التصدى لظاهرة النمو السكانى المنفلت والذى لا يتناسب مع موارد الدولة المتاحة، هو مسئولية الجميع فإذا كانت الدولة تستعد لإطلاق استراتيجية متكاملة وشاملة للمواجهة وتوفر لها كافة الإمكانيات فإن عقل المواطن يظل هو المستهدف لتغيير قناعاته وأفكاره ومفاهيمه المغلوطة ومعتقداته الخاطئة، لذلك فإن المواجهة الفكرية الشاملة بمشاركة النخب الثقافية والإعلامية والدينية والتربوية وخبراء الاجتماع تمثل غاية فى الأهمية لإزالة هذه الأفكار الخاطئة ولتتعانق مع جهود الدولة فى الوصول إلى حل وتصدى حقيقى لهذا التحدى الأخطر.
«العدد فى الليمون».. القوة والعزوة ليست فى كثرة العيال
تشكل قضية الزيادة السكانية المنفلتة خطرا داهما على الوطن والمواطن فى شتى مناحى الحياة.. وتهدد التنمية المستدامة.. ولا تشعر المواطن بعوائدها.. وتتسبب فى تراجع مستوى الخدمات والاهتمام والرعاية والتأهيل التى يحتاجها المواطن منذ أن يكون جنينا فى بطن أمه وصولا إلى توفير احتياجاته فى جميع مراحل حياته.
خطورة النمو السكانى غير المنضبط تكمن فى عدم التوازن بين معدلات المواليد وقدرات وامكانيات الدولة.. فيتحول الأمر إلى عجز الدولة عن توفير احتياجات ومتطلبات بناء الإنسان وبدلا من أن يكون قيمة مضافة للمجتمع والوطن يشكل هما وعبئا على كاهله.. لذلك فإن الزيادة السكانية ومعدلات الإنجاب العالية تعد تهديدا مباشرا للتطلعات المصرية نحو المستقبل المشرق وهو ما يستلزم وجود سياق وبناء فكرى مختلف لدى جموع الناس فى محاولة للقضاء على الأفكار والمعتقدات والمفاهيم المغلوطة التى ترسخت فى عقول الناس بسبب موروثات عفى عليها الزمن ولم تعد ملائمة فى هذا العصر الذى تمثل فيه التكنولوجيا والتحول الرقمى أساسا كبيرا فى بناء وتقدم الأمم.
على مدار أكثر من ٣ ساعات عقد «صالون الجمهورية» الثقافى ندوة مهمة تحت عنوان «الزيادة السكانية ومستقبل مصر».. وربما كان ربط مستقبل مصر بالقضية السكانية أمرا مقصودا ومتعمدا ومهما لما يشكله النمو السكانى المنفلت من تهديد حقيقى للمستقبل خاصة على الإنسان الذى هو بطل الحاضر والمستقبل.
جاءت الندوة غاية فى الثراء وضعتنا جميعا أمام تحديد دقيق وبالأرقام والبيانات وجسدت ورسخت ملامح خطورة هذه الظاهرة وتأثيرها على المستقبل وعلى الخدمات وحقوق الإنسان ومدى ما تصل إليه الدولة من قوة وقدرة.. وأيضا تهديد لمسيرتها نحو التقدم لكننى ورغم المعلومات والبيانات الحصرية والجديدة والابعاد المختلفة للقضية السكانية إلا أننى توقفت عند أمر مهم للغاية.. هو إذا كانت الدولة المصرية تبذل جهودا ولا أبالغ خارقة وتسابق الزمن فى العمل على إصلاح وتطوير كل المجالات والقطاعات من أجل بناء الدولة الحديثة وأيضا توفير الحياة الكريمة للشعب وضمان جودة الحياة.. وكذلك تمتلك الرؤية ولديها إستراتيجية متكاملة تشارك فيها كافة وزارات ومؤسسات الدولة للتصدى لقضية النمو السكانى غير المنضبط أو المنفلت وسيعلن عنها قريبا.. إلا أن حل القضية.. ومفتاح الحل يكمن فى عقل المواطن المصرى وكيف نصل لإقناعه وتغيير أفكاره ومعتقداته ومفاهيمه الخاطئة التى استقاها من مفاهيم اجتماعية بالية عفى عليها الزمن.. وفتاوى مسمومة لم تخرج من أهل الذكر والعلم والدين ولا تعبر عن جوهر وصحيح الدين، ولكن صدرت من الجماعات الضالة والمتشددة وأشباه المشايخ والعلماء الذين يجهلون تعاليم الدين الصحيح.
علينا أن نقنع المواطن بإعادة النظر فى أفكاره ومعتقداته.. والبحث عن الجوهر والمضمون وليس الشكل والمظهر.. علينا أن نقنعه بالاهتمام بالنوعية وليس بالعدد الكثير فربما شخص واحد أفضل من عشرة أو مائة فى زمن التكنولوجيا التى تتطور كل ثانية.. وأن إنجاب طفل أو اثنين وتربيتهما بشكل سليم وصحيح.. وتقديم الرعاية الغذائية والصحية والتعليمية والفكرية أفضل من إنجاب «10» لا نستطيع أن نوفر لهم الحياة الصحيحة والسليمة ونهمل ونعجز عن تقديم الرعاية لهم ونلقى بهم فى المجتمع ليكونوا عبئا ثقيلا على كاهل المجتمع والدولة التى قد تعجز وفقا لتنامى وتصاعد معدلات الإنجاب.. وتجاوزها لقدرات وموارد الدولة عن توفير الرعاية الصحية والتعليمية والفكرية وفرص العمل لأن هذه الزيادة فوق طاقتها وإمكاناتها.
من هذا المنطلق وفى ظل جهود الدولة ورؤيتها وتوفيرها لكل الدعم اللوجسيتى والتوعوى والفكرى والتشريعى وسعيها الدءوب لبناء الإنسان بشكل صحيح وعلى أسس سليمة.. إلا ان الرهان الحقيقى يظل على عقل ووعى المواطن نفسه الذى لابد أن تتبدل أفكاره ومعتقداته.. ويرى الحياة بنظرة مختلفة ورؤية جديدة تحقق صالحه ومصلحة أبنائه.. وإيمانه أنه ليس من المهم كثرة الإنجاب.. ولكن الأهم هو كيف نربى ونرعى الأبناء ونوفر لهم الحياة الكريمة والرعاية الصحية والتعليمية وكيف نقدم للمجتمع إنسانا متصالحا مع نفسه ومجتمعه.. فالإنجاب المنفلت يؤدى فى النهاية إلى تقصير فى البناء والرعاية.. وربما تجد فئات تنجب بكثرة وتلقى بالأبناء فى سن صغيرة إلى الشارع أو سوق العمل اعتقادا منهم ان فى ذلك زيادة لدخل الأسر.. دون أن يدرى هؤلاء أنه ظلم بين وحرمان للطفل من حقوقه الأساسية فى التعليم والرعاية والصحة وتشكيل الوجدان والوعى واكتساب المهارات.
من هنا.. علينا أن نولى الجانب الفكرى والثقافى والدينى والتوعوى اهتماما كبيرا بحيث تتعانق الجهود الفكرية والثقافية لبناء وعى حقيقى وتغيير المفاهيم وتصحيح المعتقدات المغلوطة مع جهود الدولة اللوجستية والصحية والتشريعية.
مسئولية التصدى لتداعيات وخطر الزيادة السكانية الداهم هى مسئولية مشتركة.. أو بمعنى أدق هى مسئولية الجميع.. وإذا كانت القضية تتعلق بالحاضر والمستقبل.. وتفرز مخاطر اجتماعية تمس الجميع.. فإنها أيضا تحتاج جهود وأفكار الجميع للوصول إلى تشكيل قناعة كاملة لدى أفراد المجتمع أننا لابد أن نغير المسار.. والطريق.. وأن المفاهيم القديمة لم تعد تصلح.. فالدول الإسلامية الكبرى انتبهت لخطورة هذه الظاهرة الخطيرة وبعد أن كانت معدلات الإنجاب فيها تصل إلى 6.4 وصلت الآن إلى 2.1 أو أقل من ٢ لإدراكها خطورة النمو السكانى على حياة الوطن والمواطن.. ومستقبل الأجيال الحالية والقادمة.
الدولة فى غاية الانتباه لخطورة قضية الزيادة السكانية واستعدت بإستراتيجية وإجراءات متكاملة.. وامكانيات كبيرة.. لكن ما اتحدث عنه هو حركة المجتمع فى التعامل مع هذا التحدى الخطر.. لذلك فإن الإعلام يلعب دورا كبيرا فى الوصول إلى عقل المواطن وقناعاته وتغيير أفكاره ومعتقداته من خلال تبنى رسائل واضحة وذكية.. وعرض الفارق بين الحياة فى ظل تنظيم وضبط الإنجاب والحياة فى حالة الاسراف الإنجابى سواء على الوطن أو المواطن فى الحالتين، الأمر الثانى هو تفكيك أفكار وفتاوى الجهلاء بالدين من الجماعات الضالة والمتطرفة التى لا تعرف من الدين إلا المتاجرة به لصالح الإضرار بالإنسان والدولة.
وكذلك تبديد المعتقدات والموروثات الخاطئة.. أتحدث عن «العزوة».. وان كثرة العيال تعنى القوة والمال وأن هذه الأفكار لم تعد صالحة فواحد أو اثنان «أبرك» من عشرة و100.. فالإنسان الصالح المتعلم المعافى فى بدنه وجسده صاحب المهارات والعلم والمتفوق أفضل بكثير لأهله وأسرته من عشرة انعكست عليهم كثرة العيال بالإهمال والعجز فى تقديم الرعاية الشاملة.. ليصبح إنسانا محدود القدرات والإمكانيات أو يتجه إلى عالم الانحراف والإجرام والإرهاب والتطرف وهنا يكون نقمة وليس نعمة أو عزوة.
قالوا زمان «العدد فى الليمون» مثل شعبى كنا نسمعه كثيرا فى قرانا بالصعيد.. بما يعنى ان الكثرة غير المؤهلة والقوية والعفية لا تساوى أى رقم ولا تعنى أى قوة أو عزوة وان وجودها مثل عدمها.. ويمكن أن يكون اثنان أقوى وأكثر تأثيرا من العشرات لذلك لابد أن نهتم بالنوعية وليس بالكثرة.
عادة أخرى فى الصعيد.. أجدها صعبة وهى الإصرار على إنجاب الولد.. فإذا رزق الرجل بخمس فتيات.. يصر على إنجاب الولد أو حتى الزواج بأخرى أو آخريات من أجل تحقيق هدف إنجاب الذكر أو الولد ولعل الفن والغناء والفلكور المصرى جسد هذا المعنى.. مثلا أغنية «شيخ البلد خلف ولد يا فرحته قلبه انشرح».
فى الصعيد.. لدينا مشكلة كبيرة تحتاج قناعة فكرية والوصول إلى تغيير حقيقى لدى الناس.. «بيقولك اللى خلف مماتش».. و«بيقولك لو مخلفتش ولد يبقى مات اسمى وانقطع سلسالى.. أو من هيورث الأرض غير الولد».. أو يقولك «ولد على عشر بنات».. هذا التمييز يحتاج وقفة.. وان البنت زى الولد كما غنت سعاد حسنى «البنت زى الولد.. مهيش كمالة عدد» وبالفعل ربما تجد ان الذكور فى أسرة واحدة أقل تعليما من الفتاة وربما تجد ان الفتيات على مستوى عال جدا من التعليم بالحصول على مؤهلات عليا أو الالتحاق بكليات قمة أو التعيين فى هيئات التدريس أو طبيبة أو مهندسة فى حين ان اشقاءها حاصلون على مؤهل متوسط أو لا يوجد لديهم مؤهل.
علينا أن نغير أفكار ان الولد هو السند.. فالفتاة أو البنت هى حبيبة أبوها وأمها وأكثر عطفا وحنانا وإذا أعددتها بشكل صحيح تصبح بمائة رجل وخير سند ومعين بعد المولى عز وجل.
نحتاج مواجهة فكرية وثقافية ودينية وأن نستغل ما بين أيدينا من امكانيات فى هذا المجال لابد أن تعبر الدراما عن هذا الاتجاه وأيضا الغناء والإعلام ورجال الدين ولدينا «خطبة الجمعة» فى كل ربوع البلاد نستطيع أن نقدم للناس مضمونا مقنعا لإزالة الأفكار والمعتقدات الخاطئة والمغلوطة وتقديم الدين الصحيح للناس
اتذكر ان إحدى الفضليات فى الصعيد أنجبت 4 أبناء ذكور وفتاة وفى زيارة لأبنائها.. قالت لهم شدوا حيلكم.. أنتوا خلفتكم خلفة راجل واحد.. ومجموع أطفال أبنائها الأربعة كان ثمانية أى ان لكل ولد منهم طفلين لذلك المهمة ليست بالسهلة والمواجهة الفكرية والثقافية والدينية مهمة للغاية ولابد أن تكون لدينا رؤية وإستراتيجية متكاملة تدرك التحديات والموروثات وما يدور فى أذهان ومعتقدات الناس لإنتاج مضمون يستطيع أن يغير هذه الأفكار.
«صالون الجمهورية» الثقافى بالأمس دشن حملة إعلامية شاملة للتصدى والمشاركة فى حل قضية النمو السكانى العشوائى المنفلت الذى يهدد الأخضر واليابس.. ويمس تطلعات وآمال المصريين.. ولن نتوقف عن معالجة أبعاد هذه القضية بشكل متكامل وشامل مع جهود الدولة ودور النخب الفكرية والثقافية والدينية والإعلامية.
كما أطلق «صالون الجمهورية» الثقافى دعوة بإشراف المهندس عبدالصادق الشوربجى رئيس الهيئة الوطنية للصحافة مبادرة من الصحافة القومية للمشاركة معا فى تنظيم ندوات ولقاءات مع شباب الجامعات لنشر الوعى حول جهود الدولة المصرية وإنجازاتها وما تبذله على طريق التقدم والبناء وأيضا التحديات التى تواجه هذه المسيرة غير المسبوقة لبناء وعى حقيقى يشكل صمام أمان للوطن ونقطة انطلاق نحو بلوغ الأهداف والطموحات وامتلاك القوة والقدرة خاصة أننا على مشارف الجمهورية الجديدة التى يقودها الرئيس عبدالفتاح السيسى.
تحيا مصر