رئيس مجلس الادارة

عمــر أحمــد ســامي

رئيس التحرير

طــــه فرغــــلي


السيسى وبقاء الدولة المصرية رسالة للبيروقراطية والرأسماليين

26-5-2017 | 13:16


حاول بعض المتفذلكين أن يؤكدوا أن الدولة العميقة فى مصر هى التى أطاحت بالإخوان، وأنه لم يكن هنالك خطر على وجود الدولة المصرية، فى محاولة منهم لتأكيد مقولة أوباما ومن لفّ لفه ودار دورانه بأن ما جرى فى ٣٠ يونيه كان انقلابًا على رئيس منتخب، والحقيقة أن هذا المدخل من التضليل الفكرى المنهجى لا يمكن وصفه إلا بأنه كذب صراح، ذلك أن قسمًا كبيرًا من الدولة العميقة فى مصر كانت ضد التغيير الذى أجراه الشعب المصرى فى ٣٠ يونيه، وأيده الجيش المصرى فى ٣ يوليو. ولكى نكون فى إطار المنطق والمنهج السديد نستطيع أن نتساءل عن حقيقة ما كان مرتبًا لمصر من مخططات توافقت معها جماعة الإخوان توافقًا تامًا حتى صارت والقوى الأمريكية والغربية والإسرائيلية فيها سواء.

ولقد كان الذى جرى التخطيط له يقوم على ما يلي:

أولا- إنفاذ مشروع الشرق الأوسط الكبير الذى يقوم على تفتيت الدول العربية فى بداية العقد الثانى من القرن الحادى والعشرين حتى إذا وصل المتآمرون إلى العام ٢٠١٧ – عام ذكرى وعد بلفور- اجتمعوا يشربون الأنخاب على نظام الدول العربية القطرية؛ ليبدأ رسم خريطة الولايات العثمانية القديمة التى قدمها المؤرخ العنصرى برنارد لويس وأقنع بها الإدارة الأمريكية فعينته مستشارًا لها لشئون الشرق الأوسط وباعتباره متخصصا فى تاريخ العصور الصليبية والفترة العثمانية، فقد رأى أن إعادة رسم خريطة الشرق الأوسط التى كانت قد صيغت أثناء الحرب العالمية الأولى بمقتضى اتفاق سايكس بيكو، ومن بعده وعد بلفور، والتى تتمثل فى إقامة دول عربية متعددة تثور بينها نعرات صراعية لكى يمكن إقامة إسرائيل كرأس جسر على الأرض العربية، وهو النظام الذى لم يفلح فى منع المقاومة العربية ونشوء حركة القومية العربية، والتى التقت مع زعامة جمال عبد الناصر، ونجحت فى إخراج الأوروبيين، وإن كانت لم تنجح فى صناعة الوحدة العربية. ولقد رأى لويس بعنصريته أن هذا الفشل القومى ليس كافيًا، ولكن المنطقة تستحق عقابًا من نوع آخر يقوم على تقسيم كل دولة عربية إلى عدة دول لكى نصل من الاثنتين والعشرين دولة إلى قرابة الخمسين دولة.

ثانيًا- ولقد كان من نصيب مصر فى هذا المخطط أن تتحول إلى دولة عربية فى القاهرة وما حولها، ودولة مسيحية تمتد عبر الصحراء الغربية بين المنيا وأسيوط إلى الاسكندرية، ودولة نوبية فى الجنوب تقطع الطريق على اتصال عرب مصر بعرب السودان، ثم يتم إفراغ سيناء من الوجود المصرى وفقًا لبار إيلان الإسرائيلى (صاحب دراسة: البدائل الإقليمية لحل الدولتين، وهو البحث الذى يدور حول إخراج فلسطينيى الضفة إلى الأردن بحيث تكون المملكة الأردنية الهاشمية هى مملكة الفلسطينيين أيضا، ويكون قطاع غزة فى سيناء، وبذلك تخلو فلسطين التاريخية من العرب، وتصفو للإسرائيليين).

ثالثا- ولقد كان من دواعى هذا المخطط أن يتم تحريض السودان على مصر، وأن تتهم مصر بأنها المسئولة عن كل تنازلات النظام السودانى فى مشكلة الجنوب، على الرغم من أن مصر لم تقبل بحق تقرير المصير الذى وافق عليه النظام السوداني، ولم تقبل باحتلال قوات جارانج لمدينة توريت أثناء التفاوض، ووقفت مع وحدة السودان بينما كان النظام السودانى يوقع على التقسيم وذلك انطلاقا من رؤيته الذاتية بأن الإخوان المسلمين فى السودان يفضلون أن يحكموا شعبًا مسما، وأنهم يفضلون أن يخسروا البترول مقابل أن يكسبوا الإسلام، والحقيقة أنهما خسروا كليهما معا، ويكفى أن يحكم الشعب السودانى وهو يعانى من ألم فراق الأشقاء فى الجنوب، ويتخيل إمكانية عودة الوحدة يومًا ما، وهى أمور يعلم كل مواطن سودانى أنها يمكن أن تتحقق يومًا ما بسبب الصلات التاريخية والاجتماعية بين الشمال والجنوب، ولكن بشرط أن يكون النظام الأيديولوجى القائم غير موجود، وعندئذ تكون الدولة مدنية ويسهل التعايش بالتالى بين المواطنين المسلمين مع غيرهم وفق مبدأ المواطنة.

رابعًا- وبالمثل فى مصر فإن حكم الإخوان فتح الباب أمام نعرات التعصب من بعض التيارات المنغلقة على ذاتها، والتى بدأت تفكر بعيدًا عن المواطنة فى تكفير المسيحيين من جانب، وفرض الجزية من جانب، وذلك على الرغم من أنهم قدموا الشهداء فى حروب مصر مع إسرائيل، ورغم أن البابا شنودة قال إنه لن يدخل إلى القدس إلا ويده فى يد شيخ الأزهر، وبالرغم من أن المسيحيين يقدمون الخدمة العسكرية ويدافعون دون أرض الوطن وفق المبدأ المصرى بعدم لا تنازل عن ذرة رمل فى سيناء. ولقد كان من التداعيات المتوقعة أن تجرى مواجهة تقترب من حافة الحرب الأهلية، وهو ما جرى فعلا بالاعتداء على تسعين كنيسة وقتل المواطنين المسيحيين أو الشيعة فى الشارع بدم بارد كأن لم يكن هناك جوار ولا لقمة عيش وملح، ولا كان هنالك أربعة عشر قرنًا من الحياة الواحدة، وكأن المصريين ولدوا على دين محمد منذ عهد آدم، ولم يكن لهم تاريخ من قبل ذلك.

خامسًا- وكان مقتضى التقسيم وفقا للخريطة العثمانية أن تدعو أوروبا أردوغان إلى مقعد السلطة بهدوء وتأييد للحكم الإسلامى وفقًا لدعاية وافقت عليها أوروبا بسهولة وتفهم كامل وهى “العثمانية الجديدة”، فما دامت الخريطة عثمانية فلابد أن يعود السلطان العثمانى ليدير شئون المسلمين لحساب الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبى وإسرائيل، وجرت محاولات تلفيق موقف إسلامى لأردوغان عبر قصة السفينة المعروفة وذلك لتلميع وجهه وطرحه كقوة اقتصادية كبيرة كلفت دول الخليج بتمويلها ولو أنها سحبت أموالها من تركيا ما قامت لها قائمة، ولو أنها لم تساهم باستثماراتها فى دول حوض النيل من أجل إضعاف مصر توطئة لتقسيمها على أساس أن دول الخليج فتحت أراضيها للقواعد الأمريكية والأجنبية وضمنت وجودها بهذا الشكل وتشارك فى صياغة العالم “العثمانى الافتراضي”، لولا ذلك كله ما كان لأردوغان أن يصنع ما صنع. والحقيقة أن الرجل مارس الطريق وصولًا إلى العثمانية الجديدة بغباء متناه، فهو أولا أطاح بصاحب مبدأ العثمانية الجديدة البروفيسور أوغلو الذى جعله وزيرا للخارجية ثم رئيسًا للوزراء، فكيف يصنعها وقد نحى مفكرها؟ ثم إنه لما فشل المشروع الشرق أوسطى بعد ٣٠ يونيه أو ٣ يوليو لم يفهم رسالة الرفض العربى ومضى يبنى فى عثمانيته ضد سوريا من ناحية، وضد مصر من ناحية أخرى، وضد ليبيا من ناحية ثالثة. وبذلك ساعد بغبائه على انتشار المذهب الشيعى وتمدده فى الهلال الشامى العراقى الخصيب، بل وفى اليمن وذلك فى مسار مناقض لمسار العثمانية القديمة، معنى هذا أنه فشل فشلا ذريعا ليس فقط فى تنفيذ مشروعه الحديث ولكن أيضا فى فهم مشروعه الأصلي، وهو يستحق عن جدارة وصف “أغبى مسئول إسلامي” عبر التاريخ العثمانى قديمه وحديثه.

سادسًا- ولم يقف الأمر عند هذه الأوضاع الداخلية المهترئة، ولا الأوضاع الإقليمية بتوجهاتها التآمرية، إنما ما كادت الأحداث فى ٢٥ يناير تنطلق حتى انطلقت الدعاية الإثيوبية لسد النهضة، ما صار يعنى أن الحكومة الإثيوبية تقوم بالنيابة عن الغرب بتهديد حياة عشرات الملايين من الفلاحين المصريين، وتسعى لفرض العطش على الإنسان والحيوان والنبات وتفكر فى مصر كصحراء ممتدة تخلو من نهر النيل. تصاب أرضها بالجفاف وتتشقق كما كان يحدث فى فترة التحاريق قبل الفيضان، وتحيل السد العالى إلى بناء رمزى يذكر بالحياة التى كانت والمياه التى تبخرت والزعيم الذى بنى وتعاقب مصر على أنها تحصل على خمسة بالمائة من ناتج مياه نهر النيل، وتعيش بها أفضل مما يعيش الذين يملكون أكثر من ٩٥٪.

ولا يستطيع أحد أن يزعم أن كل ما سبق لم يكن يشكل تهديدًا لوجود وبقاء واستمرارية الدولة المصرية، بل إن هذه المخاطر هى التى تبين المعدن الحقيقى للجيش المصرى ولأجهزة المخابرات المصرية، والتى استطاعت أن تلقن أجهزة المخابرات الغربية درسًا لا ينسى قال عنه الرئيس الروسى بوتين: «إن أجهزة مخابرات الدنيا سوف تظل تدرس طويلًا ما قامت به المخابرات المصرية فى الالتفاف على المؤامرة الكبرى».

لم يكن عبد الفتاح السيسى إذن رجلا يقاوم تنظيم الجماعة الإرهابية فقط، إنما كان يمخر بسفينة الوطن عباب بحر متلاطم تكاثرت فيه وحوش شتى وتلاطمت فيه أمواج عاتية، وغام فيه الطريق إلى الحد الذى بات المصريون الذين كانوا يشكون بالأمس القريب من نظام مبارك وحبيب العادلى وتسلط رأس المال على السلطة يحلمون بعودة هذا النظام. بل وتمنى بعضهم أنه لم يطلب العيش، وكان يفضل الجوع مقابل الأمن.

كانت هذه هى الصورة الحقيقية للموقف عندما استلم الرئيس عبد الفتاح السيسى منصبه كرئيس للجمهورية بعد فترة قصيرة فى عمر الزمن طويلة فى معاناتها الإنسانية والتى شملت جميع المواطنين من خط ٢٢ جنوبا إلى البحر المتوسط شمالا، ومن حدود مصر مع فلسطين المحتلة شرقا إلى حدود ليبيا غربًا (الناتو وأذنابه من جماعة الإخوان المسلمين وجماعة فجر ليبيا بضم الفاء أو جماعة غدر ليبيا كما يقول الليبيون) ولأول مرة فى تاريخنا انفتحت على مصر هجمات على الحدود جميعها، فسفن الناتو فى المتوسط، وإسرائيل وغيرها يتقدمون فى المياه الاقتصادية للوطن، والإرهابيون يعكفون فى جبل حلال على إنشاء دولة إسلامية على النمط الداعشي، ومن السودان تخرج قوافل تهريب جميع الممنوعات من سلاح لبانجو ومخدرات وإرهابيين وسط حملات إعلامية بأن مصر تحتل إقليم حلايب، كأن البشير لم ير هذه المسألة ولم يسمع عنها إلا فى هذه الأيام.

ولعل هذه أيضا هى المرة الأولى التى يقف فيها مسئول سودانى كبير يهدد مصر بالفناء بعد أن كان السودان يذكرنا بالأخوة وبوحدة الناس- البشر وبوحدة المعابد والرسوم على الحجر، وبوحدة المشاعر والاتصالات والنسب وبعد أن كان السودان الجبهة الآمنة فى حياتنا لا نتوقع منها شرًا بل ننظر فقط إلى الخطر الذى كان يأتى من الشرق من هكسوس وصليبيين وتتار، أو يأتى من الشمال من مستعمرين فرنسيين وبريطانيين. وهؤلاء فى دخولهم إلى بلادنا قتلوا أعدادًا من مواطنينا لكنهم لم يفكروا فى فناء شعبنا.

كان على عبد الفتاح السيسى كقائد سياسى وعسكرى محترف وضابط مخابرات سابق أن يواجه ذلك كله، وهو فى الحقيقة عبء يفوق فى تصورى عبء نكسة ٥ يونيه ١٩٦٧، ففى هذه النكسة كان هناك إجماع خلف الرئيس عبد الناصر، وكان هناك إصرار على أن لا صوت يعلو فوق صوت المعركة، وكان المصريون شعبًا واحدا، ولم تكن الدول العربية المجاورة تشكل خطرا على مصر بل إنها تضافرت معها لإزالة آثار العدوان.

ولأن من صفات شخصية مثل عبد الفتاح السيسى أن يقوم بإجراءات لم يفكر أحد فى القدرة عليها وأن يبلور اتجاهات لا يظن أحد أنه سيفعلها فإنه من فور توليه المسئولية سواء فى المخابرات الحربية أو فى وزارة الدفاع أو فى رئاسة الجمهورية اتخذ من الإجراءات ما حول به دفة كل ما يجري، ومن ذلك:

أولا- أنه قرر أن يتحمل الشعب المصرى مسئولية إعادة بناء الدولة، وأن يدفع ثمنًا فادحًا فى سبيل بقائها، واثقًا من أن شعبًا أصيلًا يأبى أن تزول دولته التى أعيت التاريخ وجوده، وعلى ذلك فإنه على عكس الرئيس أنور السادات اتخذ قرارات اقتصادية قاسية تتعلق بالدعم والمرتبات وأسعار الطاقة ولم يتراجع عنها مثلما فعل السادات، وكانت المفاجأة أن رسالته وصلت إلى فقراء المصريين الذين قرروا – كما قال عبد الناصر قديما- أن يأكلوا وجبتين بدلا من ثلاث وأن يتحملوا الأعباء فى سبيل أن تبقى دولتهم. ولعل هذا يؤشر على صلة ما وقناعة مستقرة بين الشعب والقائد. وكنا فى خلال ثورة ١٩١٩ نفخر بمظاهرات النساء، لكن ملايين النساء خرجن تأييدًا للرئيس وتأدية لواجب الانتخاب وصبرن على الأزمة الاقتصادية، ودبرن أمور منازلهن وإطعام أبنائهن دون شكاية.

ثانيًا- أن الرئيس فاجأ العالم وهو محاصر من الولايات المتحدة ودولها التابعة فى الناتو بالرجل يقوم باختراقات كبرى، فهو يتوجه إلى روسيا ويحصل منها على أحدث الأسلحة، وهو يحصل من ألمانيا على أسلحة كالغواصات كانت تماطل فى تسليمها لصديقها مبارك، وهو يحصل من فرنسا على الرافال وعلى حاملات الطائرات الهليوكوتر، وهو يدعو رئيس فرنسا ورؤساء العالم إلى افتتاح قناة السويس الجديدة، والتى كان يدرك بها أن تنشأ قناة أخرى أو وسيلة أخرى أو طريق جديد يسلب قناتنا أهميتها الاستراتيجية. بل إنه يكلف ألمانيا وكبرى شركات الطاقة فيها (سيمنس) تعانى من أزمة اقتصادية كبرى ببناء عدد كبير من المحطات الكهربائية لحل أزمة الطاقة فيتعدل موقف ألمانيا على طول الخط.

ثالثًا- وعلى صعيد مواجهة العنف والإرهاب الإخوانى قدم القائد الأعلى للقوات المسلحة دروسًا فى إدارة المواجهة مع التنظيمات الإرهابية، التى يمتاز أداؤها فى المواجهة بالخفاء وبالتمويه وبالضربات الموجعة لأنها عدو غير ظاهر، ولم يكتف الرجل بتطهير سيناء ومواجهة الخسة والندالة فى ضرب الكنائس وفى قتل المواطنين والمسئولين على السواء بدم بارد، بل إنه لاحقهم بمخطط كبير طرحه على العالم لمجابهة الإرهاب الذى صنعه الغرب على أرض المسلمين، واتخذ فى هذا عدة إجراءات تتجاوز المجابهة العسكرية بالبحث عن التمويل الخارجى القادم تحديدًا من قطر وتركيا وإيران، وثلاثتهم من شركاء صناعة الشرق أوسطية وعملاء الناتو. وكانت هذه المجابهة تصب فى صالح استقطاب دول الخليج ودعمها لمصر؛ لأنها أدركت أن لعبة الشرق أوسطية إذا أطاحت بمصر فلن يبقى كبير ولا صغير من بعدها. ومن المدهش أن هذه الإجراءات فى مقاومة الإرهاب وجدت استحسانًا عند مرشح رئاسة الجمهورية فى الولايات المتحدة الأمريكية، والذى كان يعلم أن منافسته الشمطاء هيلارى كلينتون كانت مؤسسة تنظيم داعش ولأنه كى يفوز عليها –لاسيما بعد أن بدا أضعف منها كثيرًا- عليه أن يكشفها للرأى العام الأمريكى باعتبارها المسئولة عن خيبة الولايات المتحدة فى مشروع الشرق أوسطية، وعلى ذلك وجد ترامب فى السيسى الرجل الذى يمد له يده وهو يسبح فى المجابهة الانتخابية، ولقد أعطى السيسى لترامب فرصة كبيرة لم يتردد هو –حتى هذه الساعة- فى أن يطرحها على الرأى العام الأمريكى باعتبارها الضربة القاضية على منافسته، فوصل إلى المنصب الأكبر وعبّر صراحة عن إعجابه بشخص الرئيس عبد الفتاح السيسي، وبذلك انسحب موقف العداء الذى مارسه أوباما وبدأت رسائل التواصل الأمريكى المصرى تتصاعد فتمت زيارة الرئيس للولايات المتحدة ويتوقع الرئيس زيارة الرئيس الأمريكي.

وبذلك انحسر العداء الدولى الذى كان موجها- ليس فقط للرئيس ولكن أيضا لمفهوم ٣٠ يونيه و٣ يوليو، وبدأ العالم يدرك أنهما كانا ثورة جديدة مارسها المصريون بإتقان ونجحوا عبرها فى لفظ الجماعة الإرهابية ثم نجح رئيسهم فى كسب الرأى العام العالمي.

رابعًا- وفور تولى الرئيس المسئولية كانت أفريقيا حاضرة فى ذهنه فشارك فى القمم الأفريقية، ودعا لمؤتمرات اقتصادية كان أشهرها ذلك الذى جمع دول كوميسا وسادك واتحاد شرق أفريقيا، فضلا عن الدعوة إلى اجتماع مسئولى الدفاع والأمن فى تجمع الساحل والصحراء والذى تمتد دوله من الشرق الأوسط وشمال أفريقيا إلى دول جنوب الصحراء وذلك بغرض تطويق الإرهابيين وتبادل المعلومات بشأن انتقالاتهم وتسليحهم وتمويلهم، فوجدنا كل دول أفريقيا التى كانت متعثرة فى مواجهة تنظيمات مثل شباب الصومال، وبوكو حرام وفجر ليبيا تتبدل من حالة الدفاع إلى حالة الهجوم، والأهم من هذا أن صار كل من يقدم الدعم ويتدخل فى شئون ليبيا ويطيل أزمتها مكشوفًا أمام العالم سواء أكان ذلك من الجنوب أم كان من الشمال، ثم ابتدع الرئيس وطاقم وزارة الخارجية فكرة دول جوار ليبيا ليمضى مسار طويل من حصار الإرهابيين من ناحية وعقابهم من ناحية ثم جمع الفصائل الليبية المتناحرة عبر لقاءات شتى بالقاهرة إلى أن جرى اللقاء التاريخى الذى جمع بين القائد حفتر وفايز السراج فى إحدى الدول العربية التى كانت تدعم الانقلابيين على المرحوم العقيد القذافى؛ حيث اضطر الرجلان إلى العمل معًا ضد الإرهاب، وكانت تلك بداية لنقطة تأمين الحدود الغربية كما كان اقتحام جبل الحلال البداية لنقطة تأمين الحدود الشرقية، الأمر الذى أصاب إسرائيل بصدمة كبرى وفجيعة دفعتها إلى سحب سفيرها، وذلك دون أن يوجه إليها لفظ واحد، فلقد كان الفعل أكبر من أى قول، ولقد بترت يدها كما بترت أنفاقها.

خامسا- وعلى الحدود الجنوبية قام الرئيس بإجراءات شتى لإعادة السودان إلى اتفاق ١٩٥٩ الذى يحاول الرئيس البشير التملص منه بشكل أو بآخر، وبصفة خاصة بعد أن انخرط مع إثيوبيا فى مسألة سد النهضة وتهديد وجود الشعب المصرى وليس فقط الدولة المصرية، وكانت الوسيلة بعد نحو أربعين يومًا من تولى الرئيس للمسئولية هى عقد الاتفاق الإطارى حول سد النهضة، وتنظيم لقاءات ثلاثية لبحث المسألة فى إطار مبادئ القانون الدولى وبناء الثقة والرغبة فى التعاون، لكن المذهل أن الطرفين السودانى والإثيوبى لم يخفيا حقدهما على النجاح المصرى فى تقليص الجبهات المعادية وسد الثغرات المفتوحة على الجبهة المصرية، بل وأذهلهما أن تقوم مصر باتخاذ مواقف جديدة فى المسألتين السورية واليمنية تقوم على المحافظة على الدولة العربية فيهما، ومنع سقوطها، وضمان مبدأ أن السلاح لا يكون فى اية دولة إلا فى يد قواتها المسلحة، وبالتالى تحمل الرئيس غضبة السعودية وموقفها من تمويل مشروعاتها، كما تحمل الأعباء الاقتصادية الناجمة عن الضغط السعودية وفرحت بعض الدوائر السوادنية والإثيوبية إلى حين، إلى أن أمكن للملك والرئيس فتلاشت الابتسامة وحل محلها هجوم منظم من وسائل الإعلام الإثيوبية والسودانية على مصر، وهو هجوم استهدف بالأساس العلاقات الشعبية وهى أساس الرابطة بين المصريين ودول حوض النيل بغرض أن يحدث كسر لا جبر له وانفصال لا وصال له.

وبذلك فإن المسئولية الكبرى الآن هى وادى النيل، وحوض النيل والعمل على بناء مشروع تكاملي، لكن العائق الأكبر هو التوجهات الأيديولوجية الإخوانية لبعض الأنظمة العربية التى لا تزال غاضبة من تنحية الجماعة الإرهابية إلى جانب الرغبة الجارفة من حكومة الأقلية فى إثيوبيا والتى تريد أن تطيل أمد بقائها على قلب الشعب الإثيوبى وضد إرادتها بادعاء أنها تقوم بمشروع قومى كبير وتحاول أن تجمع عليه الناس لكى ينظر إلى القائمين عليه باعتبارهم أبطالا يواجهون الهيمنة المصرية على مياه النيل، وتلك أكذوبة يعلمها كل باحث فى مسائل مياه النيل أو حتى أى مثقف يستطيع أن يطلع على جدول الموارد المائية للدول والتى تشمل ستة آلاف وسبعمائة مليار متر مكعب من المياه على الحوض، منها ألف وسبعمائة مليار متر مكعب تجرى فى الروافد المعروفة أو تسقط أمطارًا فيما بينها، لا تنال مصر منها إلا ٥٥.٥ مليار متر مكعب فقط. وتطرح إثيوبيا نفسها قوة إقليمية تجذب إليها الدول الكبرى وبعض الدول العربية المعادية لمصر وعلى رأسها قطر، فضلا عن المنافسين الإقليميين فى طهران وأنقرة إضافة إلى الاتجاه الشرقى المعروف بأنه يشد أطراف مصر من الاتجاه الجنوبي، وتكفى مراجعة زيارة نيتانياهو لحوض النيل وإجراءاته فى المنطقة؛ لتبرهن على أن مصر هى الهدف فى النهاية.

ولأن كثيرًا من زعماء الدول التى تستهدف الكنانة يخافون ولا يختشون فقد صار بناء قوة عسكرية فائقة قادرة على الوصول فضلا عن الوجود الفعلى فى الأقاليم الأفريقية كلها وعبر المنظمات الرسمية والجماعات الاقتصادية سياسة دائمة للدولة المصرية.

سادسًا- ويعد احتفال مصر بمرور مائة وخمسين عامًا على نشأة أول برلمان ومجلس نيابى مصرى ودعوة البرلمان الأفريقى لحضور الاحتفال وعقد اجتماعاته أو جلساته فى شرم الشيخ بمصر نقطة مضيئة فى استرجاع العواطف المصرية الأفريقية ومشاعر قوة ووحدة المصلحة والمصير التى ضيعها مبارك ورجاله، ويكفى لأى منصف أن يراجع مشاعر البرلمانيين الأفارقة والعرب وهم يحتفلون مع مصر بهذه المناسبة التاريخية. لم تثبت مصر فى هذا الاحتفال فقط تاريخها الديمقراطى القديم، بل أثبتت أيضا أنها قوة أفريقية فاعلة لا يستطيع أحد أن يملأ مكانها مهما شغب الصغار عليه وتطاولوا على قدرها، كما أثبتت مصر أنها أعادت الحياة للرابطة العربية الأفريقية التى كانت قد تعرضت إلى صدمة فى القمة العربية الأفريقية بمالابو؛ فإذا بمصر تعالج الصدمة وتربط الوشائج وتقرب العرب والأفارقة وتعيد لأكثر من ٦٤ دولة صلاتها الحميمة للمرة الأولى منذ عبد الناصر.

وعلى الصعيد الداخلى فمن خزانة لا يزيد مجموع ما فيها على ستة مليارات من الدولارات راحت مصر تقترب من احتياطى يتقدم بسرعة كبيرة إلى رقم الثلاثين مليارًا لم تكن إلا هبة الصبر الشعبى والقبول بالتضحية من أجل بقاء الوطن، ورضا بما يصنع الرئيس، والثقة فى قراراته.

واسألونى من فضلكم من تقاعس من المصريين عن المسيرة؟ وأقول لكم صادقًا وواثقًا إنهم ثلاثة فرق:

فريق الإخوان ومن نهج نهجهم، ومشى سعيدًا بمؤامراتهم وفرح من قلبه للدماء التى تسيل على وجه الوطن وذلك من الزلاميين والأيديولوجيين المنغلقين الذين فقدوا معنى الدين وظلوا عن طريق القرآن والسنة وأهانوا الإسلام العظيم عندما جنحوا إلى القتل والإنسان بناء الله ملعون من هدمه كما قال الرسول رحمة الله للعالمين (صلى الله عليه وسلم).

والفريق الثانى هم رجال الأعمال ممن استولوا على الأرض دون ثمن أو أخذوا الفدان بخمسين قرشًا فى أيام فساد مبارك وعز والعادلى ونظرائهم ممن استحلوا الحرام وولغوا فى رزق المواطنين. وبينما يتبرع فقراء المصريين بالنذر اليسير الذى يملكون به للصناديق التى دعا إليها الرئيس إذا بأصحاب المليارات ممن كانوا يقرعون الطبول منذ زمن يسير أو ممن كانوا موظفين بسطاء، وصاروا من أصحاب المليارات إذا بهم يبخلون ولو بالقليل، وإذا بهم يعوقون ليس فقط إنجاز العدالة الاجتماعية للمواطنين البائسين، ولكنهم باتوا يتاجرون فى أقواتهم، ويحرمونهم خبز يومهم ويستكثرون عليهم أن ينالوا وأبناءهم دجاجة كل حين، فصاروا يرفعون الأسعار ويتقاضون من الدولة أموالًا لقاء قمح لم يقدموه فيما عرف بقضية الصوامع، ثم إنهم من بعد ذلك يقف أحدهم ووجه أحمر كالديك الشركسى، يزعم أنه يدعم الاستثمار ويدعو إليه، وأن قوانين الحكومة تعطل إجراءات سيادته للاستثمار، وأنه مضطر للاستتثمار فى الخارج، وهو يعلم أنه لو خرج إلى أية دولة وفعل واحدا على الألف مما يفعل بمواطنيه لكان مصيره السجن، ولحرم من حريته ناهيك عن أمواله الحرام.

والفريق الثالث هو البيروقراطية العتيقة الفاسدة التى نسقت مع رجال الأعمال، ورضيت أن تعيش فى ظلهم وخانت الدولة التى تنتسب إليها والشعب الذى ائتمنهم على مسئولية المنصب السياسى أو الاقتصادى، وتربحوا من رجال الأعمال ومشوا خلفهم كما يمشى كلب خلف سيده لأنه يلقى إليه ببقايا العظام التى يتناولها مما يذبح من حيوانات.

ولن تعيش مصر حياتين: حياة التخمة للبيروقراطية الفاسدة ورجال الأعمال، وحياة الفاقة للمواطنين الأحرار الكرام.

ويا أيها الفاسدون فى مصر لقد أفسدتم البلد حتى اضطر الشعب إلى الخروج طلبًا «لرغيف الخبز وللعدالة الاجتماعية»، ولقد كنتم ساعتها تخشون على حياتكم وتطالبون بعودة الدولة فلم تطعنونها فى ظهرها بعد أن عادت وهى واحدة من اثنتين: إما أن ينفذ عليكم القانون كغيركم من المواطنين، وإما أن غول الفقر سيطحنكم ويقضى عليكم وإن كنتم لا تصدقون فاقرأوا معى ماذا كتب شيخنا الغزالى رحمه الله فى معنى قوله تعالى «ولا تلقوا بأيديكم إلى التهلكة وأحسنوا» حيث قال إنه ليس المقصود هو الانتحار إنما أن تملك المال ولا تؤدى واجبه تجاه الفقراء فيقوم عليكم الفقراء فيقتلونكم، فإلقاء النفس إلى التهلكة هو لأن صاحب المال لم يؤد زكاة المال فإذا كنت لصًا تملك مالًا حرامًا، فطهره أيها الغبى وتنازل عن بعضه عسى أن يتوب الله عليك وعسى أن يسامحك شعب عظيم.

فخامة الرئيس عبد الفتاح السيسي، يا أيها القائد العظيم والاستراتيجى الكبير، إن ٢٥ يناير لها وجهان: ثورة حقيقية ضد الفساد، ومؤامرة خارجية اشترك فيها الإخوان وبعض أرباب الناتو ممن تربوا فى حجر دوله. ولايزال شعبك فخامة الرئيس يعانى فلا أقل من أن تتكرم بإنفاذ القانون فى حق من نهبوا الأرض وسلبوا الموارد والثروات وأخذوا من شعبهم وموارد وطنهم ولم يقدموا شيئًا.

إننى لم أعد أخشى على الدولة المصرية من الفناء؛ لأن ما قمت به على رأس الجيش بتأييد الشعب جعلنا نعبر هذا النفق المظلم، ولكن الذى أخشى منه هو الصراع الاجتماعى بين الذين لا يملكون وبين الأغبياء الذين يملكون كل شيء ويكرهون أن يقدموا أى شيء.

الحساب الحساب يا فخامة الرئيس، ومزيد من التوفيق وثقة كاملة بك فى الغد، مثلما وثقنا بك بالأمس.