رئيس مجلس الادارة

عمــر أحمــد ســامي

رئيس التحرير

طــــه فرغــــلي


قيدت ضد مجهول.. تفاصيل وفاة سيدة إفريقيا النووية «سميرة موسى»

19-9-2021 | 21:54


سميرة موسى

محمد زيدان

 "قيدت ضد مجهول".. عبارة بسيطة لكنها تضع نهاية قصة حزينة وتسدل الستار على جريمة كاملة، ويظن الجاني أنه قد أفلت من العقاب في محكمة الدنيا، لكنه لا يعلم أن هناك محكمة أعدل وأهم في السماء تعلم موعد انعقادها وأعدت له ما يناسبه من حكم لكنه قيد التنفيذ، وفي عالم الجرائم تقول القاعدة إنه لا وجود لجريمة مكتملة الأركان 100%، لكن لكل قاعدة استثناء، لذا هناك جرائم تم إغلاق ملفاتها بكتابة عبارة "تقيد القضية ضد مجهول".

وفي هذا التقرير تقدم لكم بوابة "دار الهلال" أشهر الجرائم التي ارتكبت دون التوصل للفاعل الحقيقي؛ أبرزها يتعلق بفنانين، أدباء، شخصيات عامة، علماء، سياسين، عسكريين.

 «أمنيتي أن يكون علاج السرطان بالذرة مثل الأسبرين».. كانت تلك الجملة أمنية العالمة المصرية سميرة موسى، لكن لم يحالفها الحظ لتحقق ما تتمني، فقد تعرضت لحادث مأساوي إثر سقوط سيارتها من مرتفع جبلي، ليقضي على آمالها وآمال بلادها، ولم يُعرف الجاني حتى تلك اللحظة.

سميرة موسى ولدت في قرية سنبو الكبرى مركز زفتى بمحافظة الغربية، وهي أول عالمة ذرة مصرية، وأول معيدة في كلية العلوم بجامعة فؤاد الأول (جامعة القاهرة حاليًا).

حصلت سميرة على الجوائز الأولى في جميع مراحل تعليمها، حيث كانت الأولى على الشهادة التوجيهية عام 1935، ولم يكن فوز الفتيات بهذا المركز مألوفا في ذلك الوقت، إذ لم يكن يسمح لهن بدخول امتحانات التوجيهية إلا من المنازل، حتى تغير هذا القرار عام 1925 بإنشاء مدرسة الأميرة فايزة، وهي أول مدرسة ثانوية للبنات في مصر.

كان لتفوّقها المستمر أثر كبير على مدرستها، حيث كانت الحكومة تقدم معونة مالية للمدرسة التي يخرج منها الأول، ما دفع ناظرة المدرسة نبوية موسى إلى شراء معمل خاص حينما سمعت يوما أن سميرة تنوي الانتقال إلى مدرسة حكومية يتوفر فيها معمل.

وقامت سميرة، بإعادة صياغة كتاب الجبر الحكومي في السنة الأولى الثانوية، وطبعته على نفقة أبيها الخاصة، ووزّعته بالمجان على زميلاتها عام 1933.

كانت تأمل أن يكون لمصر وللوطن العربي مكانا وسط هذا التقدم العلمي الكبير، حيث كانت تؤمن بأن زيادة ملكية السلاح النووي تسهم في تحقيق السلام، لأن أي دولة تتبني فكرة السلام لا بد وأن تتحدث من موقف قوة، فعاصرت ويلات الحرب وتجارب القنبلة الذرية التي دمّرت هيروشيما وناجازاكي في عام 1945، ولفت انتباهها الاهتمام المبكر من إسرائيل بامتلاك أسلحة الدمار الشامل وسعيها للانفراد بالتسلّح النووي في المنطقة.

قامت بتأسيس هيئة الطاقة الذرية بعد ثلاثة أشهر فقط من إعلان الدولة الإسرائيلية عام 1948.

كما حرصت على إيفاد البعثات للتخصص في علوم الذرة، فكانت دعواتها المتكررة إلى أهمية التسلح النووي، ومجاراة هذا المد العلمي المتنامي.

كما نظمت مؤتمر الذرة من أجل السلام الذي استضافته كلية العلوم، وشارك فيه عدد كبير من علماء العالم.

واستجابت الدكتورة سميرة إلى دعوة للسفر إلى الولايات المتحدة في عام 1952، حيث أُتيحت لها الفرصة لإجراء أبحاث في معامل جامعة سانت لويس بولاية ميسوري الأمريكية، وتلقّت عروضا للبقاء هناك لكنها رفضت. وقبل عودتها بأيام استجابت لدعوة لزيارة معامل نووية في ضواحي كاليفورنيا في 5 أغسطس، وفي طريق كاليفورنيا الوعر المرتفع ظهرت سيارة نقل فجأة، لتصطدم بسيارتها بقوة، وتلقي بها في وادٍ عميق. وقد تمكّن سائق السيارة- زميلها الهندي الذي كان يحضر الدكتوراه- من النجاة، حيث قفز من السيارة، واختفى إلى الأبد.

وأوضحت التحرّيات أن السائق كان يحمل اسما مستعارا، وأن إدارة المفاعل لم تبعث بأحد لاصطحابها. وقد كانت سميرة موسى تقول لوالدها في رسائلها:

«لو كان في مصر معمل مثل المعامل الموجودة هنا كنت أستطيع أن أصنع أشياء كثير».

وعلّق محمد الزيات مستشار مصر الثقافي في واشنطن وقتها أن كلمة "أشياء كثيرة" كانت تعني بها أن في قدرتها اختراع جهاز لتفتيت المعادن الرخيصة إلى ذرات عن طريق التوصيل الحراري للغازات، ومن ثم تصنيع قنبلة ذرية رخيصة التكلفة في آخر رسالة لها كانت تقول:

«لقد استطعت أن أزور المعامل الذرية في أمريكا، وعندما أعود إلى مصر سأقدِّم لبلادي خدمات جليلة في هذا الميدان، وسأستطيع أن أخدم قضية السلام»، حيث كانت تنوي إنشاء معمل خاص لها في منطقة الهرم بمحافظة الجيزة.

ولاتزال الصحف تتناول قصة سميرة موسى وملفها الذي لم يُغلق، إلا أن تفاصيل القضية لم يكشف عنها حتى وقتنا هذا لتقيد "ضد مجهول".