«حبة الغلة» تحصد الأرواح بثمن بخس.. كيف نتصدى لحوادث الانتحار بها؟
حالات انتحار متكررة من آن لآخر في أنحاء مختلفة ولأسباب متباينة بعضها خلافات عائلية وبعضها حزب بسبب ضعف المجموع بعد نتيجة الثانوية العامة أو إخفاقات مهنية أو عاطفية، والوسيلة واحدة "الحبة القاتلة" هي حبوب حفظ الغلال، والتي يستخدمها المزارعون كمبيد لحفظ المحاصيل الزراعية مثل القمح من التسوس.
تعد حبة الغلة مبيدا حشريا فعالا، حيث تتكون من فوسفيد الألومنيوم، وهو مبيد يتميز بكونه رخيص الثمن وله مفعول قوي في تبخير الغلال للقضاء على العشرات من التسوس والحشرات مثل القوارض وسوسة النخيل وغير ذلك من الآفات التي قد تهدد المحصول، كما أنها تتميز أيضا بكونها آمنة على المحصول ولا تترك أثرا به يهدد صحة الإنسان.
وخلال الأيام القليلة الماضية وقعت ما يقرب من 10 حالات انتحار باستخدام حبة الغلة، حيث أكد متخصصون أن سوء استخدام البعض لها لا يعني منعها، وخاصة أنها مفيدة للمزارعين، والتصدي لها يكون من خلال التوعية بمخاطرها وتشديد الرقابة على بيعها وتداولها، وهو ما أكدته وزارة الزراعة، موضحة أن هناك ضوابط محددة لبيعها منها ضرورة أن يكون لدى الشخص حيازة زراعية.
غاز شديد السمية
ولكن كيف تسبب حبة الغلة الوفاة بشكل سريع، هذا ما أوضحته الدكتورة نهلة عبد الوهاب، استشاري البكتريا والمناعة والتغذية، ورئيس قسم البكتريا بمستشفى جامعة القاهرة، قائلة إن حبة الغلة يستخدمها المزارعون لمنع الحشرات أو السوس من التواجد في محصولهم لذلك يضعونها في كيس داخل المحصول، وينتج عن ذلك مع الرطوبة غاز الفوسفين الذي يؤدي إلى تسميم الحشرات.
وأكد عبد الوهاب، في تصريح لبوابة "دار الهلال"، أنه خلال الأيام الماضية ازداد استخدام البعض لها في الانتحار، فهناك أكثر من 7 حالات انتحار باستخدامها في الفترة الماضية، بعد ظهور نتائج الثانوية العامة مضيفة أن تلك الحبة بعد بلعها تبدأ سوائل المعدة في هضمها تتحول إلى مادة سامة على الجسم، وهو غاز الفوسفين شديد السمية.
وقدمت عبد الوهاب بعض النصائح لإسعاف الشخص في حالة بلعه لحبة الغلة بشكل أولي حتى الوصول إلى المستشفى، منها بلع أقراص الفحم فهي متميزة في التعامل مع تلك الحالة وسحب الغازات، وكذلك من المهم عدم تعمد إحداث قيء للشخص المصاب وكذلك عدم شرب المياه بعد ذلك، لأنه الماء في تلك الحالة خطيرة.
وأشارت إلى أن هناك بعض الحالات التي يمكن استخدام المياه في الإسعافات الأولية لها لكن ليست في حالة التسمم بحبة الغلة، وذلك حتى الوصول إلى المستشفى وحينها تجرى التدخلات الطبية اللازمة وعمل غسيل معدة ليس بمحلول ملح ولكن بمواد طبية أخرى، مؤكدا أنه يجب إبلاغ الطبيب بالتاريخ الصحي للشخص.
وشددت على ضرورة الحذر والإسراع لأنه بمجرد دخول تلك الحبة إلى المعدة وهضم سوائل المعدة لها سيخرج غاز الفوسفين شديد السمية، والذي يؤدي إلى أعراض خطيرة منها فشل التنفس وإعياء شديد وانخفاض في ضغط الدم بصورة كبيرة، وتدمير عضلة القلب والمعدة والجهاز التنفسي مع انتشار هذا الغاز السام.
هل بيع حبوب الغلة جريمة؟
وتباع حبوب الغلة في محال المبيدات الحشرية والصيدليات البيطرية ومحال المستلزمات الزراعية، وهي رخيصة الثمن وتعد من أفضل المبيدات لمكافحة الحشرات في الغلال لأنها قوية المفعول، وتعتمدها وزارة الزراعة كمبيد آمن، لكن هل تؤدي إساءة استخدام البعض لها إلى عقوبة قانونية؟، هذا ما أوضحه الدكتور محمد الذهبي، أستاذ القانون الدستوري، قائلا إن حبوب حفظ الغلة ليست مجرمة بالقانون وهي تباع في محال المبيدات الحشرية للمزارعين وأصحاب الأراضي الزراعية نظرا لأهميتها بالنسبة لهم في حفظ محصول القمح على سبيل المثال، وسوء استخدام البعض لها في حالات الانتحار هو الأزمة.
وأكد لبوابة "دار الهلال"، أن بائع تلك الحبوب من أين له أن يعرف إذا كان من يشتريها سيستخدمها في الانتحار أو في أغراضها المعروفة، إلا إذا أثبتت النيابة أن البائع يعرف أن المشتري سيستخدم تلك الحبة في الانتحار فحينها سيكون الوضع مختلفا لأنه بذلك يكون يساعده، لكن بيعها في حد ذاته ليس جريمة.
"الأصل العام أنه لا جريمة ولا عقوبة إلا بنص أو قانون"، يضيف الذهبي، مؤكدا أنه طالما بيع حبة الغلة ليس مجرما، فالبائع في تلك الحالة ليست عليه أية مسئولية جنائية، إلا إذا أثبتت النيابة العامة أن البائع كان يعلم بغرض المشتري استخدام تلك الحبة في الانتحار أو أنه تعمد منحها للمشتري بهذا الغرض.
وأكد أن محال بيع المبيدات الحشرية منتشرة وغير مجرم بيعها، وإن كان هناك اشتراطات محددة لبيع مثل تلك الحبوب فيجب على البائع الالتزام بها، مضيفا أن المضاد الحيوي على سبيل المثال يمكن أن يؤدي إلى الوفاة إذا تناول الشخص كمية كبيرة منه، فهل يمكن منع بيع المضاد الحيوي، بالطبع لا، لكن إذا أعلن أنه سيستخدم ذلك في الانتحار فالوضع حينها مختلف.
الزراعة توضح ضوابط بيع حبوب الغلة
ومن جانبه، قال الدكتور محمد القرش، المتحدث باسم وزارة الزراعة، إن هناك تشديدا للرقابة على بيع وتداول حبوب الغلة في الأسواق، من بينها عدم بيع تلك الحبوب إلا لمن يمتلك حيازة زراعية وأن يستخدم تلك الحبوب في منتج لديه، مؤكدا أنه تم تقنين وضع بيع حبوب حفظ الغلة، ويجري التفتيش على منافذ البيع باستمرار.
وأوضح القرش، في تصريح لبوابة دار الهلال، أن هناك تفتيشا مستمرا على منافذ بيع المستلزمات الزراعية بشكل كبير ودائم، واللجان والقطاعات المعنية بالمبيدات أجل تقوم بدور كبير في هذا الأمر ومتابعة ومواجهة أي عمليات بيع غير منظمة للمبيدات أو غيرها من الكيماويات المستخدمة في الزراعة وعلى رأسها حبة الغلة.
وأشار إلى أن هذا الإجراء متبع منذ سنوات وليس جديدا، وتباع حبوب حفظ الغلة لمن يملك حيازة فقط وهذا يتم إثباته وقت الشراء، مؤكدا أن حبة الغلة هي إحدى أنواع المبيدات التي تستخدم في تخزين الغلال لحمايتها من التسوس والحشرات، وهي آمنة على الغلال ولا تترك أثرا فيها وضرورية لكل المزارعين.