المصارحة والإنجاز أبرز أسلحته لماذا ثار المصريون على السادات فى ١٩٧٧ والتفوا حول السيسى؟
بقلم: عزت بدوى
لو وضعت معاناتنا وفقرنا فى «كفة» .. وحبنا «للسيسى» فى «كفة» لرجحت كفة حبنا للسيسى، هذه العبارة الشهيرة التى دشنها الحاج حمام على عمر الصعيدى الفصيح فى الأسبوع الماضى فى احتفالات افتتاح الرئيس السيسى لعدد من مشروعات البنية الأساسية فى محافظات الصعيد تكشف بوضوح الثقة غير المحدودة للمصريين فى رئيسهم رغم معاناتهم المعيشية من قرارات الإصلاح الاقتصادى لإدراكهم أن هذه المعاناة رغم قسوتها، إلا أنها مرحلة عابرة وضريبة مؤقتة لابد من سدادها لتحقيق طموحاتهم فى إعادة بناء اقتصادهم على أسس ثابتة تضمن لهم ولأولادهم وأحفادهم الحياة الكريمة.
كان من السهل على الرئيس السيسى أن يحذو حذو من سبقوه فى الحكم فى مواجهة مشكلات البلاد الاقتصادية وأمراضها المزمنة بالعلاج بالمسكنات من أجل كسب شعبية جماهيرية فى الشارع طوال فترة حكمه، خاصة أن الدستور الجديد حددها بحد أقصى بدورتين رئاسيتين مدة كل منهما ثلاث سنوات، وأنه يكفيه ما حققه من إنجازات فى ثلاث سنوات فقط يفوق ما تحقق على مدار أربعين عاما من حكم من سبقوه ليكون معبود الجماهير؛ ولكن حسه الوطنى وحبه لوطنه ورغبته الجارفة فى إعادة بناء بلاده على أسس قوية راسخة تؤسس تنمية مستدامة وليس لشعبية زائفة دفعته إلى الاختيار الصعب والرهان على الشعب فى تحقيق هذه التنمية، وأن يكون سلاحه فى ذلك هو المصارحة والمكاشفة لما وصل إليه حال البلاد من تراجع يفوق الخيال، وإن إعادة بناء الدولة المصرية العصرية التى يحلم بها بما يليق بمكانة مصر ودورها الإقليمى والدلالى وحضارتها يتطلب عملا دؤوباً متواصلاً يشارك فيه الجميع وتحقيق إنجازات تفوق الخيال فى مدى زمنى قصير للخروج من عنق الزجاجة، ومن هنا بدأت المسيرة الاقتصادية بمشروعات قومية عملاقة وعلاج جذرى لمشكلات اقتصادية مزمنة تراكمت عبر السنين.
وإذا كانت قرارات القيسونى الاقتصادية عام ١٩٧٧ والتى كانت تهدف إلى تقليص الدعم ورفع أسعار الكيروسين والمازوت والبنزين ورغيف الخبز لإصلاح مسار الاقتصاد الوطنى بالاتفاق مع صندوق النقد الدولى للحصول على ٢ مليون دولار وكان الدولار فى ذلك الوقت يوازى ٤٠ قرشا فقط والقرض لدعم الميزانية وسد عجزها؛ لكن لأن القرارات صدرت من دون دعم شعبى وبلبلة من البرلمان؛ خرجت مظاهرات يناير ١٩٧٧ والتى أطلق عليها الرئيس السادات فى ذلك الوقت بانتفاضة الحرامية، بعدما اندس فيها اللصوص وتجار المحلات لنهب المحلات وحرق النوادى الليلية بشارع الهرم واضطر السادات إلى إلغائها فى ذات اليوم والتراجع عنها لتهدئة الجماهير الثائرة وتحولت هذه المظاهرات بعد ذلك إلى كابوس يطارده فى أحلامه دفعه إلى التراجع عن أى إصلاح فعلى، وسار على نهجه الرئيس مبارك بعد ذلك لمدة ثلاثين عاما من عدم الاقتراب من الدعم أو تحريك أسعار السلع التموينية حتى تآكلت آلات المصانع الحكومية وتردت خدمات الهيئات الاقتصادية بداية من السكة الحديد إلى المواصلات العامة، وانهارت شبكات الطرق والكهرباء لعدم تجديدها أو صيانتها، وتحول دعم الطاقة فى موازنة الدولة إلى رقم تجاوز المائة مليار جنيه، وكمثل الدعم ثلث ميزانية الدولة عام ٢٠١٠ رغم أن معظمه يذهب للأغنياء أكثر من الفقراء لتنهار الخدمات والمرافق دون علاج حقيقى خشية الغضبة الشعبية التى ثارت ضد السادات، وأدرك الرئيس السيسى أن أى علاج اقتصادى فعلى لن يجدى بدون مصارحة الشعب، فلن يستمر دعم الفقراء للأغنياء للأبد، ولابد من علاج جذرى لإصلاح المسار الاقتصادى ويكون قادراً على تحقيق التنمية المستدامة وفقا للمعايير الاقتصادية السليمة التى تحمى الفقراء ومحدودى الدخل، وأن يتم توجيه الدعم لمستحقيه بالفعل، ولابد من الخروج من الوادى الضيق، وهو ما يتطلب شبكة قومية للطرق تربط هذه المدن ببعضها من جهة وبالموانى المصرية من جهة أخرى، ولابد من بنية أساسية كاملة لجذب الاستثمارات المحلية والأجنبية لزيادة الإنتاج، وبالفعل ما تحقق حتى الآن فى الطرق والكهرباء والزراعة والمدن الجديدة يفوق ما تحقق على مدى ٤٠ سنة.. وقام بإعداد برنامج اقتصادى وطنى خالص تسانده مؤسسات التمويل الدولية.
وفى مقدمتها صندوق النقد الدولى والبنك الدولى والدول الصناعية السبع الكبرى والدول العربية الشقيقة مصارحاً الشعب قبل كل شيء بآثاره السلبية قبل الإيجابية وضروراته الحتمية ومخاطر عدم الالتزام به والخطوات التى تتخذ للحد من الآثار السلبية على الطبقتين المتوسطة والفقيرة وهو ما قوبل بدعم وتأييد شعبى رغم آثاره السلبية التى يعانون منها ولاسيما الزيادات التى طرأت على العديد من السلع والخدمات سواء الغذائية أو الخدمية كالبنزين والسولار والكهرباء وغيرها، ولكنهم يدركون جيدا أنهم يسيرون على الطريق الصحيح نحو الخروج من عنق الزجاجة وجنى ثمار هذا الإصلاح من تنمية مستدامة تنعكس على حياتهم ومعيشتهم، وهو الأمر الذى انعكس فى تقارير صندوق النقد الدولى الأخيرة التى أشادت بهذه الإنجازات.
إن ما تحقق من إنجازات اقتصادية على أرض الواقع فى مصر فى أقل من ثلاث سنوات يفوق ما تحقق على مدى عقود طويلة رغم قسوة العلاج يؤكد بما لا يدع مجالاً للشك أن الدعم والثقة الجماهيرية للقائد يدفعانه إلى تحقيق المعجزات فى زمن قياسى.