رئيس مجلس الادارة

عمــر أحمــد ســامي

رئيس التحرير

طــــه فرغــــلي


الرئيــس والعـــدالة الاجتماعيــة

24-5-2017 | 14:57


بقلم: د. سامية قدرى

 

مرت ثلاثة أعوام على تولى سيادة الرئيس عبدالفتاح السيسى حكم البلاد، ومع نهاية كل عام يُطرح سؤال هام: ماذا فعل الرئيس لتحقيق العدالة الاجتماعية؟

كما لو كان الشعب المصرى قد جاء بالرئيس لإشباع احتياجات الفقراء ومحدودى الدخل.. وهنا يترك المحللون والمعنيون والمعارضون كل الأمور، التى تتعلق بالدولة خارجيًا وداخليًا ويحاسبون الرئيس على ما حققه للفقراء، ومحدودى الدخل أو يحملونه الفشل فى إدارة شئون البلاد لأنه تباطأ فى إصلاح منظومة الرعاية الاجتماعية..

نحن لا ننكر أن تحسين الأحوال المعيشية للمواطنين - خاصة الفقراء ومحدودى الدخل- هى مسئولية الدولة الأولى، إلا أن مسألة العدالة الاجتماعية لا يمكن اختزالها فى محاربة الفقر بل هى مسألة أكبر من ذلك بكثير، فهى تطبيق مبدأ المواطنة الذى نص عليه الدستور الذى أكدت عليه كل المعاهدات والمواثيق الدولية التى صدقت عليها مصر، الذى يعنى المساواة التامة بين المواطنين دون أى تمييز.. والتى تحتاج لتفعيلها جهد جهيد، خاصة أن صور التمييز قد تفشت فى كل جنبات حياتنا، ناهيك عن أن مسألة السعى لتحقيق العدالة ليست وليدة اللحظة، التى نعيشها الآن وإنما هى إرث تركه لنا الحكام السابقون.

سيدى الرئيس.. أعلم جيدا أنك لست المسئول عن التباطؤ فى تحقيق العدالة الاجتماعية، فهى إرث جاء نتيجة تراكم حقب تاريخية سعت بعضها لتحقيق العدالة ولكنها فشلت لأسباب عديدة، فلقد بدأت الفكرة مع مؤسس مصر الحديثة محمد على ثم تولاها بعض من أبنائه واستمر ذلك لدى الفئات البازغة من الطبقة الوسطى فى النصف الأول من القرن العشرين إلى أن قامت ثورة يوليو لكى تؤسس من جديد لدولة العدالة الاجتماعية فتتخذ من الإجراءات لتحقيق ذلك: قوانين الإصلاح الزراعى، مجانية التعليم، التوسع فى تعليم الفقراء، منح المصريين حق العمل، الرعاية الصحية إلخ.. إلا أن ذلك لم يستمر طويلا فمع نهاية الحقبة الناصرية بدأ عهد خيانة العدالة الاجتماعية، حيث عاد الاستقطاب الحاد بين الأغنياء والفقراء نتيجة السياسات، التى تبناها الرئيس السادات، التى زادت بعد تولى الرئيس مبارك، جراء السياسات الانكماشية التى عززها نظامه، فما كان إلا سقوط فئات عديدة فى براثن الفقر والحرمان ورغم أن الدولة لم تتخل عن مسئوليتها فى دعم بعض السلع والطاقة إلا أن البيروقراطية وجشع التجار جعلت الدعم لا يصل إلى مستحقيه وجعلتهم يسلكون مسالك عدة لمجابهة فقرهم.

ثم جاءت تسعينيات القرن العشرين ومعها مرحلة جديدة تكرس وتعمق من الفجوة بين الناس فى ظل سيادة ثقافة استهلاكية انتشرت بدعوى المساواة بين البشر ولكنها عمقت اللامساواة والإحساس بالهوة بين الأغنياء والفقراء، مما أدى إلى وجود ممارسات من قبل فئات عديدة للحصول على أى شىء ممكن وبأى طريقة ممكنة فتفشى الفساد المالى والإدارى، تحقيق الصالح الخاص على حساب الصالح العام، انتشار الوساطة والمحسوبية، التمييز الصارخ بين فئات بعينها وغيرها من صور التمييز والظلم والحرمان، التى اجتمعت فأنتجت ثورة ٢٥ يناير لترفع من جديد المطالَب المشروعة للشعوب المحرومة والمقهورة «العيش، الحرية، العدالة الاجتماعية والكرامة الإنسانية».

تلك مقومات أى دولة تسعى للاستقرار والتقدم، فالاستقرار والتقدم لا يتأتى فقط بإشباع الاحتياجات الأولية وإنما الحرية والكرامة الإنسانية والعدالة الاجتماعية، العدالة كقيمة مجتمعية تنتشر فى ربوع للبلاد فتنعكس فى سلوك الناس خلال حياتهم اليومية وفى كل مجالات الحياة. 

من أجل هذا تصور المصريون أن حكم الإخوان المسلمين سوف يحقق كل هذا، خاصة أنهم رفعوا شعارات داعبت أحلامهم واستثارت الحمية الدينية لديهم: «الإسلام هو الحل، معا للإصلاح»، «نحمل الخير لكل الناس»، كما أطلقوا على حزبهم «الحرية والعدالة».. ولكن عندما شعر المصريون بأنه لا حرية ولا عدالة فى ظل نظام فاشى وأن الخير الذى وعدوا به لم يعم الجميع ولم تتحقق العدالة المنشودة، لذلك لفظوا هذا النظام لأنه لم يستجب لمطالبهم المشروعة.

لذلك سيادة الرئيس.. عندما خاطبت المصريين وأنت وزير للدفاع بعبارتك: «إن المصريين لم يجدوا من يحنو عليهم»، خاطبت مشاعرهم واحتياجاتهم وتطلعاتهم للعدالة الحقيقية، وعلقوا آمالهم عليك باعتبارك «المخلص»، الذى جاء ليخلصهم لا من حكم الإخوان ولكن من الفقر والظلم والحرمان بكل صنوفه.. وتطلع آخرون إلى تحقيق الحلم بدولة مدنية ديمقراطية حديثة تعلى من قيمة المواطنة والعدالة لكل مواطنيها. 

سيادة الرئيس، شعرنا أن بداخلك عدالة اجتماعية منذ أن كنت وزيرا للدفاع عندما سددت ديون الغارمات وأسقطت ديون الفلاحين وشعرنا- ومازلنا نشعر- بأنك نية وطنية خالصة منذ خلصتنا من حكم الإخوان ودعوتنا لأن نعمل معًا من أجل بناء وطننا خاصة بعد توليك رئاسة البلاد ووعدك بالتوازن بين النمو الاقتصادى وتحقيق العدالة الاجتماعية وبغد مشرق ومستقبل أفضل . لقد أوفيت ببعض وعودك فسعيت بداية إلى النمو الاقتصادى من خلال إطلاق بعض المشروعات الكبرى، العاصمة الجديدة، محور قناة السويس، الشبكة القومية للطرق، المشروع القومى للمدن الجديدة، تطوير ميناء سفاجة وميناء أرقين.. هذا فى نفس الوقت تزامنًا مع محاربة الاٍرهاب هذا تساوقا مع مشروعك لبناء الإنسان المصرى وتوفير الحماية والرعاية الاجتماعية له (مشروع تكافل وكرامة) لمحاصرة مشكلة الفقر، إصلاح منظومة الخبز، مراجعة منظومة الدعم من أجل وصوله لمستحقيه، الإسكان الاجتماعى وغيرها من الإجراءات. 

ولكن سيادة الرئيس.. هل تعلم أن إدارة مؤسساتنا مازالت تتم بنفس الطرق القديمة البالية التى لا تتسق مع مبدأ العدالة الاجتماعية؟ فلا يعلم أحد كيف تدار هذه المؤسسات وكيف يصل من يديرونها إلى مناصبهم، وهل تعلم أن المحسوبية والوساطة والشللية مازالت تمثل جوهر العلاقات داخل هذه المؤسسات، وأن التمييز ضد المواطنين مازال صارخا، وأن من يعمل يعاقب فى حين يترك الفاسدون لمجرد علاقتهم بمرؤوسيهم... هل تعلم أن الكفاءة والشفافية والإنجاز لم تعد معايير الاختيار لتولى المناصب والمواقع داخل هذه المؤسسات، وأنه فى الوقت الذى تعلو المطالب بتحقيق «الحوكمة» أو الحكم الرشيد، تغيب ثقافة الحوكمة، التى تتمثل فى إعلاء قيم النزاهة، الشفافية، الثقة، عدم التميز، التسامح وغيرها من القيم التى يمكن أن تبنى مجتمع حر ديمقراطى رشيد وحديث.

سيادة الرئيس... إن إنجازاتك تفوق فترة رئاستك، ولكن مازال أمامك الكثير فقضية العدالة الاجتماعية ليست بإقامة المشروعات الكبرى، ولا حتى بتوفير الرعاية والحماية الاجتماعية من خلال بعض الإجراءات أو بالأحرى المسكنات ولا بخطاب فوقى من قبل المؤسسات الإعلامية، ولكن من خلال تحول هذا الخطاب إلى ممارسات فى كل مؤسساتنا التعليمية، موظفى الدولة ومن خلال عدالة تقديم الخدمات فى التعليم، الإسكان، الصحة، الحماية الاجتماعية....الخ، وإعلاء وإرساء قيم حديثة تحل محل القيم قبل الحديثة، قيم المجتمعات التى تحكمها التقاليد والأعراف بدلاً من أن يحكمها القانون، مجتمعات تحكمها ثقافة القبيلة بدلا من الثقافة الحديثة التى تحقق النظام العام الذى ينبغى على كل المواطنين أيا كان موقعهم أو مكانتهم أن يتبعوه.

سيادة الرئيس.. أنا لست مع من يذهبون بأن أخلاقك التى نلمسها جميعا للتغطية على بعض الأخطاء فى الحكم أو أنك تستخدم حيلة التلاعب بالأخلاق للوصول إلى واقع معاكس مثلما يفعل أصحاب السلطة فى أى مجتمع متعللين بالمبدأ القائل «دعهم يقولون ما يريدون، مادمنا نفعل بهم وفيهم ما نريد».. ولست أيضا مع من يذهب إلى أنك تخفى بعض أو ما تنوى فعله حتى تنتهى فترة ولايتك الأولى وقت الاستعداد لفترة انتخاباتك الثانية، ذلك لأنى أعلم جيدا أن الإصلاح لا يتأتى فى أربعة أو حتى ثمانى سنوات، ولكن قد يستغرق ما يربو على ضعف هذه الفترة الزمنية، خاصة أن الإصلاح الذى نحن فى حاجة إليه ليس الإصلاح الاقتصادى وإنما الإصلاح الاجتماعى بمفهومه الشامل وفى القلب منه الإصلاح الثقافى، الذى بدوره قد يسهم فى أن نشعر بالإصلاح الاقتصادى وبثمار التنمية... حيث إن التغير الثقافى فى حالتنا هو قاطرة التنمية الحقيقية.

سيادة الرئيس.. هناك تكهنات أن السنة الرابعة المتبقية لفترة رئاستكم الأولى قد تكون أكثر قسوة عليك، خاصة من الكارهين الذين سوف ينشطون أكثر وأكثر للنيل من شعبيتكم وسوف يحاولون إحباط أى محاولات للإصلاح خاصة تجاوز الأزمة الاقتصادية لكى يمارسوا ضغوطًا على محدودى الدخل.

سيادة الرئيس نتمنى لك عامًا جديدًا أكثر استقرارًا، حكمةً، إنجازًا خاصة لإرساء قيم المواطنة والعدالة الاجتماعية وتفعيل القانون، التى هى جوهر الإصلاح.