صناعة الفانوس.. المهنة الموروثة من العصر الفاطمي
منذ عام 362 هجريا حين دخل المعز لدين الله الفاطمي إلى القاهرة في أيام رمضان الأولى واستقبله المصريون، حينها بموكب ضخم حاملين مشاعل ملونة لتصبح تلك الفوانيس المضاءة علامة من علامات شهر رمضان، وعادة يتوارثها الأجيال متعاقبين، ويضفي كل منهم عليه من فكره وروح العصر.
بالصفيح والزجاج والقصدير والزخارف يتشكل الفانوس ويظهر في صورته النهائية مبهجا باهيا رمزا لشهر رمضان لا يخلو بيت من وجوده رغم مرور الزمن وغلاء الأسعار وهو ما يؤكده مجدي فهمي أبو العدب أحد صناع الفانوس بمنطقة تحت الربع بالدرب الأحمر، والذي توارثت عائلته الصناعة على مدى عقود وقرون مضت.
"الفانوس المصري هذا العام متربع العرش وعاد لأقوى من مكانته، على مدار الـ65 عاما التي بدأت أعمل بها أجد الإقبال هذا العام مختلف" يضيف أبو العدب، قائلا إنه هناك توسعات في حركة التصدير لهذا العام بدخول دول جديدة للتعامل مع السوق المصري والاستيراد من مصر وهي لبنان والبحرين وليبيا فضلا عن الدول العربية والأجنبية.
وعرض تطور أشكال الفانوس عبر الزمن قائلا إن أول شكل للفانوس كان هو المضاء بشمعة يفتح باب في أحد جوانبه وتوضع الشمعة، ومن تاريخ دخول المعز إلى البلاد وحتى الآن يوجد 3 آلاف اسم فانوس بأشكال مختلفة، أبرزها "شقة البطيخ والشويبس، الشمامة، النجمة" كلها من الصاج وتضاء إما بشمعة أو بلمبة كهربائية للحجم الكبير وكل شكل له زبونه.
ويؤكد أبو العدب أن الفانوس الصيني ما كان إلا لعبة أطفال ليست لها علاقة برمضان أو بالفانوس في شيء، مضيفا أنه لا أحد في العالم يعرف يصنع فانوس رمضان سوى مصر التي ابتكرت الفانوس منذ العصر الفاطمي واستمرت العادة منذ ذلك الحين بأشكال جديدة للفانوس.
يبدأ التجهيز للفانوس حسب توضيحه في شهر رمضان استعدادا للعام المقبل، وتكون أول مراحل التجهيز هي التصميم والذي يكون في الأيام الأولى من شهر رمضان، وبعدها يبدأ التنفيذ والتجريب من خلال قص ألواح الصفيح حسب المقاسات والسمك المطلوب وبعدها التشكيل ثم التقييم لتحديد نوع وحجم الإضافات والزخارف المطلوبة سواء بالنقش العربي أو المشربية وبعد الانتهاء من الجسم الأول ينفذ الصنايعية عليه.
ثلاثة أنواع جديدة شهدها الموسم الرمضاني الحالي وهي القدس إهداء إلى المسجد الأقصى وتاج الملك وعلامة النصر، ويستمر التصنيع طوال العام في ورش يملكها أبو العدب في عزبة خير الله والمقطم وتحت الربع يطلب من كل منهما العمل حسب تكليفه فضلا عن مكان آخر للنقش على الزجاج والزخرفة بآيات قرآنية.
يبدأ سعر الفانوس من 10 جنيهات حتى 5 آلاف جنيه كبير الحجم يصل طوله لخمسة أمتار ويشتريه أصحاب الفنادق والمطاعم، نافيا ارتفاع الأسعار عن العام الماضي، فقال "الأسعار لم ترتفع مطلقا عن العام الماضي كل من يتعاملون معي يتوقعون أن أرفع السعر لكنني أحاسبهم على أسعار العام الماضي، فانا لا أعمل بأي مادة خام مستوردة وعندي مخزون يكفي لعشر سنوات فلماذا أرفع السعر؟".
وقال إن الناس اعتادت على شراء الفانوس للاحتفال برمضان، وغلاء أسعار الحياة لا يهمه بقدر اهتمامه أن يكون عنده فانوس رمضان، مؤكدا أن الفانوس الصفيح التقليدي المصري لا يوجد ما ينافسه سواء كان البلاستيك المستورد قبل أن يتم وقف استيراده ولا الخشب المنتشر مؤخرا، حتى ذلك الذي يضاء بشمعة "أبو شمعة" اختفى لفترة وعاد مرة أخرى مطلوبا.
في ورشة مجاورة كان أحمد صالح أحد صنايعية الفانوس المصري ينهي عمله بأحد الفوانيس، يوضح أن عملية التصنيع تبدأ في منتصف رمضان وبعد العيد لتخزين البضائع عند التجار للعام المقبل، قائلا إن إخراج الشكل النهائي يمر بمراحل عديدة منها التنفيذ على رسم هندسي له مقاسات معينة وهي عملية تأخذ أوقات متفاوتة حسب الحجم، "الفانوس الصغير يتطلب نصف يوم لتنفيذه والكبير ما بين أسبوع أو أكثر وفي إمكاننا إخراج 25 فانوس في 12 ساعة حسب ضغط الطلب".