«شقة 6».. عندما يتيه الابن عن أبيه
د. هبة سعد الدين,
جاءت أزمة نهاية حلقات مسلسل "شقة 6" تأليف: سعاد القاضي ، محمود وحيد، رفيق القاضي، نبيل شعيب وإخراج: محمود كامل، والتى أثيرت مؤخرا على مواقع التواصل الاجتماعي، ما بين الجمهور الذى صدمته نهاية وصفها بالساذجة، والمؤلفين الذين فتحوا النيران على مخرج العمل الذى شوه العمل فى رأيهم، وسردوا الكثير من التفاصيل التى أساءت لعملهم، من إضافة شخصيات وإفراد مساحات لشخصيات دخلية وتغيير النهاية الذى كان القشة التى أمسك بها المؤلفون والجمهور، لتطرح الأزمة من جديد؛ مناقشة العلاقة مابين المخرج والمؤلف على الرغم من وضوح دور كل منهما.
لم تكن الأزمة هى الأولى من نوعها ولن تكون الأخيرة، فالأزمات بين الكاتب والمخرج ظهرت منذ بداية اعتماد السينما على الروايات والقصص القصيرة؛ حتى أن أديبنا الكبير نجيب محفوظ كان يرى أن رواياته ليس لها علاقة بنصوصه الأدبية فى الكثير من الأحيان ولم يكن يغضب من ذلك، فقد كان يدرك المسافة بين الفيلم السينمائي والنص الروائى؛ خاصة أنه كتب الكثير من السيناريوهات والحوارات لأفلام بعضها عن نصوص أدبية لغيره من الروائيين.
واعتمد الفيلم السينمائى على مفهوم "التخصص" فى ذلك الزمن؛ لدرجة قيام قامات إبداعية بالاشتراك فى عمل واحد فى إطار أن هناك "قصة" و"سيناريو" و"حوار" ولكل من تلك الجوانب مساحتها التى تساهم بها كجزء من العمل.
لذلك لم تكن هناك "خلافات" فى ذلك الزمن؛ بل ظهر حديثاً مصطلح "رؤية"؛ عادة تنتمى لمخرج الفيلم، وكأنها مساحة من الابداع يخصصها لنفسه من خلال أدواته كقائد للعمل، وذلك أيضاً لم يثر المشاكل التى تظهر عادةً مع إفراط المخرج فى الإضافات بما يبتعد به عن أصل النص.
على الجانب الآخر، لم تظهر تلك المشكلة مع المسلسلات التليفزيونية قديماً، فقد كان كل من المخرج والمؤلف يلتزم بدوره ومساحة إبداعه، وكانت جلسات العمل بينهما وبروفة الترابيزة تساهم فى اقتراب الرؤية وتكاملها؛ ليظهر العمل على الشاشة ويثير إعجاب الجماهير.
اللافت للنظر ظهور تلك المشكلة بصورة كبيرة ومؤثرة فى العشر سنوات الأخيرة فى الدراما التليفزيونية بصورة محددة؛ بل ازدادت فى الخمس سنوات الأخيرة لدرجة تكرارها فى المواسم الرمضانية مما يؤجل عرض هذا المسلسل أو ذاك .
وظهرت الأزمة جلية عندما كتب الكاتب عبد الرحيم كمال بياناً على صفحته على "فيسبوك" سارداً كافة التفاصيل والاجراءات التى اتخذها بعد وجود شخصيات وأحداث غيرت من مثار الدراما التى كتبها لمسلسل "زلزال ٢٠١٩" والذى أخرجه إبراهيم فخر؛ من بطولة كانت لمحمد رمضان، ليكشف الستار بصورة واضحة عن تفاصيل الخلاف وليعلن عدم تعاونه مع المخرج مرة ثانية.
هذه الأزمة وجدت الكثير من الصدى؛ نظراً لاختلاف هذا العمل عما اعتاده الجمهور من عبد الرحيم كمال؛ وجسدت المشكلة بصورة معلنة لم يكشف عنها البعض مسبقاً بهذه التفاصيل، وظلت تتكرر مع المسلسلات خارج السباق الرمضانى، وكأننا على موعد موسمى معها، وها هو مسلسل "شقة ٦" يعيد مرةً أخرى تفاصيل الأزمة من خلال "الجمهور، الذى صدمته النهاية وسخر منها على مواقع التواصل، ومجموعة المؤلفين الذين ذكروا تفاصيل أكثر صراحةً ووضوحاً.
أزمة العلاقة بين المؤلف والمخرج التى تكررت مؤخرا؛ ربما ساهم فى وجودها حالة "فريق الكتابة" التى جعلت الرؤى تتداخل فيتيه الابن عن أبيه، ولا نعرف لمن ينتمى العمل كنص مكتوب، وقد تكون نجومية فلان أو علان الذى يفرض شروطه وعادةً ما يستجيب لها المخرج ليفعل بالنص مايريد، ولتظهر على الساحة أزمات أخرى بين النجوم والمخرجين.
الملاحظ أن تلك الأزمات لم تظهر بهذه الصورة فى الماضى، بل كانت مجرد خلاف فى الرأى فى ظل إدراك اختلاف طبيعة الأدوار، ولهذا اجتمع الكثير من الكبار فى عمل واحد، ولم يكن ذلك ليثير أى مشكلة، ولذلك شاهدنا العديد من الأعمال السينمائية والتليفزيونية التى ظلت فى ذاكرة الدراما والجمهور معاً.
والحل ليس معضلاً؛ فقد كان لترابيزة البروفات دورها فى "الاتفاق" على رؤية متكاملة يظهر بها العمل، ومن خلالها تقترب الرؤى التى يتم الالتزام بها، ويمكن تكرار ذلك الآن و"كتابة" مايتم الاتفاق عليه؛ حتى لا نرى الشكاوى فى النقابات والقضايا وتأجيل الأعمال، وتعود فى ذات الوقت علاقة الانسجام مابين الكاتب والمخرج وأيضاً الجمهور.