فايزة أحمد.. أغانى «تمر حنة» بداية مشوارها فى مصر و«ست الحبايب» شمسها التى لا تغيب
حنجرة ماسية وصوت عذب لا تشوبه شائبة يخرج كل يوم من بين جدران منزل "أحمد بيكو" السوري الذي يقطن مع زوجته اللبنانية في حي صيدا في لبنان، ربما اعتاد الجيران علي سماع صوت ابنتهما الطفلة "فايزة" صاحبة العشر سنوات، والتي تغني ليل نهار بأغاني أسمهان وليلى مراد، أدركت والدتها أن تتمتع بصوت جميل وتنبأت لها بالشهرة التي لم تكن حلم بعيد المنال عن طفلتها التي ولدت لتكون مطربة كبيرة يشار لها بالبنان، وباتت واحدة من أهم المطربات في الوطن العربي، و"كروان الشرق" التي صنعت نجوميتها بين جيل العمالقة.
ولدت فايزة أحمد في 5 ديسمبر 1934، لأب سوري من عائلة الرواس الشهيرة، وأم لبنانية تهوى الموسيقى وحب الغناء، وآمنت بصوت ابنتها "فايزة" وكانت الداعم الأول لها، دبت الخلافات بين والديها ووقع الطلاق وهي ما زالت طفلة وأصغر أشقائها الثلاثة" محمد ونظيمة ومصطفى"، وعاشت مع والدتها التي عكفت على تربيتها.
ما إن بلغت ال 14 من عمرها حتى تزوجت من عمر نعامي، سوري الجنسية يعيش في لبنان وكان يقوم بتدريب الهواة على الغناء في الإذاعة اللبنانية وأنجبت ابنتها "فريال" تقدّمت "فايزة" إلى الإذاعة اللبنانية ولم توفق، وبعد عامين من زيجتها الأولى وقع الطلاق بعد أن اكتشفت عائلة والدتها بأنه كان متزوجا من آخرى وله أبناء، بعدها سافرت إلي سوريا وكانت المحطة الأهم في مشوارها الفني.
لم يكن الطريق أمامها مفروشا بالورود في دمشق عندما وقفت أمام لجنة لاختيار المطربين ولم تنجح في اجتياز الاختبارات، وكانت وجهتها إلي إذاعة حلب والتي نجحت بها، وبعد أن ذاع صيتها، طلبتها إذاعة دمشق، التي اعتمدتها مطربة وهناك تدربت على يد الملحن محمد النعامي، وكان للملحن السوري محمد محسن الذي أعجب بصوتها الفضل في تقدّيمها للإذاعة السورية.
بداية الخمسينيات لم يكن عمرها يتجاوز الـ17 عاما عندما كانت تتنقل بين لبنان وسوريا لإحياء حفلاتها وصنعت أسمها بعد سنوات من الشقاء والتعب لم تكن تملك سوى موهبها، منتصف تلك الفترة أدركت "فايزة" أن الشهرة الكبيرة لا تأتي إلا من القاهرة، وسافرت من سوريا التي شهدت بزوغ نور شمسها لتسطع في سماء القاهرة، وبرفقة والدتها وابنتها الكبرى "فريال" عاشت في حي الموسكي.
تعرفت على عدد من الشعراء والملحنين وكانت البداية من "أنا قلبي إليك ميال " التي غنتها من خلال الإذاعة المصرية، وكتب كلماتها الشاعر مرسي جميل عزيز، وألحان محمد الموجي، وحققت شهرة كبيرة دفعت بعض منتجي السينما لإستغلال صوتها وموهبتها الغنائية في الأفلام وكان بدايتها سينمائيا في فيلم "تمر حنة" 1957 للمخرج حسين فوزي في دور "مايسة" مغنية الموالد التي تقف بجوار شقيقها "حسن" رشدي أباظة بعد أن تركته حبيبته "تمر حنة" الفتاة الغجرية التي ترقص في الموالد لتتزوج من ابن الباشا، وغنت "يا تمر حنة"، و "قلبي عليك يا خيّ" و "يامّا القمر ع الباب".
في نفس العام استعان بها عبد الحليم حافظ لتغني أغنية "أسمر يا اسمراني" ضمن فيلم "الوسادة الخالية" وسيتم الاستعانة بالأسطوانة فقط، دون أن تظهر في أحداث الفيلم ولكن بعد عرضه فوجئت أنهم استعانوا بممثلة تشبهها وتم تصويرها من بعيد حتى تبدو وكأنها فايزة أحمد وعندما أخبرت عبد الحليم حافظ بأنها غاضبة من هذا الموقف قال لها بدبلوماسية أنها أكبر من يظهرها في مشهد وحيد ذلك قاموا بالاستعانة بممثلة آخرى لتؤدي المشهد.
توالت أفلامها وقدمت "امسك حرامي" 1958، وظهرت بشخصيتها الحقيقية، وغنت "حمال الأسية" من كلمات حسين السيد، وألحان محمد عبد الوهاب، وبعده "عريس مراتي" في نفس العام، بينما كان "ليلى بنت الشاطئ" 1959 هو الأنجح والأشهر وقدمت دور مطربة وغنت "يالأسمراني" و"ليه يا قلبي ليه" والأغنيتين من ألحان محمد الموجي، وقدمت دور البطولة مع إسماعيل ياسين في "المليونير الفقير" وغنت أشهر أغانيها "يا حلاوتك يا جمالك" من ألحان فريد الأطرش وكلمات فتحي قورة الذي كتب لها "الأسانسير"، و"أنا ح تجنن" واشتركت فيهما بالغناء مع إسماعيل ياسين.
يعد "أنا وبناتي" 1961 للمخرج حسين حلمي، هو الأشهر من بين أفلامها وغنت 4 أغاني من أجمل أغانيها "بيت العز، حيران، على البساط السندسي" و "تعالالي يابا تعالالي" التي غنت لوالدها الذي كانت تحبه بشدة ولم تنساه حتى بعد إنفصاله عن والدتها، وكان آخر أفلامها "منتهى الفرح"1963، إذ تفرغت للغناء فقط وكانت تكره أن تشاهد أفلامها ولم تقتنع يوميا بنفسها ممثلة.
سعت أن تتعاون مع الموسيقار محمد عبدالوهاب، ولحن لها عدة أغاني أبرزها "ست الحبايب" والتي كتبها الشاعر حسين السيد وكانت بداية الاحتفال بعيد الأم، الذي اقترحه الكاتبين الكبيرين علي ومصطفى أمين، لتتحول إلي أيقونة وتكون حاضرة في عيد الأم على مر الزمان.
تعاونت مع الملحن بليغ حمدي وقدم لها أول أغنية من تلحينه "متحبنيش بالشكل ده"، وبالرغم من أنه لحن لها 14 أغنية أبرزها "علشان بحبك هنا، كفاية، حبيبي يا متغرب" إلا أنه توقف عن التلحين لها وقالت عنه في حوار لها في برنامج نجوم على الأرض "كنت أقول لبليغ عايزة لحن يقول لي بكرة ويقعد سنتين" واشتكت من عزوف الملحنين الكبار عن التعاون معها.
بعد طلاقها من زوجها الأول تزوجت من عمر نعامي، وبعده من السوري مختار العابد، وانفصلت عنه وكانت الزيجة الثالثة من عازف الكمان عبد الفتاح خيري حتى تتمكن من الحصول على الإقامة في مصر، وانفصلت منه وعادت مرة أخرى لتتزوج من مختار العابد وفشلت العودة وتم الطلاق للمرة الثانية، وفي بيت فريد الأطرش التقت بالملحن الشاب محمد سلطان الذي كان طوق النجاة لها بعد عزوف الملحنين عنها ومنعها من السفر إلي لبنان وقدم لها ألحان جديدة.
مع "سلطان" غنت فايزة أحمد من ألحانه عدة أغاني أبرزها "صعبان علينا، خليكوا شاهدين على حبايبنا، أكبر من حبي ليك، تاهت خطاوينا، بكرة تعرف، على وش القمر، غريب يا زمان"، وربطت قصة حب كبيرة بين فايزة "سلطان" وتزوجا وانجبت منه ابنيها التوأم "طارق وعمرو" وعاشت معه 17 عاماً، حتى دبت بينهما الخلافات ورغم الحب الكبير وقع الطلاق في 1981، ودخلت في حالة نفسية سيئة حتى دخل حياتها شخص يدعى عادل عبد الرحمن أوهمها بحبه لها وتزوجت منه بالرغم من أنه يصغرها بنحو 10 سنوات، وكانت الزيجة الخامسة في حياتها.
ذاقت العذاب علي يد "عبد الرحمن" الذي كان طامعا في أموالها واعتاد ضربها لدرجة أنه حاول أن يلقيها هي وابنتها "فريال" من شرفة شقتها بالزمالك وبعد مفاوضات مادية طلقها بعد تجربة مريرة، شعرت بالمرض وسافرت إلي أمريكا للعلاج ليكتشف الأطباء أنها مصابة بسرطان الثدي، عادت إلي مصر وبرغم مرضها سجلت آخر أغانيها "لا يا روح قلبي أنا" التي كتبها حسين السيد وتوفى قبل تسجيلها وتوفى الملحن رياض السنباطي قبل أن يكمل اللحن ليتولى استكماله نجله "أحمد" الذي تزوج من فريال عمر نعامي ابنة "فايزة.
عاد لها محمد سلطان وتزوجها مرة آخرى وكان يلازمها في المستشفى وكأنها أرادت أن تختم حياتها وهي زوجة له، وداخل غرفة العناية المركزة بمستشفى المعادي رحلت "فايزة" في 21 سبتمبر 1983، وتركت خلفها إرثًا فنيًا لا حدود له وأغاني تملأ الدنيا بصوتها الشجي.