رئيس مجلس الادارة

عمــر أحمــد ســامي

رئيس التحرير

طــــه فرغــــلي


كيف تسلسل الشياطين في رمضان مع ارتكاب الصائمين للمعاصي؟

26-5-2017 | 12:16


محمد يسري

الفهم الدقيق لنصوص الشرع يجنب المسلم الوقوع في مصيدة الشبهات التي يلقيها الشيطان على الإنسان، وحول تصفيد الشياطين في رمضان واستمرار الإنسان في المعاصي احتار الكثيرون، حتى إن البعض قد أنكر أحاديث النبي صلى الله عليه وسلم في هذا الأمر، ويمكن الوصول إلى الفهم الصحيح لهذا الحديث من خلال معرفة دور الشيطان في أفعال العباد، وحدود عمله بها، إذ ليست الشياطين وحدها مصدر المعاصي في الإنسان، فهناك بُعد آخر في النفس البشرية يدفعه لإتيان الخير والشر.

وهذا ما أكده العلماء، وهو منطقة حديث النفس التي هي مصدر الخواطر والأفكار، ومحل الإلهام في الإنسان، وهذه المنطقة لا حساب على ما يدور فيها من الخواطر أيا كان.

قال النبي صلى الله عليه وسلم: (إِنَّ اللّهَ تَجَاوَزَ لأِمَّتِي مَا حَدَّثَتْ بِهِ أَنْفُسَهَا مَا لمْ يَتَكَلمُوا أَوْ يَعْمَلُوا بِهِ) متفق عليه.

ولمنطقة حديث النفس ركنان:

الركن الأول: هو النازعان، وهما غريزتان متقابلتان تنبعث منهما الخواطر في قلوب العباد، الأول ويسمى نازع الخير وفطرة الإنسان ومبعث التقوى والإيمان، والثاني ويسمى نازع الشر والهوى ومبعث الفجور في الإنسان.

قال تعالى: (وَنَفْسٍ وَمَا سَوَّاهَا فَأَلهَمَهَا فُجُورَهَا وَتَقْوَاهَا قَدْ أَفْلحَ مَنْ زَكَّاهَا وَقَدْ خَابَ مَنْ دَسَّاهَا) (الشمس:10).

هاتان الغريزتان تحركان الإنسان لإتيان الخير والشر دون تدخل من الشياطين أو الملائكة في منطقة حديث النفس، حيث تدور فيها الخواطر والهواجس التي لا حساب عليها إلا إذا تحولت إلى فعل.

أما الركن الثاني فهو الهاتفان أو القرينان المتضادان، ويسمى الأول الملك أو هاتف الخير وداعي الإيمان، ويسمى الثاني هاتف الشر أو الشيطان، والهاتفان يُسهمان في تشكيل الخواطر خيرها وشرها بمنطقة حديث النفس في الإنسان، يضاف إليهما النازعان النفسيان المتقابلان والمتضادان.

وهنا يأتي دور الشيطان في الوسوسة للإنسان؛ حيث يلقي بقلبه الهواجس والخواطر فيستجيب لها فيقع في المعاصي.

روي الإمام مسلم من حديث عبد الله بن مسعود رضي الله عنه أن رَسُول الله صلى الله عليه وسلم قال: (مَا مِنْكُمْ مِنْ أَحَدٍ إِلا وَقَدْ وُكِّل بهِ قَرِينُهُ مِنَ الجِنِّ وَقَرِينُهُ مِنَ المَلائِكَةِ)، قَالُوا: وَإِيَّاكَ يَا رَسُول الله، قَال: (وَإِيَّايَ وَلكِنَّ الله أَعَانَنِي عَليْهِ فَلا يَأْمُرُنِي إِلا بِحَقٍّ).

إذن فنحن أمام نوعين من أفعال الإنسان أحدهما ليس للشيطان دور في المبادرة به، إذ هو استجابة لغريزة داخل الإنسان فقط، ودور الشيطان فيه هو المساعدة وليس المبادرة؛ فإذا وقعت معصية يكون مصدرها نازع الشر في الإنسان، ونوع آخر ينشأ عن وسوسة الشيطان فهو المبادر والداعي إليه.


 

وقد أسهب الفقهاء والمفسرون وعلماء الحديث في توجيه أحاديث النبي صلى الله عليه وسلم التي تتحدث عن تصفيد الشياطين في رمضان، وركزوا على جانب من المعاصي التي تكون بمبادرة الشيطان.

عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "إذا دخل شهر رمضان فتحت أبواب الجنة، وغلقت أبواب جهنم، وسلسلت الشياطين".


 

قال الحافظ ابن حجر في فتح الباري قوله: وسلسلت الشياطين: يحتمل أن يكون المراد من الشياطين مسترقو السمع منهم، وأن تسلسلهم يقع في ليالي رمضان دون أيامه، لأنهم كانوا مُنعوا في زمن نزول القرآن من استراق السمع فزيدوا في التسلسل مبالغة في الحفظ، ويحتمل أن يكون المراد أن الشياطين لا يخلصون من افتتان المسلمين إلى ما يخلصون إليه في غيره لاشتغالهم بالصيام الذي فيه قمع الشهوات بقراءة القرآن والذكر.

وقال القرطبي: فإن قيل: كيف نرى الشرور والمعاصي واقعة في رمضان كثيرا، فلو صفدت الشياطين لم يقع ذلك؟ فالجواب: أنها إنما تُغَلُّ عن الصائمين، الصوم الذي حوفظ على شروطه وروعيت آدابه، أو المصفد بعض الشياطين وهم المردة لا كلهم، كما تقدم في بعض الروايات، أو المقصود تقليل الشرور فيه، وهذا أمر محسوس، فإن وقوع ذلك فيه أقل من غيره، إذ لا يلزم من تصفيد جميعهم أن لا يقع شر ولا معصية؛ لأن لذلك أسبابا غير الشياطين كالنفوس الخبيثة والعادات القبيحة والشياطين الإنسية.