مع سيطرة حركة طالبان على أفغانستان وارتباط هذا المشهد بتجمهر وتزاحم آلاف المواطنين في مطار العاصمة (كابول) تحينا لأول فرصة للخروج من البلاد، وفي ظل مخاوف دول إقليمية من تداعيات سيطرة الحركة على هذه الدولة الحبيسة في آسيا الوسطى، سواء فيما يتعلق بموجات نزوح كبيرة تتدفق على حدودها أو تدخلات خارجية ربما تدفع بأفغانستان نحو حرب أهلية، نجد الهند هي الأخرى مشغولة بمخاوف أمنية كبيرة حول مدى تأثير هذه التطورات على الوضع في إقليم كشمير المتنازع عليه مع باكستان، واحتمالية تنامي دور وحجم الصين أكبر منافس لها هناك.
وذكرت مجلة "فورين بوليسي" الأمريكية أن استيلاء طالبان على أفغانستان له تداعيات كبيرة على منطقة جنوب آسيا، والتي ربما تبدأ باندفاع اللاجئين الذي قد تشهده باكستان قريبا على حدودها الغربية.
وتختلف حجم المخاطر المتعلقة بمستقبل أفغانستان من دولة لأخرى لا سيما الهند التي تعتبر خامس أكبر مانح للمساعدات وواحدة من أكثر الدول المؤثرة هناك. ورغم ذلك، فقد أبقت الولايات المتحدة الهند بعيدة عن معظم المفاوضات السياسية بشأن مستقبل أفغانستان، بسبب الاعتراضات الشديدة من باكستان، حيث ظلت الهند، خلال محادثات "الترويكا الموسعة" بين الصين وباكستان وروسيا والولايات المتحدة، غائبة عن المشهد بشكل ملحوظ.
وبعد استبعادها من المشهد، تجد الهند الآن العديد من استثماراتها الحيوية في البنية التحتية البشرية والمادية في أفغانستان في خطر مع سيطرة طالبان. والأسوأ من ذلك، فإن الأزمة التي أعقبت الانسحاب الأمريكي تركت السياسة الخارجية للهند ومصالحها الأمنية في خطر كبير على جبهتين: تتمثل الأولى في احتمالية أن تبني حكومة طالبان الجديدة ملاذات آمنة للمنظمات الإرهابية المناهضة للهند والجماعات الأخرى التي يمكن أن تزرع الفوضى في كشمير الخاضعة للإدارة الهندية، فيما تتمثل الثانية في استعداد الصين للعمل مع طالبان بما يوسع من وجودها في المنطقة، على حد قول المجلة الأمريكية.
وفي العقدين الماضيين، أصبحت الهند واحدة من أهم الجهات المانحة لأفغانستان، حيث قدمت منحا دراسية للطلاب الأفغان، وقدمت مساعدات غذائية، وساعدت في استعادة شبكة الكهرباء التي دمرتها الحرب في البلاد، لكن استنادا إلى تجربتها السابقة مع حكومة طالبان، تواجه المؤسسة الأمنية الهندية الآن مخاوف جدية بشأن مصالحها في البلاد.
وترى مجلة "فورين بوليسي الأمريكية" أنه على الرغم من تطمينات طالبان العلنية، إلا أنه يمكن أن تظهر أفغانستان مرة أخرى كملاذ إقليمي للإرهاب. فعندما تولت طالبان السلطة في السابق، أطلقت العنان لمجموعة من المنظمات الإرهابية المناهضة للهند داخل أفغانستان، وأبرزها جيش محمد وعسكر طيبة (لشكر طيبة). وسمحت الملاذات الآمنة لهذه المنظمات بإعادة تجميع صفوفها وتدريبها، ومن ثم إحداث فوضى في الشطر الخاضع للإدارة الهندية من إقليم كشمير المتنازع عليه مع باكستان.
وفي الماضي، ساعدت طالبان بنشاط الإرهابيين الذين يستهدفون المواطنين والمصالح الهندية. ففي عام 1999، سمحت حكومة طالبان لمختطفي طائرة تابعة لشركة الخطوط الجوية الهندية من كاتماندو (نيبال) بالهروب دون عقاب عقب هبوط الطائرة في أفغانستان. ولضمان سلامة الركاب، أذعنت الهند للمطالب الخاصة بإطلاق سراح الإرهابي الباكستاني المسجون على أراضيها مسعود أزهر. وبعد نقله إلى أفغانستان، سمحت حركة طالبان لأزهر بالسفر إلى باكستان، حيث أسس جيش محمد، وهي منظمة مسؤولة عن سلسلة من الهجمات البارزة في جميع أنحاء الهند، بما في ذلك هجوما في الشطر الذي تديره الهند من إقليم كشمير عام 2019.
كما أن توفير الملاذات الآمنة للإرهابيين قد يعقد بشكل كبير من عمليات مكافحة التمرد الهندية في إقليم كشمير. ويخشى مسؤولو الأمن الهنود من أن ظهور ملاذات جديدة قد يدعم ويشجع الجماعات الإرهابية المحلية النشطة حاليا في المنطقة المتنازع عليها. وربما تتمكن هذه الجماعات بمساعدة من وكالة الاستخبارات الباكستانية من الوصول إلى ملاذات آمنة في أفغانستان، ما قد يشكل قواعد انطلاق جديدة من شأنها زيادة العنف في كشمير الخاضعة للإدارة الهندية.
وتقول المجلة الأمريكية إن استعداد الصين الواضح للعمل مع طالبان يمكن أن يزيد بشكل كبير من مشاكل مخططي الأمن الهنود. ورغم أن بكين انتقدت علنا قرار الإدارة الأمريكية بسحب الجزء الأكبر من قواتها من أفغانستان بحجة أن ذلك قد يؤدي إلى عدم الاستقرار الإقليمي، إلا أن هذا الموقف العلني قد يكون مخادعا. فقد استضافت الصين بالفعل قيادة طالبان في بكين، وهناك أدلة على أنها حددت بالفعل كيفية العمل مع طالبان. كما أن لديها خططا لتوسيع مبادرة "الحزام والطريق" عبر أفغانستان، وكانت الصين بالفعل قبل سيطرة طالبان في مرحلة إنشاء ممر لربط أفغانستان بباكستان عبر ممر "واخان".
وبحسب المجلة الأمريكية، لا شك أن الصين لديها العديد من الأسباب المقنعة للعمل مع نظام طالبان. إنها تريد التأكد من أن طالبان لا تقدم أي تشجيع سواء من خلال الملاذات الآمنة أو حتى الدعم الدعائي لسكان الأويجور المسلمين في منطقة شينجيانج ذاتية الحكم أقصى شمال غربي الصين. وعلى المدى الطويل، تريد الصين أيضا ضمان الوصول إلى الموارد المعدنية المهمة في أفغانستان، بما في ذلك احتياطيات النحاس الهائلة، حيث إنه بدون المساعدات الاقتصادية الأمريكية، ستسعى طالبان بشكل عاجل إلى الاستثمار الأجنبي لتلبية الاحتياجات المالية الماسة.
وأكثر ما تخشاه نيودلهي هو قدرة بكين على توسيع نفوذها السياسي والدبلوماسي في أفغانستان مع عودة نظام طالبان. فلا تزال الصين معادية بشدة للهند، كما أنها متحالفة بشكل وثيق مع خصمها باكستان. ومع جيوبها العميقة، ستعمل الصين بنشاط للحد من أي نفوذ هندي في أفغانستان التي تديرها طالبان. وإن تحفظات طالبان الخاصة بشأن الهند ستساعد في تعزيز قدرة بكين على إبقاء نيودلهي في مأزق، وفقا لما ذكرته مجلة "فورين بوليسي".
وترى المجلة الأمريكية أنه حتى مع إقامة علاقات أمنية أوثق بين واشنطن ونيودلهي لمواجهة القوة المتنامية للصين، فإن قرار الولايات المتحدة بالانسحاب من أفغانستان قد يترك الهند في نهاية المطاف مع مجموعة من المخاوف الأمنية الجديدة.