سميح القاسم.. لن يقوى أحد على إسكات صوت المقاومة
يشهد اليوم الذكرى السابعة لرحيل الشاعر الفلسطيني وأحد ثالوث صوت المقاومة الشاعر والأديب الكبير سميح القاسم.
ويعد سميح القاسم واحدًا من أبرز شعراء الفلسطينيين في مجال شعر المقاوم حيث ارتبط اسم سميح القاسم ارتباطًا قويًا ووثيقًا بشعر الثورة والمقاومة، وقدم في ذلك الكثير من بين ذلك قصيدته "تقدموا" التي خاطب فيها قوات الاحتلال الإسرائيلي، وقصيدته "منتصب القامة أمشي" التي لحنها وتغنى بها المطرب والموسيقار اللبناني مارسيل خليفة ،و من أشهر ما كتب أيضًا "قصيدة الانتفاضة".
وُلد سميح القاسم في مدينة الزرقاء الأردنية 11 مايو 1939 وعاش طفولته في بلدة الرامة بفلسطين، ودرس هناك وفي الناصرة واعتقل عدة مرات وفرضت عليه الإقامة الجبرية من قبل القوات الإسرائيلية بسبب مواقفه، وقد قاوم التجنيد الذي فرضته إسرائيل على الطائفة الدرزية التي ينتمي إليها، وكان والده القاسم ضابطًا برتبةِ رئيس في قوّة حدود شرق الأردن وكانَ الضباط يقيمونَ هناك مع عائلاتهم.
وحينَ كانت عائلة الطفل سميح القاسم في طريق العودة إلى فلسطين في القطار، في غمرة الحرب العالمية الثانية ونظام التعتيم، بكى الطفل سميح فذُعرَ الركَّاب وخافوا أنْ تهتدي إليهم الطائرات الألمانية! وبلغَ بهم الذعر درجة التهديد بقتل الطفل إلى آن اضطر الوالد إلى إشهار سلاحه في وجوههم لردعهم، وحينَ رُوِيَت الحكاية لسميح فيما بعد تركَتْ أثرًا عميقاً في نفسه: "حسناً لقد حاولوا إخراسي منذ الطفولة سأريهم سأتكلّم متى أشاء وفي أيّ وقت وبأعلى صَوت، لنْ يقوى أحدٌ على إسكاتي".
وعمل سميح القاسم أستاذًا في إحدى المدارس في فلسطين، ثم اتجه مع ميوله السياسية وعمل كناشط في الحزب الشيوعي، ومن بعدها تفرّغ للأدب والشعر، ولعمله الأدبي.
وكتب العديد من القصائد، وكان ما يميزها السياسية منها، إذ كانت كلماته فيها حماسية مؤثرة، لتعبرعن أوضاع بلاده الصعبة والتي يعرفها الجميع ويعيشها الفلسطنيون لعقود وعقود، فكانت كلماته تهز الفلسطينيين، وتثير الحماسة في شبابها، مما جعله عرضة للسجن لأكثر من مرة، فقد كان وطنه وشعبه جلّ همه، وكتب فيهم الشعر الكثير.
وأسهَمَ في تحرير صحف "الغد" و"الاتحاد"، ثمَّ ترأس تحرير جريدة "هذا العالم" عام 1966، وعادَ للعمل مُحررًا أدبيًا في "الاتحاد" وأمين عام تحرير "الجديد" ثمَّ رئيس تحريرها.وأسَّسَ منشورات "عربسك" في حيفا مع الكاتب عصام خوري سنة 1973، وأدارَ فيما بعد "المؤسسة الشعبية للفنون" في حيفا.
وترأّس اتحاد الكتاب العرب والاتحاد العام للكتاب العرب الفلسطينيين في فلسطين منذ تأسيسهما ، وترأّس تحرير الفصلية الثقافية "إضاءات" التي أصدرها بالتعاون مع الكاتب الدكتور نبيه القاسم. وكان رئيس التحرير الفخري لصحيفة "كل العرب" الصادرة في الناصرة.
وتميّز القاسم عبر مسيرته الأدبية بغزارة إنتاجه الأدبي وتنوّعه وتميزه، فقد شملت أعماله الأدبية النثر والشعر والقصص والأعمال التوثيقية وكتب الرواية والمسرحيات أيضًا ، وتميّزت أعماله بتأثّره بالنكبة والانتفاضة الفلسطينية، ولكن تميزه وشهرته الأكبر كان بمجال الشعر، فقد كتب القاسم ما يزيد عن ثلاثين ديوانًا من الشعر في مسيرته الأدبية، وقد تُرجِمَ عددٌ كبير من قصائده إلى الإنجليزية والفرنسية والتركية والروسية والألمانية واليابانية والإسبانية واليونانية والإيطالية والتشيكية والفيتنامية والفارسية والعبرية واللغات الأخرى العديدة ، ومن بين اهتماماته كان همه إنشاء مسرحٍ فلسطيني يحمل رسالةً فنيةً وثقافيةً عالية، كما يحمل في الوقت نفسه رسالةً سياسيةً قادرةً على التأثير في الرأي العام العالمي فيما يتعلّق بالقضية الفلسطينية.
وصَدَر له أكثر من 60 كتابًا في المجالات المختلفة التي أبدع فيها إلى جانب الشعر كالقصة والمسرح والمقالة والترجمة، وصدَرتْ أعماله الناجزة في سبعة مجلّداتٍ عن دور نشرٍ عدّة في القدس وبيروت والقاهرة ويتناول القاسم في شعره الكفاح والمعاناة الفلسطينيَين، وفي سن الثلاثين من عمره كان قد نشر ست مجموعاتٍ شعرية حازت على شهرةٍ واسعة في العالم العربي ،
وفي مجال الشعر توزّعت أعماله ما بينَ الشعر، وهي مجموعةٌ شعرية، وأغاني الدروب، وهي مجموعة شعرية كذلك و دمي على كفِّي (مجموعة شعرية) ودخان البراكين (مجموعةٌ شعرية) كما قدم سميح القاسم عددٌ من المسرحيّات أهمها قرقاش و كتب مجموعاتٌ قصصية قصيرة أهمها "إلى الجحيم أيها الليلك" و"الصورة الأخيرة في الألبوم"، ومجموعات نثرية أهمها "عن الموقف والفن" و"الرسائل" و"ومن فمك أُدينك"، ومجموعة سربيّات أهمها "مراثي سميح القاسم" و"إلهي إلهي لماذا قتلتني" و"ثالث أكسيد الكربون" كما أنّ له كتابٌ توثيقي حمل عنوان "الكتاب الأسود، يوم الأرض" ونشر القاسم أيضًا بحثًا توثيقيًّا بعنوان "مطالع من أنثولوجيا الشعر الفلسطيني في ألف عام " و" الأعمال الناجزة" في سبع مجلدات. بالإضافة إلى "الراحلون"، وغيرها كثير.
الجدير بالذكر أنه عندما رحل الشاعر الفلسطيني سميح القاسم ، فقد الشعر العربي أضلاع ثالوث ما عرف بـ"شعراء المقاومة" في فلسطين؛ توفيق زيّاد ومحمود درويش إضافة إلى سميح القاسم. ففي الثلاثينيات من القرن الماضي سيطر ثالوث شعري على الحياة الشعرية في فلسطين تكون من إبراهيم طوقان وعبد الرحيم محمود وعبدالكريم الكرمي (أبو سلمى)، ولكن في مرحلة الستينيات وما بعد ظهر ثالوث آخر قوامه محمود درويش وسميح القاسم وتوفيق زيّاد.
وحصل على العديد من الجوائز والدروع وشهادات التقدير وعضوية الشرف في عدّة مؤسسات فنال جائزة "غار الشعر" من إسبانيا،وحصل على جائزتين من فرنسا عن مختاراته التي ترجمها إلى الفرنسية الشاعر والكاتب المغربي عبد اللطيف اللعبي، وحصل على جائزة البابطين.
وحصل أيضًا مرّتين على "وسام القدس للثقافة" من الرئيس ياسر عرفات، وحصل على جائزة نجيب محفوظ من مصر وجائزة "السلام" من واحة السلام، وجائزة "الشعر"الفلسطينية ، وهو رئيس التحرير الفخري لصحيفة كل العرب.
وفي مثل هذا اليوم 19 أغسطس من عام 2014 رحل جسد سميح القاسم في مستشفى صفد، ونُقل إلى قريته الرامة حيث دُفن بعد أن شيّعه الآلاف من أهالي القرى والمدن العربية في فلسطين لكن بقيت كلماته وبقى صوتًا أدبيًا قويًا يقاوم ضد الاحتلال ودفاعًا عن الأرض في غيابه.