رئيس مجلس الادارة

عمــر أحمــد ســامي

رئيس التحرير

طــــه فرغــــلي


حديث النفس.. ‎لم تعد أنت ولم أعد أنا!

22-9-2021 | 12:09


سحر رشيد,

كم هى غريبة أحوالنا.. نملُّ من النعم ونتعجل تغييرها، ونرفض النقم فنترك الصبر عليها، وتتوق أنفسنا دائما للتغيير متوهمين أنه سيكون أفضل مما نحن فيه، رغم أن ما بأيدينا حتما سينتهي، فكلنا عابرون راحلون، فلا سعدنا بالرضا ولا ظفرنا بالصبر.. ونتعجب من أحوال الدنيا والعجب فينا، فنحن من رفض الرضا واشتاقت أنفسنا للمجهول وتركنا أنفسنا لعبة فى أيدى الأيام.

 

أوصاف عديدة للحياة أطلقناها عليها، ولكن لم يتعلم كثير منا، فمنا من وصفها باللعبة وآخر بالمباراة وثالث بالمعركة وغيره بالمحاكمة، ونسينا أن أصل الحياة هى التعب والشقاء فى الدنيا التى لا راحة فيها، ولكننا نغتر ويعلو الغرور لدينا كلما حققنا مكسبا فيها معتقدين أننا انتصرنا عليها .

قد يكون نجاحك أو نصرك مجرد جولة من جولاتها ولكن المعركة لم تنته بعد، قد تخرج من جولة لأخرى ومن حالة لأخرى، لكنك ضعيف تتصور أنها ضحكت لك، فتغتر وتتصور أنك أفضل من غيرك، يا عزيزى إنه وجه الشمس الذى يضيء لك ويظلم فى وجه الآخر، وحتما ستدور الأرض لتشرق للآخر فيتغير مكان المضيء والمظلم، فتلك الأيام نداولها بين الناس

فلم يخلق الله إنسانا أفضل من آخر أو يحابى أحدًا دون آخر، فسبحانه وتعالى لم يتخذ صاحبة ولا ولدا.

فنجد أحيانا من كثرة النعم وتعود الإنسان عليها يصاب بملل الاستمتاع بها ولا يعلم أنها وديعة لديه لوقت معين لابد أن ينتهى تعاقده معها وحتما ستزول وتذهب لغيره، فكل شيء مولود لابد وأن يأت موعد رحيله وإلا أصبحنا كلنا على نفس الحال ولم ننتقل من ضعف لقوة ومن بعدها ضعفا.

هو حال الدنيا، لكن المغرور ضعيف النفس يتصور أنه وضع دائم وسيظل هكذا وينسى أن إقبال الدنيا عليه جعل الكثير يقبل عليه ومتى رحلت عنه وذهبت لغيره سيذهبون بعيدا عنه لكنه مرض بشري، وقد يغتر أكثر بنفسه فيسعد بمشاهدة صورته فى المرآة ولا مانع أن يصدق جميع الأوصاف والمحاسن التى يطلقها عليه المنتفعون ممن حوله، فتتحول حالته إلى حالة مرضية لأنه فقد الاتزان بين حقيقته والواقع الذى يعيشه ولأن وزنه زاد تجده يطفو على السطح أو يطير كما لو كان معلقا بمظلة، ويصبح شخصا مسكينا تتحاشى الحديث معه إذا كنت تعلم فعلا حقيقته والضعف النفسى الذى يتخفى وراء هذه الحالة التى أصابته بين ليلة وضحاها فأصبح يرى فى نفسه أمورا من العبقرية الفذة التى يتعالى بها على الآخرين، وقد تتضخم حالته فينكر فضل من سانده ولسان حاله "إنما أوتيته على علم عندي" ولا يعلم أنها فترة مؤقته مهما طال أمدها قد لا يستطيع أن يتأقلم مع نفسه بعد زوالها وحتما ستباغته الأيام بصفعة، لكنه اختياره، ولسان حال من حوله من الخبثاء «فلان يعيش الدور» لأنهم يعلمون أنه دور حتما سينتهى .

لكنه عندما تقمص هذا الدور نسى كثيرا من حقيقة نفسه وربما ضاعت نفسه وأتصور أن نفسه الهشة تحطمت، فكم من أناس رحلت عنهم زينة الدنيا فلم يستطيعوا التعايش والتواصل مرة أخرى، لأنهم وقت أن كانت متصالحة معهم فقدوا أقرب الناس إليهم لأنهم شعروا أنهم أصبحوا غير ملائمين لهم فخسروا كل شيء.

  وفى حالات أخرى يفرض التغيير علينا أن نتعايش مع أحوال الدنيا فليس كل تغيير للأسوأ فقد تتغير لتعيش أفضل وقد تتغير الأحوال والظروف ويتطلب الأمر منك أن تعبر بشكل جديد وخصائص جديدة وقد يفعل بك الزمن وآهاته تغييرا تعيد بسببه ترتيب أولوياتك مرات ومرات، وقد ننتبه لعلامات التغيير وقد لا ننتبه، فنحن ليس بإمكاننا أن نستعيد أمورا تخطتها أنفسنا ومر عليها الزمن ليترك بصماته التى يصعب علينا محوها .

ففى حالات الفراق بين الأحبة، يصعب أن يعود الحب كما كان قبله، فلست كما كنت ولا الطرف الثاني.

فليست الملامح فقط التى تتغير بفعل الزمن لكنها الهموم والأحزان أو حتى الأولويات التى ترحل أو تنتزع حالة الحب من نفوسنا، فمن الممكن أن تحتفظ بحبيب فى قلبك باعدت الأيام بينكما، ولكن كن متأكدا أن بعد فترة من الزمن كل واحد سيتغير بفعل الزمن وليس فقط بسبب أنه وجد الحب فى شخص آخر، لكن البعد جعله يقيم التجربة ويخرج منها ويتغير ويتغير حتى يصبح شخصا آخر. حتى وإن لم تتغير أنت وتظل على عهد الحب وافيا فتأكد أنه لم يعد نفس الشخص الذى أحببته من قبل حتى وإن فرقتكما الأيام وأبعد الحظ بينكما، أما إذا كان بسبب مشكلات أو كان أحدكما يتصف بالندالة أو القسوة أو الخيانة فتأكد أن هذه العلاقة لابد أن تدمر ويتحول الشخص المحب لشخص آخر عندما يفيق من الصدمة ويصبح لا يرى أمامه سوى حب نفسه فقط التى يريد أن يستعيدها ليسعد بها بعيدا عن الشقاء والتعاسة ولسان حاله تحررت من قيودى التى حالت بينى وبين نفسي.

وقد يذهب لحب آخر أو تغيره مرارة التجربة التى تفقده الثقة فى علاقات أخرى أو يتحول لمريض يتوق لحالات رومانسية غير موجودة على أرض الواقع، فيهدر عمره فى علاقات فاشلة قد يفشل معها العلاج النفسي، وهناك أناس طالبو للعلاقات الرومانسية طوال حياتهم حتى ولو تزوجوا ولم يجدوها فى زيجاتهم فإنهم يبحثون عنها خارج إطار الزواج وتتعدد العلاقات الرومانسية لتصل لمرحلة مرضية حتى يتوفاهم الله فلا هم يجدونها ولا يملون من طلبها فهم حالات ميئوس منها رفضت التغيير.

 

 وتستمر حركة الحياة فينا وحولنا فتصنع مع هذه الحركة التغيير فينا فلا تثبت على حال فتتقلب أحوالنا، فكل يوم نخوض امتحانا ونشتبك فى معارك، ننتظر الفوز، بعضنا يخوض معركته وعقيدته أنه يستطيع أن يحقق نصرا ولا يعدم الوسيلة التى يواجه بها تغيرات الحياة فمنا مثابر لسان حاله لم اصل بعد لما أطمح إليه وتأخذه الدنيا فى معارك متتالية إذا كان طموحه بلا حدود، قد تكون معارك مجيدة فيخرج منها محاربا شريفا وقد تكون معارك دونية لأهداف مماثلة فأسلم نفسه للدنيا فاستحوذت عليه لتقضى عليه فى معاركها.

وهناك من رضى فى هذه الدنيا بما قسمه الله له، ولا أقول إن الرضا صفة مذمومة ولكنه ارتضى بالقليل والقليل لدرجة أن وجوده مثل عدمه لا يأخذ منها إلا الفتات، فلا يخوض معارك ولا يرضى أن يفرض عليه خوضها أصلا فهو مستسلم لما يفعل به طوال الوقت، ويرفض أن يفرض عليه التغيير وقد ينجو وقد لا، فكثيرا من المقاتلين فى معركة الحياة ما يحلو لهم أن يلتهموا فتات الضعفاء وقد يقضون عليهم بمتعة التفوق.

وهناك من حقق التوازن فى هذه الحياة بأن أخذ بالأسباب واجتهد ورضا بالمقسوم وإن لم يحقق ما يصبو له فإن شرف الجهاد والمكابدة حليفه فهم أصحاب صفحات ناصعة وما يحصلون عليه فعلا نتاج تعب وجهد وعرق حتى ولو كان أقل من حقهم لأن إدراك النجاح دائما بتوفيق المولى الذى يختار لنا الأفضل دائما.

فليس عليك أن تدرك المستحيل فى حياتك، فالمستحيل سيظل مستحيلا ولكن عليك أن تواجه الصعاب والتحديات وتظل تحتفظ بنفسك التى تعتز بها، فإن حققت نجاحا فلا تغتر به وإن أصابك حزن فلا تيئس، فلكل شيء فى هذه الحياة نهاية ولا دوام لأى حال، ولكن حياتنا نعبرها جميعا مهما كانت وسيلة العبور، فالبعض يعبرها سائرا وآخر راكبا أو متسلقا أو حتى طائرا محلقا، ولكن عليك أن تعبرها فارسا أيا كانت مطيتك التى تعتليها، فهى الدنيا التى نعبرها للآخرة.