الشيخ عبدالفضيل تشلو.. الفارس الأخير في قلعة أم كلثوم (فيديو وصور)
يظل زمن الفن الجميل من الأزمان الفريدة التي لن تكرر، حتى أنها أصبحت من الأزمان الأثرية التي تحتاج إلى وضعها في متاحف لتخليدها، لتصبح باقية معنا طوال الوقت نتذكرها ونتعلم منها، زمن فريد الأطرش، وعبد الحليم الحفاظ، وكوكب الشرق أم كلثوم التي تعتبر هرم كبير بكل جدرانه وآثاره، قلعة لا يدخلها إلا كل فنان متمكن لديه الموهبة.
هذا ما حدث مع أحد فرسانها الذي دخل قلعتها وفتحت الأبواب له، ليكون من فريقها، وهو عبدالفضيل تشلو، أو كما يقولون عنه في مجال الفن الشيخ عبدالفضيل تشلو.
عندما تدخل إلى بيته تشعر بنفحات الزمن الماضي، زمن الأجداد، تشتم رائحة الصباح مع صوت الراديو، وبالرغم من كِبر سنه، إلا أنه يتحلى بالنشاط، يعزف المقطوعات الموسيقية، وكأن العمر بالنسبة له مجرد رقم لا أهميه له، فلديه قصة وذكريات مليئة بالمغامرات التي تحتاج لمقطوعات موسيقية تعبر عنها.
من هو عبدالقضيل تشلو؟
عبدالفضيل تشلو كان طفلًا صغيرًا، عندما يمر عازف الربابة عليه في القرية، كان يعشق ما يسمعه، بل كان يجري وينزل وراء العازف ليسمع لفترة أطول، ويسرح معه حتى يضل طريقه، ويتكرر ذلك في كل مرة، حتى قام بتجميع ثمن الربابة، وقام بشرائها لكي يعزف عليها، مرة مع الثانية بدأ بالعزف أفضل من صاحب الربابة نفسه، وكان من عائلة متدينة كانت بالطبع تتحفظ على الدخول في مجال الفن، إلى أن ذهب إلى القاهرة.
ودخل «تشلو» موسيقات الشرطة حتى يستطيع أن يكون بالتجنيد، ويعزف في نفس الوقت، حتى قال له المسؤول إنه يعزف أفضل منهم، فقرر الذهاب للأوبرا، وعمل أوبريت هدية العمر تلحين محمد الموجي، ومهر العروسة لبليغ حمدي، وأصبح فردًا من الفرقة، وكانت تعزف الفرقة للفنانة وردة وعبدالحليم حافظ، وكانت هذة الفرقة في الستينات والسبعينات.
أحب «تشلو» الموسيقى وعشقها، حتى نالت من روحه، وصارت جزءًا لا يتجزأ من أنفاسه، حتى أنه ظل يعزف حتى اليوم دون ملل.
لماذا أختار آلة التشلو بالأخص؟
"آلة التشلو هي آله هادئة في صوتها، وتُشعر قلبك بأنك في كوكب آخر غير كوكب البشر"، هذا ما قاله الفنان عبدالفضيل تشلو، عن سب اختياره لآلة التشلو، لتكون شريكة مشواره.
وأضاف: «عزفت بفرقة الموسيقى العربية، وتخرجت من الأوبرا بدرجة فنان قدير، أعيش حتى الآن على معاش الأوبرا، كنا نقيم حفلات في بلاد ودول مختلفة مثل تونس وغيره، وعملت مع الفنانين مثل أبو بكر سالم، والفنانة عتاب، وأحلام، ونوال الكويتية، وعمار الشريعي».
وعن تسميته بلقب الشيخ، قال: «لُقبت بالشيخ عبد الفضيل لتديني، ولأنني ملتزم في صلاتي، خاصة صلاة الجمعة، على الرغم من حفلاتنا وأوقاتها المختلفة».
عبدالفضيل وأم كلثوم
للشيخ عبدالفضيل تشلو حكاية خاصة مع أم كلثوم، فكان في بدايته مع فرقة ماضي الموسيقية، وأحبوا أن يكافؤه لمهارته، فحجزوا له مكانًا في إحدى أغنيات كوكب الشرق، على الرغم أنني التقيت بها لأول مرة في تسجيل الأغنية، دون أن أشارك في أي بروفات.
وعلى الرغم من ذلك وثق فيه رياض السنباطي، وعلى الرغم من بعض التوتر والقلق الئي انتابه، إلا أنه أبدع في اللحن، وقاموا بالتسجيل خلال يومين فقط، وكانت مفاجأة للشيخ عبدالفضيل، عندما نادته أم كلثوم، وطلبت منه أن يعمل معها بالفرقة، في هذه اللحظات، لم تسع السعادة الشيخ عبدالفضيل، واعتبر أنها هدية من الله.
عاش الشيخ عبدالفضيل تشلو لحظات من السعادة مع أم كلثوم لا تُنسى، تعلم منها الالتزام في المواعيد، والوطنية وحب مصر، فضلًا عن كونها شخص لا يفكر كثيرًا في الماديات، وكانت تتقاضى من الإذاعة فقط 700 جنيه.
لحظاته مع أم كلثوم
في أحد المواقف التي لا ينساها الشيخ عبدالفضيل، عندما توجهت الفرقة لأم كلثوم طلبت تقاضي أجرًا أعلى، وكان ردها عليهم في منتهى الإنسانية، وقالت: «سأكلف فستاني فقط 300 أو 400 جنيه والباقي لكم».
وأكد «تشلو» أن أم كلثوم امرأة لم تطلها الشائعات طوال تاريخها، وظلت على مدار تلك السنوات شخص محبوب، يوقرها الجمهور والمجتمع، حتى القيادة السياسية تكن لها كل احترام وتقدير.
«لم أتمنى يومًا أن أتزوج امرأة مثل أم كلثوم، لسبب بسيط، لا أريد أن يشاركني أحد في محبوبتي، أحبها أنا فقط، لا يحبها شخصًا غيري، ولكن أم كلثوم كان يحبها الجميع رحمة الله عليها»، ووصف لحظة وفاتها بالهرم الذي انطفأ فجأة، وكانت صدمة للجميع.
الفرق بين الزمن الجميل والزمن الحالي
وعن الفرق بين الزمن الجميل وزمن المهرجانات، قال: «الهرم انقلب، ولم يعد له قاعدة، لم يعد هناك زمن جميل، أين ذهبت الألحان التي تنظف وتطرب الأذن، كان الكلام صادقًا ورقيقًا، وكان كل شيء مهندم».
بعد فترة من الزمن، أقام «تشلو» صالون مع زملائه، وذلك في بيت نبيل علم الدين، ثم انتقل بعد وفاته إلى بيت أرسلان بمصر الجديدة، وكانوا يعزفون رغم كبر سنهم، ليعيدوا ذكريات الماضي الجميل، وانتشرت الفرقة بإسم الزمن الجميل.
وأنهى كلامه قائلًا: «أم كلثوم حالة حب وحالة عشق، ستظل ذكراها في وجداني ووجدان كل المصريين، أشكر الله أن تظل هناك ذاكرة كهذه في حياتي».