة وتقبلهم للخلاف في جو ديمقراطي تكون اللجنة موفقة واختياراتها مرضية، يلاحظ التوافق أو عدمه من شكلها وبناء عليه يقوم بالتغيير أو التجديد.

   لجان مهرجان الإسماعيلية رغم اختصار تسميتها إلى "لجان المشاهدة" إلا أنها لجان اختيار باتة ونهائية بدرجة 90%، واللجان تنقسم حسب فروع المسابقات فتكون هناك لجنة للتسجيلي بنوعيه الطويل والقصير، ولجنة للفيلم الروائي القصير ولجنة لأفلام التحريك. منذ البداية تم اختيار اللجان من بين من مارسوا صنع هذه الأفلام والمتخصصين بها بشكل أساسي مع تطعيمهم بالصحفيين، وأنحاز كثيرا إلى هذا التوجه الذي ينتج عنه دقة اختيار الأفلام باعتماد أسلوبها الفني بشكل أهم من المحتوى الذي تعبر عنه.

   أحد مهام أعضاء اللجان سواء في مهرجاني القاهرة أوالإسماعيلية مراعاة التنوع في الموضوعات والأساليب الفنية عند الاختيار، ولأن الواقع يفرض نفسه، كثيرا ما تؤثر القضايا المطروحة على الساحة في عملية الاختيار، كأن تكون الهجرة السرية أو قضايا الإرهاب كما هو حادث منذ سنوات، وقبل ذلك كانت قضايا عمالة الأطفال أو اضهاد المرأة والأقليات، قضايا آنية تفرض وجودها وتقود الاختيار بما يتجاوز في أحيان كثيرة المستوى الفني للفيلم. وإذا كانت لجان التحكيم تختار الأحسن من بين الأسوأ، "أحسن الوحشين" مثلما عبر توفيق صالح فهذا هو واقع الحال مع لجان الاختيار التي يمكن اعتبارها لجان تحكيم أولية قبل الاستئناف.

   يحرص المدير الفني ورؤساء المهرجانات على تجديد تشكيل اللجنة، يقوم يوسف شريف رزق الله بقراءة تقارير الأعضاء بدقة، ومنها يشكل رأيا مبدئيا قبل أن يشاهد الفيلم الذي رشح للمشاركة، يقيم اختياره للأعضاء وبحسه النقدي يتحمس لعضو ويبقيه لعام بعد عام أو يجده لم يؤد دوره كما يجب أو أنه لم ينتظم في الحضور، الالتزام والحرص على الحضور الدائم أمر مهم لتكون مشاركته فعالة ومتكاملة الرؤية.

   تبقى علاقة أعضاء اللجنة مع المخرجين المصريين شائكة، أغلب من يتقدمون بأفلامهم يحرصون على معرفة أعضاء اللجنة، هي معلنة وتنشر تشكيلاتها بالصحف بالطبع، بعضهم يطارد العضو ويسأل ويتعجل قرار اللجنة، البعض يعادى ويهاجم إذا لم يتم اختيار فيلمه، مبالغة المخرجين المصريين في تقدير أعمالهم واعتمادهم على آراء أصدقائهم آفة كبرى ومن أكبر مشاكلنا التقدير المبالغ فيه الذي يضعه المخرج لنفسه أو أن يوقعه حظه العاثر في أصدقاء ينحازون له مهما كان مستوى عمله المتواضع غالبا.

   عمل اختيار أفلام للمشاركة بالمهرجان جهد شاق ومسؤولية كبيرة، تجاه المبدعين وتجاه المتلقين، وطالما سعدت باستقبال الحضور في مهرجان الإسماعيلية للأفلام المشاركة، وخجلت من كلمات الشكر على حسن الاختيار، وحزنت مرات أقل للمعاتبة على ضعف مستوى بعض الأفلام المشاركة، مع السنوات شعرت أن مهرجان الإسماعيلية أحد أفراد أسرتي، يهمني نجاحه ويهمني أن يحوز إعجاب الأصدقاء. ومع مهرجان القاهرة المسؤولية الكبرى إذ يستمر الترشيح حتى أثناء المهرجان نظرا لتعدد العروض وتزامن أكثر من برنامج، يوقفني زملاء ويسألون "ترشحي لنا ايه" فأشير لانحيازاتي، تناسبهم غالبا وتكون فرحتي حين تخرج نتائج لجنة التحكيم فأجدها متوافقة بدرجة كبيرة مع ترشيحاتي.