«بصحيح الدين.. والضمائر الحية . والوعى الحقيقى» نُصلح الحياة والأحوال ونقتلع جذور الآفات والأزمات.. لنرتقى بالمجتمعات والبلاد والعباد.
عندما يجلس الإنسان مع نفسه ويتدبر أمور وأحوال ومشاكل المجتمع من خلال وقائع ومشاهدات يومية.. يجد ان الكثير من الأزمات والتراجع ينبع من عدم وجود التصور الصحيح لجوهر ومقاصد الأديان وانحراف الإنسان لفهمها أو ازدواجية تطبيق تعاليمها.. فهناك من يتشدد ويتشدد فى بعض الأمور التى قد تبدو غير جوهرية وغير أساسية مثل اطلاق اللحى أو ارتداء زى معين والإصرار على قصر هذا الزي.. أقصد التدين الظاهرى والمظهري.. وليس النابع من الداخل.
الأخطر من التدين الظاهرى هو الفهم الخاطئ أو المتطرف لنصوص الدين أو الاستناد إلى الآراء والفتاوى المتشددة والصادرة والمأخوذة من أشباه العلماء والمشايخ.. والذى يقودنا إلى خطر حقيقى يهدد المجتمع فما نراه من عنف وتطرف وتشدد وإرهاب هو ناتج عن الفهم الخاطئ للدين.. والتفاسير المحرفة والخاطئة من غير أهل العلم والتخصص والفتوى والذكر.
على سبيل المثال هناك بعض من يدعون أنهم علماء ومشايخ والحقيقة انهم ضمن أنصاف وأرباع المتعلمين يخرجون على الناس بفتاوى غريبة وشاذة تدعو إلى كثرة الإنجاب مع الفقر المدقع.. وتسببوا بآرائهم فى وجود إنسان مشوه ضعيف وزيادة معدلات الفقر والمرض والجهل.. وهو ما يرفضه أهل الذكر والعلم والمتخصصون فى الإفتاء وليس المدسوسين والمحسوبين زورا على الدين والذين خدعوا الناس وزيفوا وعيهم. هناك مشاهد سلبية تسيء إلى الدين فكيف لموظف تبدو عليه ملامح التدين الظاهرى ويقوم إلى الصلاة عندما يؤذن المؤذن وتضبط عليه الساعة فى مواقيتها وهذا جيد.. لكن السيئ أن يقوم نفس الموظف بتعطيل مصالح الناس والتفنن فى إصابتهم بالمعاناة.. والأدهى والأمر أن يتجاوز القانون ويمنح البعض مخالفات تجلب كوارث ومصائب للمجتمع.. وهذا بالطبع نظير مقابل مادى أو عينى أو أن يفتح درج المكتب لاستقبال الرشاوى فهل هذا من الدين.
الدين الصحيح يقول أن نراعى الله فى أعمالنا وأموالنا.. ولا نتجاوز حدوده وتعاليمه ولا نلجأ إلى الحرام.. ولا نطعم الأبناء من حرام.. ونتحلى بالخلق الحسن والعمل على قضاء مصالح الناس فى حدود القانون واللوائح.. ولا نأخذ غير ما هو مسموح وقانونى ولا نعطى أنفسنا ما ليس حقا لنا.. هذه هى آفات المجتمع ودعاة التدين الظاهرى والمظهري.. فلابد أن يتسق التدين مع الأفعال والسلوكيات والممارسات وتطبيق حازم لمبادئ الحلال والحرام.
أيضا.. كيف يستحل الإنسان لنفسه أن يحصل على ما ليس حقه.. فعلى سبيل المثال.. هناك من يلجأ إلى أساليب ملتوية وحرام فى تقديم مستندات وبيانات مزورة حتى يحصل على دعم أو رغيف عيش لا يستحقه وهو مخصص للفقير ومحدود الدخل أو الأكثر احتياجا.. فمثلا كثرت قبل سنوات استمارة بيانات ومفردات المرتب نجدها أقل من المبلغ المحدد للحصول على دعم فقد كان المطلوب منذ سنوات أقل من 1500 جنيه شهريا.. ويتقدم شخص راتبه يزيد على الخمسة آلاف بمفردات مرتب «مضروبة» ومزورة بأقل من 1500 جنيه ويحصل على الدعم الذى لا يستحقه.. فهل هذا من الدين.. أليس هذا الرغيف الذى حصلت عليه دون وجه حق هو سحت وحرام تطعمه لأولادك؟ وما نتيجة أكل الحرام على هؤلاء الأبناء وماذا تنتظر لهم فى المستقبل.. فما نبت من حرام فالنار أولى به.
أمور كثيرة تغيب عنا فى أمورنا الحياتية.. فقد حكى لى أحد الأصدقاء انه كان ينتظر الحصول على عيش من أحد مخابز التجمع الخامس.. ووقف فى الطابور.. وإذا بسيدة تأتى بخادمتها لتقف بدلا منها فى الطابور للحصول على الخبز المدعوم.. والسؤال هنا كيف؟ سيدة تسكن فى التجمع ولديها خادمة تمنحها مرتبا شهريا بطبيعة الحال يزيد على الألفى جنيه شهريا فكيف تحصل على خبز الفقراء المدعوم والذى يكلف الدولة عشرات المليارات هل هذا حلال أم حرام؟ هل هذا حق أم باطل؟ فلماذا نضحك على أنفسنا؟ هل يحق لمواطن يمتلك 14 فدانا زراعيا ولديه تجارة فى تربية المواشى أن يحصل على الخبز المدعوم؟ للأسف الشديد لدينا ظواهر غريبة وسلبية تخالف الحق والدين والضمير والوعي.. فهناك مواطنون لديهم ثروة وأملاك ويحصلون على رغيف العيش المدعوم.
نحتاج إلى إعادة نظر وتقييم للمنظومة بأكملها سواء فيما يتعلق بالسعر العادل والمعقول.. فكيف ندفع فى الرغيف الواحد خمسة قروش فى حين ان تكلفته الحقيقية 65 قرشا لتوفيره إلى ما يزيد على 70 مليون مواطن وهل الـ 70 مليون مواطن يستحقون هذا الدعم أم ان هناك حيلا وألاعيب وتصرفات وسلوكيات تخالف الدين والعدالة والقانون والضمير الحي.. لذلك لابد أن نرسخ فى الناس والمجتمع مباديء الحلال والحرام.. ونتائج الحصول أو فعل الحرام على الشخص نفسه وأسرته وأبنائه.. وكيف نعالج مرض الأزدواج النفسى والخلل الدينى والانفصام الذى يعانى منه البعض.. فنرى منهم من تبدو صورته بالتدين والذى يحافظ على أداء الصلوات والفروض ولا يمكن أن تتخيل أنه يجهل الفارق بين الحلال والحرام.. والتدين الحقيقى هو أمر جيد ومطلوب والالتزام بالعبادات والخوف من الله أمر يصلح أحوال المجتمعات لكن الخطر الحقيقى هو التدين فى المظهر.. واقتراف الذنوب والسلوكيات المنحرفة مثل الرشاوى والفساد وأكل السحت والحرام واستحلال حقوق الناس.
على رجال الدين وفى خطبة الجمعة ودروس العلم.. والإعلام أن يركزوا فى هذا الجانب.. كيف يعرف الناس الفارق بين الحلال والحرام.. وما هو عقاب المولى عز وجل للمفسدين والمرتشين وأكلة السحت والحرام.. فلا يمكن أن تحصل على ما ليس حقك.. وتكون فى نفس الوقت متدينا وملتزما، لابد أن ننمى ونربى فى الناس وأبنائنا أهمية الضمير الحى الذى لا ينتظر التفتيش أو الرقابة ولكن التصرف والسلوك ناتج من ضمير حى مستند على صحيح الدين وسلامة التدين أما هذه الازدواجية والانفصام فسوف يجلب للمجتمع مآسى وظواهر خطيرة تؤثر على سلامته وتضر بالوطن والمواطن.. وتخل بالتوزيع العادل للحقوق.. فإذا كانت الدولة تنفق بسخاء على حماية البسطاء والفقراء من الفقر والعوز لكن فى النهاية لدينا فئة تفهم الدين بشكل خاطئ ولا تفرق بين الحلال والحرام وتستحل لنفسها أن تحصل على حقوق الأكثر احتياجا والأولى بالرعاية والفقراء والبسطاء.
ما بين صحيح الدين.. والضمير الحى والوعى الحقيقي.. تكمن كثير من مشاكلنا وأزماتنا.. ونحتاج إلى ثورة أخلاقية لتصحيح المفاهيم.. ونشر التدين الصحيح وإيقاظ الضمائر.. وتربيتها فى الأجيال الحالية والقادمة.. نريد إنسانا يرفض من تلقاء نفسه وبضميره اليقظ والحى أن يحصل على شيء ليس من حقه ساعتها لن نجهد أجهزة التفتيش والرقابة والضبط.
توعية الناس بالدين الصحيح.. وتربية الضمائر الحية والنقية والسليمة هى الطريق الأمثل للقضاء على الآفات التى ترسخت خلال العقود الماضية وعلى المؤسسات الدينية والإعلام دور كبير للغاية ومسئولية جسيمة فى تنمية وبناء الوعى الحقيقى بالدين الصحيح والتدين السليم.. ومبادئ الحلال والحرام وما هو حقك وما ليس من حقك.. لابد أن نعلم الناس ونرسخ فيهم ان الحصول على مال الدولة أو الحكومة بدون وجه حق حرام.. فمال الدولة هو مال الشعب وليس مستباحا.. لقد تركت العقود الماضية الناس أسرى للتدين المظهرى والظاهري.. وفريسة للأفكار الفتاكة والمتشددة والمتطرفة واستباحة حقوق وأموال الدولة والناس.. مشايخ مشوهون خلفيتهم أنهم من المسجلين خطر والمجرمين أو من انصاف المتعلمين.. لابد أن نعيد النظر فى حياتنا وثقافة وأفكار مجتمعنا حتى تستقيم كل أمورنا.. لا يجب ان نترك مساحات أو فراعات للأفكار البالية أو للتسطح الدينى وانعدام الضمائر لابد أن نعيد الحياة للضمائر الميتة.
لابد أن تعلـــم ابنـــك إذا أتى لك بشــــىء جــديد أو ثمين أو غريب لم تعرفه عنه من قبل من أين لك هذا؟ وتعلمه الصح وتربيه على الفرق بين الحلال والحرام.. وما هو حق له وما ليس حقا له.. لابد أن تكون قدوة أمام ابنك الطفل.. فلا تمد يدك على فاكهـــــة البائــــع وأنت تشـــترى منه.. ولا تأكل منها ما هو موجود على الفرش.. لأنه خارج الميزان وليس من حقك.. لابد إذا اخطأت أن تعيد الحق لأصحابه أمام ابنك أو طفلك.. إذا وجدت شيئا تسأل عن صاحبه وتعيده إليه.. تعلم ابنك ان هذا حقه وهذا ليس حقه.. ولا يمكن أن تمضى الأمور بلا اهتمام بتربية الأبناء وتعظيم الأخلاص وإيقاظ واحياء الضمير لديهم لأن ذلك يخلق لديهم وعيا حقيقيا هو ثروة وكنز يحمى الأسرة والمجتمع والوطن.
إن تعانق صحيح الدين مع الضمائر الحية وبالتالى الوعى الحقيقى هو السبيل الوحيد لتصحيح حياتنا وفهم قراراتنا تجاه الإصلاح ولابد أيضا أن نعيد صياغة المنظومات القديمة التى خلفتها العقود الماضية وتجذر فيها الفساد وغابت عنها الضمائر الحية وشهدت استحلال حقوق الناس، لابد أن نبذل جهودا أكثر فى تنقية قواعد البيانات لنعرف من يستحق ومن لا يستحق واستحل الحرام وربى عليه أبناءه وجعل منه طعامهم ولا يدرى أنه أطعمهم نارا ولا يمكن أن ننتج إنسانا أو ابنا صالحا.. فلا عجب ان رأيت الابن يقتل أباه أو يتطاول عليه أو يقتل أمه أو يضعها فى دار مسنين لأنهما باختصار أطعموهم من حرام.
هل يعرف المواطنون ان من يخالف القانون واللوائح التى تنظم حياة الناس وتوزع الحقوق والواجبات وترسخ من يستحق ومن لا يستحق انها من الدين والشرع.. فمثلا إذا كانت شروط الحصول على رغيف الخبز المدعوم تقول انه حق لكل من يتجاوز راتبه ألفى جنيه مثلا وأنا لا أعلم.. فإذا حصل على هذا الخبز أو الحق من يحصل على راتب أكثر من ألفى جنيه فهو حرام لأنه احتال والتف على القانون واللوائح وحصل على حق غيره والساكت على الحق شيطان أخرس. هل يقبل المواطن أن يشترى سلعة تكلفتها خمسة قروش وتباع له بـ 65 قرشا أى ١٣ ضعف التكلفة.. هنا سيغلق التاجر أو البائع تجارته وسوف يتعرض للإفلاس وسوف يعجز عن الوفاء بالإنتاج وأجور العمال والتصنيع.. لذلك فما لا تقبله على نفسك لا تقبله على الدولة لأن القياس والسياق الحقيقى والصحيح ينطبق على الشخص والدولة وسوف تؤدى إلى انهيار الكيان أو المنظومة وتسبب العجز عن الوفاء بباقى المتطلبات والخدمات والاحتياجات الأساسية الأخرى لباقى الناس أو الشعب.
نحتاج منظومة أخلاقية جديدة ترتكز على صحيح الدين والتدين والضمائر الحية وبالتالى الوعى الحقيقى فما لا ترضاه على نفسك لا ترضاه على غيرك.. والضمير الحى أفضل من عشرات القوانين والأجهزة الرقابية ومراقبة الله والخوف منه أفضل بكثير من الخوف من البشر.. هناك من يتقى الله فى عمله ويؤدى واجبه على أكمل وجه حتى يجعل ما يدخل فى أفواه أبنائه حلالا حلالا.. وهناك من لا يدرى أو يدرى أن تقصيره وتخاذله وفساده سيجعل من راتبه وأمواله حراما فى حرام وسوف يؤثر على الأبناء قبل أن يحاسبه رب الأبناء.
لا يمكن أن تتصور أن تقصيرك فى العمل أو إفساد منظومة العمـل أو الحصـــول على ما ليس حقــك أو تزييف وعى الناس بالباطل انه حلال.. فإذا كنت تستطيع أن تخدع البشر.. فلا يمكن أن تخدع المولى عز وجل «ولا تحسبن الله غافلا عما يعمل الظالمون»..