رئيس مجلس الادارة

عمــر أحمــد ســامي

رئيس التحرير

طــــه فرغــــلي


لَقَدْ خَشِيتُ عَلَى نَفْسِــــــي

5-8-2021 | 17:47


د.عمرو سكر,

إن الثقة بالنفس عنصر أساسي من العناصر التي تدفع الإنسان للإنجاز والنجاح في شتى مجالات الحياة ولكن عادة ما يهاجمها عدو رئيسي وهو الخوف فيعمل على إنقاص قدرات ومهارات النفس فتتوقف عن إكمال مسيرة الإنجاز والنجاح وينتابها الشعور الدائم بالقلق.

وهذا العدو ذو قدرات خاصة على التلون فيهاجم النفس في صور عده منها الخوف من المجهول فترى الكثير من البشر ينساق إلى هذا النوع من الخوف فيفقد لذة الحياة فيدفعنا إلى القلق على رزق الغد وأيامه ولياليه وهمومه ومشاكله وأحزانه.

ودعني أحسم لك تلك المسأله بكلمات الإمام "علي بن أبي طالب" الذي قتل بها خوفه من المجهول بعمق معرفته بواقع الدنيا وفطرتها التي خلقت عليها فيقول رضي الله عنه:

"الرِّزْقَ رِزْقَانِ : رِزْقٌ تُطْلَبُهُ ،وَرِزْقٌ يُطْلَبُكَ .فَإِنْ لَمْ تَأْتِهِ أَتَّاكَ ، فَلَا تَحْمِلَ هَمَّ سَنَتِكَ عَلَى هَمِّ يَوْمِكَ ، كَفَّاكَ كُلُّ يَوْمِ بمَا فِية،فَإِنَّ تُكَنْ السَّنَةُ مِنْ عُمَرِك .

 

فَإِنَّ الله تَعَالَى: سيؤتيك فِي كُلُّ غَدِ جَدِيدِ مَا قُسِّمَ لَكَ وَإِنَّ لَمْ تُكَنْ السَّنَةُ مِنْ عُمَرِكَ ، فَمَا تَصْنَعُ بِهَمِّ مَا لَيْسَ لَكَ ؟ وَلَنْ يُسَبِّقَكَ إِلَى رِزْقِكَ طَالِبٌ ، وَلَنْ يَغْلِبَكَ عَلَيه غَالِبٌ ، وَلَنْ يُبْطِئَ عَنْكَ مَا قَدْ قُدِّرَ لَك فتلك كلمات المؤمن الواثق في ربه فهو تعلم من المربي سيدنا محمد " صلى الله عليه وسلم " أن السعادة بما في اليد خير من انتظار الغد فقد قال صلى الله عليه وسلم "مَنْ أَصْبَحَ مُعَافَى فِي بَدَنِهِ آمِنًا فِي سِرْبِهِ عِنْدَهُ قُوتُ يَوْمِهِ فَكَأَنَّمَا حِيزَتْ لَهُ الدُّنْيَا بما فيها" صدق رسول الله صلى الله عليه وسلم.

وأحياناً يأتي هذا العدو في صورة الخوف من التغيير فالإستقرار في إطار معلوم إن كان لا يرضى طموحنا يجعلنا دائماً نخشى من التغيرات التي يمكن أن تطرأ علينا ولكن من صفات الناجحين قدرتهم على التكيف مع التغيير وما يعقبه من متطلبات.

 فأجعل نفسك تتقبل التغيير بإرادة وثقه بدلاً من أن تقبله عنوة فالتغيير من ثوابت الحياة  فليس دائم أبداً نعيم .. كذاك البأس ليس له بقاء "الإمام علي بن أبي طالب .

 

إن الأعجب عندما يأتبنا هذا العدو في صورة الخوف من النجاح .. نعم الخوف من النجاح فالكثير منا ينادي أنه يريد أن ينجح وعندما تتيح له الأقدار الفرصة أن ينجح يخشى أن يخرج من دائرة الراحة التي قد ألفها لأنه يعلم أن النجاح يتلازم معه مسؤليات واجتهاد وخروج من إطار دائرة الراحة المألوفه لديه.

فإذا قررت أن تنجح فعليك أن تقتل الخوف بأن تدفع ضريبة النجاح وهي عدم الركون والكسل.

 

 فهذا عدونا الذي يحمل قدرات خارقة على التلون في شتى الصور لذلك علينا مواجهته بطريقتين أساسيتين وهما :بناء القدرات والمهارات والتحضير الجيد لمواجهة الحياة فذلك يدفعنا إلى تغيير الخوف إلى ثقه عن قدرة فالواثق بنفسه دون قدرة هالك.

التحكم في أفكارنا وتوجيهها إلى الإيجابية في التفكير فذلك يدفعنا إلى التحكم في زمام حياتنا (أنت تملك القدرة على التحكم في ثلاثة أشياء ما تفكر فيه – ما تقوله – وكيف تتصرف لتحقق تغيراً في حياتك لابد أن تدرك أن هذه النعم هي أقوى الأدوات التي تمتلكها في تشكيل حياتك) ( سونيا فريدمان )

 

لم يجد رجل الأعمال الغارق في ديونه وسيلة للخروج منها سوى بأن يجلس على كرسي بالحديقة العامة وهو في قمة الحزن والهمّ متسائلاً إن كان هناك من ينقذه، وينقذ شركته من الإفلاس؟ فجأة! ظهر له رجل عجوز وقال له: "أرى أن هناك ما يزعجك"، فحكى له رجل الأعمال ما أصابه، فرد عليه العجوز قائلا: "أعتقد أن بإمكاني مساعدتك" ثم سأل الرجل عن اسمه وكتب له " شيكاً " وسلّمهُ له قائلاً: "خذ هذه النقود وقابلني بعد سنة بهذا المكان لتعيد المبلغ"، وبعدها رحل العجوز وبقي رجل الأعمال مشدوهاً يقلب بين يديه شيكاً بمبلغ نصف مليون دولار عليه توقيع ( جون دي روكفلر) رجل أعمال أمريكي كان أكثر رجال العالم ثراء فترة 1839م – 1937م. جمع ثروته من عمله في مجال البترول، وفي وقت لاحق أصبح من المشهورين. أنفق روكفلر خلال حياته مبلغ 550 مليون دولار أمريكي تقريبًا في مشروعات خيرية.

أفاق الرجل من ذهوله وقال بحماسة: الآن أستطيع أن أمحو بهذه النقود كل ما يقلقني، ثم فكر لوهلة وقرر أن يسعى لحفظ شركته من الإفلاس دون أن يلجأ لصرف الشيك الذي أتخذه مصدر أمان وقوة له، وانطلق بتفاؤل نحو شركته وبدأ أعماله ودخل بمفاوضات ناجحة مع الدائنين لتأجيل تاريخ الدفع. واستطاع تحقيق عمليات بيع كبيرة لصالح شركته. وخلال بضعة شهور استطاع أن يسدد ديونه وبدأ يربح من جديد.

وبعد انتهاء السنة المحددة من قبل ذلك العجوز، ذهب الرجل إلى الحديقة متحمساً فوجد ذلك الرجل العجوز بانتظاره على نفس الكرسي، فلم يستطيع أن يتمالك نفسه فأعطاه الشيك الذي لم يصرفه، وبدأ يقص عليه قصة النجاحات التي حققها دون أن يصرف الشيك. وفجأة قاطعته ممرضة مسرعة باتجاه العجوز قائلة: الحمد لله أني وجدتك هنا، فأخذته من يده، وقالت لرجل الأعمال: أرجو ألا يكون قد أزعجك، فهو دائم الهروب من مستشفى المجانين المجاور لهذه الحديقة، ويدّعي للناس بأنه "جون دي روكفلر"

وقف رجل الأعمال تغمره الدهشة ويفكر في تلك السنة الكاملة التي مرت وهو ينتزع شركته من خطر الإفلاس ويعقد صفقات البيع والشراء ويفاوض بقوة لاقتناعه بأن هناك نصف مليون دولار خلفه!

حينها أدرك أنّ النقود لم تكن هي التي غيَّرت حياته وأنقذت شركته، بل الذي غيرها هو إكتشافه الجديد المتمثل في (الثقة بالنفس).

 

ولكن دعني أطرح عليك السؤال الذي يبدو في ذهنك وطالما تكرر على مسامعي كلما تطرقت إلى هذا الموضوع في ندواتي وهو :

كل البشر يجب أن ينتابه شيء من الخوف فكيف نطلب مني أن أقتل الخوف تماما في نفسي ؟{

نعم كل إنسان ينتابه الخوف ولكن يجب أن يكون هذا الخوف بقدرة الطبيعي الذي لا يعطلك عن مسيرتك لأداء أي شيء من نشاطات حياتك ، وكلما قمت بواجبك في التحضير الجيد لمواجهة الحياة وبناء مهاراتك وقدراتك كلما تقلص هذا الخوف في نفوسنا.

فيقول المولى عز وجل :

بسم الله الرحمن الرحيم

﴿إِنَّ الْإِنْسَانَ خُلِقَ هَلُوعاً (19) إِذَا مَسَّهُ الشَّرُّ جَزُوعاً (20) وَإِذَا مَسَّهُ الْخَيْرُ مَنُوعاً (21) إِلَّا الْمُصَلِّينَ (22) الَّذِينَ هُمْ عَلَى صَلَاتِهِمْ دَائِمُونَ (23) وَالَّذِينَ فِي أَمْوَالِهِمْ حَقٌّ مَعْلُومٌ (24) لِلسَّائِلِ وَالْمَحْرُومِ (25) وَالَّذِينَ يُصَدِّقُونَ بِيَوْمِ الدِّينِ (26)  وَالَّذِينَ هُمْ مِنْ عَذَابِ رَبِّهِمْ مُشْفِقُونَ (27) إِنَّ عَذَابَ رَبِّهِمْ غَيْرُ مَأْمُونٍ (28) وَالَّذِينَ هُمْ لِفُرُوجِهِمْ حَافِظُونَ (29) إِلَّا عَلَى أَزْوَاجِهِمْ أَوْ مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُهُمْ فَإِنَّهُمْ غَيْرُ مَلُومِينَ (30) فَمَنِ ابْتَغَى وَرَاءَ ذَلِكَ فَأُولَئِكَ هُمُ الْعَادُونَ﴾  صدق الله العظيم }سورة المعارج {

فيثبت لنا كتاب الله عز وجل أن الخوف فطرة بشرية ولكن أيضاً يثبت لنا أننا بأمكاننا التغلب عليها ومواجهتها بالتحضير الجيد لها حتى رسول الله صلى الله عليه وسلم إنتابه الخوف حينما نزل عليه الوحي لأول مرة، حتى أنه قال صلى الله عليه وسلم للسيدة خديجة " لَقَدْ خَشِيتُ عَلَى نَفْسِيِ "

ولكن ذكرته زوجته العظيمة بأنه معد العدة جيداً فصبرته وبثت فيه روح جديدة فقالت له :

"كِلَا أَبَشَرٌ.. فوالله ! لَا يُخْزِيكَ اللَّهُ أَبَدًا .وَاللهُ ! إِنَّكَ لِتَصِلَ الرَّحِمَ وَتَصْدُقَ الْحَديثَ، وَتَحْمِلَ الْكَلَّ، وَتَكْسِبَ الْمَعْدُومَ، وَتُقِرِّي الضَّيْفَ، وَتُعَيِّنُ عَلَى نوائبِ الْحَقِّ .