أعدت الملف وقدمته : بيسان عدوان - كاتبة فلسطينية
على مدى نحو سبعين عاما على النكبة تتعاظم آثارها عاما بعد عام ليس في فلسطين وحدها بل على مجمل أقطار العالم العربي، بينما تكتسب إسرائيل صورة "الدولة الطبيعية" و"العظمى" في المنطقة مشرقا ومغربا. ومهمة كتابة تاريخ فلسطين أو تاريخ ما بعد النكبة عام 1948 محفوفة بخطر الانزلاق للعبة إخضاع الحقيقة التاريخية للهوى السياسي.
بمقارنة سريعة لحاضرنا في فلسطين والمنطقة العربية ووقائع الحياة اليومية في العديد من بلاد "الربيع العربي" وبين ما يجري داخل الكيان الصهيوني نتبين فداحة الفوارق بين مواطني الدول العربية خاصة دول "الربيع العربي" وبين مواطنى ذلك الكيان الاستعماري الإحلالي، أولئك الطارئون على الأرض الفلسطينية استقدموا بالأموال وبإغراء الدين والأرض الموعودة إلي واحة الديمقراطية في هذا الشرق تخلخل الكيانات السياسية فيه مشاريع حروب أهلية مفتوحة على المجهول.
يحاول المجتمع الإسرائيلي الذي يعاني مشكلات اجتماعية واقتصادية مناقشة ومحاسبة قادته السياسية ومقاضاتهم، فأنشئت في مارس الماضي (2017) حركة شعبية جديدة في إسرائيل اسمها "في الداخل"، قام على تأسيسها عدد من الجنرالات السابقين أبرزهم بيني غانتس وجابي أشكنازي رئيسا هيئة الأركان الإسرائيلية السابقان والحاخام شاي فيرون. واتهم قادة الحركة الجديدة الساسة الحاليين في إسرائيل بالتسبب باتساع رقعة الخلافات الداخلية والمواقف المتباينة في المجتمع الإسرائيلي، لأنهم "باتوا يديرون حملات كراهية، من خلال استخدام مفردات كفيلة ببناء جدران من العزلة بين الإسرائيليين أنفسهم، هذا الحراك الشعبي الذي يدل على الحيوية المجتمعية داخل الكيان الصهيوني من خلال أطر ديمقراطية، يقابله أنظمة دكتاتورية عربية لا تعترف بالمواطن وحقه في الاختيار.
في ظل هذه الأنظمة والتي ورثتها ولا تزال القيادة الفلسطينية في الضفة الغربية وقطاع غزة، يتهاوى حلم "الدولة الفلسطينية" في ظل انهيار عوامل القوة العربية، وأصبحت "السلطة" في رام الله وغزة مجرد هيكل إداري مفلس يخضع ـ بالضرورة ـ للإرادة الإسرائيلية مباشرة كما رأينا في وثيقة حركة "حماس" الجديدة التي أعلنت اعترافها بدولة "إسرائيل" مقابل دولة في حدود 1967 كما سبقتها منظمة التحرير الفلسطينية منذ ثلاثين عاما في إعلان الدولة الفلسطينية بالجزائر عام 1988.
تأتي ذكرى نكبة فلسطين والتدخل الأمريكي على أعتاب سوريا، وتفقد النكبة دلالاتها بعدما تعددت النكبات العربية من دون أن تكون "إسرائيل" بالضرورة هي السبب، بل يأتي عجز النظام العربي عن حماية أرضه وأهله سببا فعليا فيما آلت إليه الأمور. بل تنهمك معظم الأنظمة العربية في حماية مواقعهم وسلطاتهم ونفوذهم ومصالحهم ويشغلهم إحكام السيطرة على شعوبهم بالحديد والنار عن مواجهة "العدو الإسرائيلي". فأي فلسطين، وسيناء تحتضن في أراضيها "القاعدة" ووريثتها "الدولة الإسلامية" وتحت الرعاية الإسرائيلية مجموعة من العصابات المسلحة التي تشاغل قوات الأمن المصرية، سواء داخل سيناء، وفي داخل المدن المصرية، بالتفجيرات وعمليات تصيد رجال الأمن والجيش وبث الذعر، والقهر وفصل سيناء عن الجسد الأم.
أي فلسطين.. وسوريا غارقة في دمائها نتيجة الحرب فيها وعليها، وجيشها يواجه معارضات شتى بعضها سورى المنشأ والآخر مستورد. ومن قبل كانت فلسطين عنوان بنائه، وهو قد خاض فيها ومن أجلها ثلاث حروب كانت تتطلب أكثر من قدراته.
أي فلسطين والعراق الذي دمره الطغيان ومزقه الاحتلال الأمريكي يعيش حالة من الحرب الأهلية في قلب الفتنة، وتفصل الموصل عن جسدها كما فصل مسعود البرازاني أربيل ومناطق في الشمال عن بقية العراق ممهدا لقيام دولته المستقلة تحت الرعاية الأمريكية ـ الإسرائيلية.
أي فلسطين ونيران الحرب الأهلية تجد من ينفخ لتأجيجها في "الدول" التي تحملت في الماضي عبء المواجهة مع العدو الإسرائيلي، بينما دول أخرى تتحول إلى حليف رسمي لإسرائيل، وشريكة في قراراته السياسية والاقتصادية.
أي فلسطين واليمن تدك مدنها وقراها وتقصف خطوط مواصلاتها وبنيتها التحتية وحصارها بحريا.
أي فلسطين وغزة غارقة في الظلام واستبداد السلطة الدينية وقهر مواطنيها، وتعيش منذ شهور طويلة حالة حصار قاس، يمنع عنها مقومات الحياة، ويفرض على أهلها نوعا من الإقامة الجبرية، ويوفر لإسرائيل فرصة أن تتقدم وكأنها منظمة للإغاثة والنجدة، فتفرج عن بعض الأموال، وتيسر حركة الغزاويين عبرها، كما تتخلى عنها سلطة رام الله تمهيدا لفصل الضفة الغربية نهائيا عن غزة بقطع رواتب ومخصصات موظفي السلطة الفلسطينية في القطاع لتزيد حالة الانقسام والكراهية بين أبناء فلسطين، في حين تتعرض الضفة الغربية التي صادرت إسرائيل 70% من مساحتها عبر جدار الفصل العنصري والمستوطنات لتفتيت ما تبقى من حلم الدولة الفلسطينية حتى وإن كان على أراضي عام 1967.
ها هي دولة العدو الإسرائيلي تدخل سنتها السبعين، في حين يكاد العرب ينسون فلسطين وهم غارقون كلٌ في همومه الثقيلة.
لكننا محكومون بالأمل...
ويشهد التاريخ أن مئتي سنة من الاجتياح الغربي تحت لواء الصليبيين لم تجعل العرب، والفلسطينيين منهم أساسا، ينسون أرض القداسة، وهم قد عادوا إلى الميدان فحرروها بكل مقدساتها. تبقى فلسطين، هي كلمة السر للحرية والتحرر في المنطقة وهي عنوان تقدم تلك البلاد من مشرقها لمغربها وهي محرر الشعوب لنيل حريته.