أقوم من وقت للآخر بممارسة عادة التأمل التي تغنيني عن صحبة البعض أو وقت الفراغ اللعين، فينهال عليّ سيل من الأفكار التي أقوم لا إراديا بتنقيحها وإيجاد الصلات بينها والعكس، كما يحدث أن أقوم بربطها بالماضي أو ظروف الحاضر الواقع والمستقبل المتوقع، وعلى ما يبدو أنني من فرط ممارستي لتلك العادة التي أعتبرها ترتقي لمنزلة العبادة كونها تعمل على تأصيل وإعمال خاصية العقل التي اختصنا بها المولى عز وجل عن سائر المخلوقات، فقد شاءت الأقدار وأن تلتقي تأملاتي واقع الحاضر.
فقد كنت من فترة ليست بالبعيدة أتساءل بيني وبين نفسي ألم يأن الأوان لاستئناف خاصية الأمل التي خاطبنا بها السيد الرئيس من خلال تبنيه لمبادرة "إطلاق توصيف لكل سنة قادمة"، وتكريس هذا العام من خلال الأنشطة المختلفة لأجهزة الدولة في القيام بما يخدم هذا التوصيف أو المسمى، كعام الشباب في 2016 وعام المرأة في 2017 وعام ذوي الاحتياجات في 2018 وعام التعليم في 2019، تمنيت في نفسي استكمال دواعي الأمل وإحياء بواعث الطاقة الإيجابية بإطلاق توصيفات قيمية جديدة كعام الوعي، وعام العمل، وعام كبار السن، وعام الأطفال، وعام المواهب والقدرات، وعام نبذ التنمر، وعام إحياء التراث، وعام الآثار المصرية، وعام اللغة العربية، وعام المرور، وعام الأخلاق والقيم، وعام النيل، وعام البحرين، وعام الهوية المصرية، كلها آمال وأحلام أرى أنها في مجملها مشروعة ومبررة وتحمل رغبة قوية في استرجاع كل ما فقدناه على مدار أعوام طويلة.
وفي خضم تلك الأحلام استيقظت في يوم من الأيام الماضية على خبر إعلان السيد الرئيس عام 2022 عاماً للمجتمع المدني خلال كلمته بمناسبة إطلاق الاستراتيجية الوطنية لحقوق الإنسان، التي أكد فيها على أن تلك الاستراتيجية الوطنية الأولى نابعة من فلسفة مصرية ذاتية تؤمن بأهمية تحقيق التكامل في عملية الارتقاء بالمجتمع، والتي لا يمكن أن تكتمل دون استراتيجية وطنية واضحة لحقوق الإنسان تُعني بالتحديات والتعامل معها مثلما تراعي مبادئ وقيم المجتمع المصري، كما دعا الكيانات السياسية ومنظمات المجتمع المدني للاهتمام بإثراء التجربة السياسية المصرية، وبناء الكوادر المدربة من خلال توسيع دائرة المشاركة والتعبير عن الرأي في مناخ من التفاعل الخلّاق والحوار الموضوعي، كما أكد السيد الرئيس على أهمية تعزيز التعاون بين مؤسسات المجتمع المدني ومؤسسات الدولة لتحقيق التقدم ونشر الوعي في جميع المجالات.
ومن جانبها، ترى منظمات المجتمع المدني أن اتجاه الدولة المصرية باعتبار عام 2022 عاماً للمجتمع المدني هو بمثابة نقلة حضارية فى التعامل مع المجتمع المدني، كما أنه دلالة قاطعة على رغبة الإرادة السياسية لدى الدولة باعتبار المجتمع المدني شريكاً للدولة المصرية في تنفيذ القانون المصرى، هذا بالنظر إلى أن المجتمع المدني قد نجح فى السنوات الأخيرة بشكل كبير في شراكته مع الدولة في كافة المبادرات التى قامت بها منها مبادرة مكافحة فيروس سي، ومبادرة تكافل وكرامة، ومبادرة حياة كريمة، كما أن كل تلك المبادرات اختصرت المسافة بين كل مؤسسات الدولة وبين منظمات المجتمع الدولي، باعتبار أن المشاركة في المبادرات الرئاسية أثبتت أن المجتمع المدني قادر على التعاون والمشاركة في الحياة المجتمعية.
وفي ذات السياق كانت وزارة التضامن الاجتماعي قد أعلنت في وقت سابق الأسبوع الماضي عن إطلاقها أولى مراحل المنظومة الإلكترونية المتكاملة للعمل الأهلي في مصر، والمتعلقة بتوفيق أوضاع المؤسسات والمنظمات الأهلية، والتي تسمح من خلاله بتقديم طلبات توفيق الأوضاع، حيث يعطي قانون تنظيم العمل الأهلي امتيازات وحريات كبيرة للجمعيات الأهلية.
حيث شاهدت بنفسي المؤتمر الصحفي الذي عقدته وزارة التضامن وأعلن فيه المهندس عمرو لاشين مستشار وزيرة التضامن أن أبرز ملامح ذلك القانون تتمثل في تحرير العمل الأهلي من خلال الإشهار الإلكتروني (وأن هذا لم يحدث في أي دولة من دول العالم)، ويؤكد على أن هذه المنظومة توفر حصر لكل جهود العمل الأهلي والمجتمع المدني، كذلك التحول الرقمي والميكنة لتقديم خدمات للعمل الأهلي فى مصر، كما يوجد وحدة مسؤولة عن المنظومة الإلكترونية من خلال قاعدة بيانات أهلية ومتابعة دور الوزارة في دعم العمل الأهلى في مصر، كما أوضح أن أهداف المنظومة تتمثل في التحول الرقمى والميكنة والحوكمة الالكترونية، وإنشاء قاعدة بيانات متكاملة للجمعيات الأهلية وأنشطتها والمستفيدين منها.
ألا تثير كل تلك الخطوات الجادة تجاه تمكين المجتمع المدني، وتحقيق كل عوامل العدل والمساواة بين أطراف المجتمع تدريجياً مشاعر الفخر والامتنان للدولة المصرية، ألا يشيع ذلك الأمل في نفوس الأجيال التي لم ترى إلا كل طاقات الإحباط والحسرة والتواكل، ألا يعتبر ذلك خطوة جادة من خطوات إعادة الثقة بين الدولة ومواطنيها مما يحفزهم على التجاوب والتفاعل المطلوبين على وجه السرعة، الأمر الذي يعود بالنفع على كل الأطراف.
أسجل فرحتي بإعلان العام القادم عاماً للمجتمع المدني في الدولة المصرية وشغفي لما هو متوقع في ضوء ما حققته الدولة من إنجازات في كل المجالات بخطى ثابتة وممتدة الأثر.