لم يكن يتخيل عبد السلام عبد العال الحو الفلاح القاطن في قرية كفر أبو جندي بالغربية، والذي حرص علي أن يلتحق أبناءؤه بكُتّاب القرية وحفظ القرآن، أن اثنان منهما سوف يصنعان المجد والشهرة ويكونا من أعلام الغناء والفن في السينما المصرية، من بين أبناء "عبد الـسلام" كان محمد فـوزي الشقيق الأكبر لـ 5 أشقاء بينهما "بهيجة" التي أطلقت على نفسها فيما بعد هـدى سلطان، درس "فـوزي " بالمرحلة الابتدائية في مدرسة طنطا، ولم يواصل تعليمه، خطفته نداهة الفن والغناء وبات يتردد علي موالد طنطا.
من بوابة "فرقة طنطا الموسيقية" تعلم أصول الموسيقى العربية وتتلمذ على يد عضو بالفرقة يدعى محمد الخربتلي، الذي كان يعمل في نفس الوقت جندي بالمطافئ، يذهب معه من الأفراح إلي مولد السيد البدوي أشهر موالد طنطا، وهو ما قابله غضب شديد ومعارضة من والده الفلاح البسيط الذي يرفض أن يمتهن أحد أبناءه الفن.
لم يكن الطريق أمامه مفروشا بالورود ولكنه أصر على موهبته رغم ثورة الأب التي كانت أن تعصف بموهبة الأبن الأكبر، وبينما يجلس فـوزي ممسكا بالعود يشدو بأغاني محمد عبد الوهاب وأم كلثوم كانت هدى سلطان التي يأتي ترتيبها الثالث بين أشقائها تدندن خلفه حتى تعلق قلبها بالفن والغناء، ولكنها كانت تعرف مدى معارضة الوالد الفلاح البسيط، في تلك الأثناء قرر فـوزي أن يشق طريقه ونزح إلي القاهرة بحثا وراء حلمه بعد سنوات من الكفاح حقق حلمه وأصبح نجم شباك، ولم يرضى عنه والده إلا بعد أن حقق شهرة كبيرة جعلت أهل بلدته يفتخرون به.
وجاء الدور على هدى سلطان التي عانت في بداية مشوارها، وما إن أبدت رغبتها في الغناء حتى تم تزويجها من محمد نجيب، وبعد زواجها منه ظلت تُلح عليه برغبتها في الغناء ولكنه كان يرفض، لغيرته الشديدة عليها، وبعد فترة قصيرة تم الانفصال وأنجبت منه ابنتها "نبيلة"، بعد أن توفي والدها ذهبت إلي القاهرة لدى شقيقها محمد فوزي الذي زرع بداخلها حب الفن.
لم تكن تتخيل أنها سوف تشاهد كبار الفنانين والموسيقيين والشعراء، جالسين أمامها في بيت "فـوزي" وعلى يد الملحن أحمد عبد القادر كانت البدية تغني في حفلات أعياد الملاد والزواج، تقدمت لاختبار لجنة اختيار المطربين بـ الإذاعة المصرية، التي أجازت صوتها، لتصبح واحدة من نجمات برنامج "أضواء المدينة" لـ جلال معوض.
شاء الحظ أن تقابل المنتج السينمائي جبرائيل نحاس ليقنعها بالعمل في فيلم "ست الحسن" للمخرج نيازي مصطفى، بل وقع معها عقد احتكار لـ 3 أفلام دفعة واحدة، وحينما الأمر الذي أغضب محمد فوزي وأمتد الأمر ليصل إلي الأسرة القابعة في كفر أبو جندي، كان فـوزي قد وافق علي عمل هـدى في الإذاعة بينما أعنرض على عملها في السينما التي يشاهدها الملايين، أرادت أن تحتمي بزوج من الوسط الفني كون لها فتزوجت من المخرج والمنتج والموزع السينمائي فؤاد الجزايرلي، لكن الغيرة وقفت حائلا بينهما وانتهت الزيجة بالإنفصال، وبعده تزوجت للمرة الثالثة من فؤاد الأطرش شقيق فريد الأطرش والمطربة أسمهان، ولم يدم الزواج سوى عدة شهور وكانت الغيرة هي السبب الذي أطاح بالعلاقة.
لم يكن فـوزي يريد محاربة شقيقته ولكنه كان يخاف عليها من قسوة المهنة، توترت العلاقة بين الشقيقان في ظل تمسك هدى سلطان بحقها في التمثيل، وقدمت فيلم "حكم القوي" 1951 وكان اللقاء الأول الذي جمعها بالفنان فريد شوقي وجمعت بينهما قصة حب كبيرة، وتزوجا بعد الفيلم يقول فريد عن هدى في برنامج تليفزيوني "لقيت في هدى سلطان الحب والعطف وكل اللي محتاجه"، كانت الغيرة بين الثنائي هي القشة التي قصمت ظهر الحب، إذ كان يرفض أي مشهد يراه غير مناسب أو الفيلم بأكمله مثلما حدث في فيلم "شفيقة القبطية" ومنعها من دخول الفيلم الذي كان من المفترض أن تقوم فيه بدور راقصة، وصلت الغيرة عند "وحش الشاشة" إلي ذروتها عندما كان يذهب لها إلي الاستوديو، وخوفا من تحطيم الكاميرا أو نيجاتيف الفيلم كان يخفيه عنه المخرج.
في السينما شكلت هدى سلطان ثنائياً مع فريد شوقي في 20 فيلما أبرزها"جعلوني مجرما، رصيف نمرة خمسة، النمرود، أبو الدهب، المحتال"، و18 عاما كانت حصيلة عدد السنوات التي عاشاها قبل أن تصل بينهما الأمور إلي طريق مسدود إنتهى بالطلاق، وأثمرت الزيجة عن ابنتيهما المنتجة ناهد فريد شوقي و"مها"، وكان اللقاء الأخيرالذي جمع بينهما في مهرجان القاهرة السينمائي 1995، عندما وقفت هدى سلطان على المسرح وغنت "إن كنت ناسى أفكرك، يا ما كان غرامى بيسهرك" وهي الأغنية التي كانت تغيها له كلما وقع بينهما خلاف.
بالعودة إلي علاقة هدى وفـوزي فقد عادت مع فترة كان فيها مريض قبل مرضه الأخير بسنوات عندما أخبرت زوجته الفنانة مديحة يسري، أنها ترغب في زيارة شقيقها وبالفعل توجهت إلي منزله وما إن رأها فـوزي حتى أخذها بين أحضانه ليذيب الخلاف الذي أستمر فترة طويلة، وأنتج لها فيلم "فتوات الحسينية" للمخرج نيازي مصطفى، ولحن لها عدة أغاني أبرزها "لاموني"، واستمرت علاقتهما الطيبة حتى في مرضه الأخير وقفت بجانبه وسافرت معه إلي نيويورك، وعندما خسر معركته مع المرض وتوفى في 20 أكتوبر 1966.
كانت في جنازته تقف مذهولة لا تصدق أن أقرب أشقائها إلي قلبها قد رحل لأنه كان بمثابة الصديق والأخ في حياتها، وبعد وفاة فـوزي وطلاقها من فريد ابتعدت عن الساحة الفنية لفترة طويلة، وبعدها تزوجت من المخرج المسرحي حسن عبد السلام، وقدمت معه عدة مسرحيات غنائية، ثم إرتدت الحجاب ونقلت البوصلة للدراما لتقدم دور الأم في عدد من المسلسلات أبرزها "أرابيسك" و "الوتد" كانت حريصة على أداء العمر وختم القرآن وقضاء شهر رمضان في السعودية حتى وفاتها في 5 يونيو 2006، لتظل ذكراها عطرة وأعمالها تعيش بينا.