د. سامية حبيب
"عن العشاق" عنوان عرض مسرحي بديع قدمه مخرج موهوب هو هاني عفيفي مع مجموعة شباب من الفنانيين الموهوبين وذلك منذ عام 2013 وإلى يوم الأربعاء الماضي ، في مكان بديع من قصور القاهرة العريقة أي "قصر الأمير طاز " وليس مسرح تقليديا مغلقا.
لاأعرف عن ماذا أحدثكم حول هذا العرض، هل أحدثكم عن موضوعه الفريد حيث ذهب المخرج هاني مع الدراماتورج كريم عرفة إلى كتاب من التراث العربي القديم أي كتاب "طوق الحمامة في الألفة والألاف" لابن حزم الأندلسي الذي يدور حول عاطفة الحب وأحوال العشاق وحلاتهم من هجر وصد وشوق وود.
وصاغ الكاتب مواقف انسانية بين العشاق تمثل تلك المشاعر بين كل اثنين من العشاق يتخللها تعليق من شخصية ابن حزم نفسه ويمثله الفنان حمزة العيلي، ومما زاد جمال العرض المسرحي وجود رقصات تعبيرية بين شاب وفتاة هما عشاق أيضا، صممها هاني حسن وأداها سعد يحي وإيمان لطفي ، وربط كل هذا الغناء عن الحب والعشق وعبر مختارات من صاحبة "سيرة الحب " أم كلثوم.
أم أحدثكم عن البساطة والأناقة في كل عناصره الملابس، الإضاءة، التمثيل، العزف الموسيقي حيث حضر كل عازف مع اّلته وجلس بيننا وبعضهم جلس بين العشاق، وهو مايشير إلى تجمعنا معا في حالة جمالية تؤكد البعد الإنسانى للعرض كله، فتجد الجمهور يزاحم كل ليلة عرض ليستمتع بكل هذا في رحاب قصر فسيح مفتوح لعنان السماء، تعمر جنباته بالأشجار والأزهار.
تنظر فتجد شبابا وشيوخا، عائلات وأفرادا يأتون بكل الشغف لمشاهدة العرض مرات ومرات، وتجد الأطفال من أبناء الأحياء المحيطة بالقصر حي الخليفة والقلعة والحلمية ممن اعتادوا السير للوصول للقصر، الجميع مرحين سعداء بكل هذا الحب، مطلقين لخيالهم وذاكرتهم العنان في هذا الأفق الرحب ليتجادلوا مع العشق والحب.
وهذ الجمهور الكبير على مدى ثماني سنوات لا يدفع مقابلا ماديا أي تذاكر لأن العرض إنتاج وزارة الثقافة وقد كان لى منذ سنوات مقال عنوانه "مجانية المسرح" لم يلتفت أحد له، ويؤكده نجاح هذا العرض.
جاء إقبال الجمهور استمرلمدة ثماني سنوات عبر تواصلهم مع فريق المسرحية عبر وسائل التواصل الاجتماعي، حيث يصعب عليهم بث ونشر الإعلانات بملايين الجنيهات في الأماكن العامة والقنوات التلفزيونية، من يدير تلك الصفحة الخاصة بالعرض أنه المخرج أو أحد معاونيه، إنه العشق للمسرح.
وليسمح لي فريق مسرحية (عن العشاق) أن انطلق بالاسم الجميل لرحابة إبداعهم وغيرهم من عشاق المسرح الحقيقين، أي ممن يهيمون بالمسرح ويضحون بما في جيوبهم من جنيهات قليلة أو كثيرة في سبيله.
فكرت كم أجور فريق مسرحية عن العشاق، وكم يكلفهم يوميا لمدة شهر أو أقل الذهاب يوميا إلى حي القلعة حيث قصر الأمير طاز مكان العرض، وكيف يصل عازف التشيلو البارع محمد صلاح بألته الضخمة، وحتى لو توفرت له ولزملائه فادي وصبحي وخالد ورشيد، وسيلة نقل جماعية ماقدر التعب في الوصول والرحيل عن المكان يوميا.
بطل العرض حمزة العيلي منذ ثماني سنوات لو سألناه عن أجره لربما فوجئنا، وربما لم نكن لنندهش لو ترك العرض بعد أن أصبح صاحب أدوار هامة في السينما والتليفزيون لكنه استمر.
ونفس الأمر مع صاحب الصوت الشجي ماهر محمود فهو يمثل ويعزف ويغني في العرض، ونفس الأمر عن الممثلة الصاعدة بدفء ملامحها المصرية مارتينا عادل وزميلاها سارة هريدي وأحمد زكريا.
إنهم فعلا عشاق المسرح ممن يعملون عشقا لفن يسعد الناس ويذهب إليهم بل يتوحد مع طيبتهم ومحبتهم ، فلا غرابة أن تجد الناس تحيط بهم وتواصل الزحف إليهم كلما تواجدوا.
حدثتكم اليوم "عن العشاق " وهم كثر فالمسرح فن ساحر وعشاقه الشرفاء يستحقون دائما التحية وسنواصل معهم وعنهم الحديث.