كثير ممن يعتقد البعض أن إضافة القتل للصبر مدحا لصاحب هذه القتلة، وليس الأمر كذلك، فقتل الصبر هو أن يمسك من ذوات الروح بشيء حيا ثم يرمى بشيء حتى يموت، وكل من قتل في غير معركة ولا حرب ولا خطأ فإنه مقتول صبرا، كذلك في عون المعبود.
معنى القتل صبرا
وقال ابن الأثير في جامع الأصول: «صبرت القتيل على القتل، إذا حبسته عليه لتقتله بالسيف وغيره من أنواع السلاح وسواه، وكل من قُتل أيَّ قِتلة كانت إذا لم يكن في حرب ولا على غفلة ولا غِرة فهو مقتول صبرا».
فالصبر هنا وصف لطريقة القتل لا للمقتول نفسه، فليس في الوصف بالقتل صبرا مدح حتى يختص بالصحابة رضي الله عنهم، وقد قال النبي -صلى الله عليه وسلم- يوم فتح مكة: «لا يقتل قرشي صبرا بعد هذا اليوم إلى يوم القيامة» رواه مسلم.
قال النووي: قَالَ الْعُلَمَاء: «مَعْنَاهُ الْإِعْلَام بِأَنَّ قُرَيْشًا يُسْلِمُونَ كُلّهمْ, وَلَا يَرْتَدّ أَحَد مِنْهُمْ كَمَا ارْتَدَّ غَيْرهمْ بَعْده صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مِمَّنْ حُورِبَ وَقُتِلَ صَبْرًا, وَلَيْسَ الْمُرَاد أَنَّهُمْ لَا يُقْتَلُونَ ظُلْمًا صَبْرًا, فَقَدْ جَرَى عَلَى قُرَيْش بَعْد ذَلِكَ مَا هُوَ مَعْلُوم».
قصة عن القتل صبرا
كان خبيب بن عدي الصحابي الجليل من الأنصار ، رجل عالم بالدين انتدبه الرسول -صلى الله عليه وسلم- لتعليم المشركين الإسلام و القرآن مع عددٍ آخر من الصحابة ، فغدر بهم في طريقهم المشركين فقتلوا عدداً منهم و أسروا عدداً آخر ، فأُخذ الصحابي الجليل أسيراً إلى مكة و ابتاعه هناك قوم كان بينهم و بينه ثأر قديم، فقد كان خبيب رجلاً شجاعاً قدم أعظم النماذج في الفداء في غزوة بدر و قتل عدداً من المشركين وكان ممن قتله رجل من بني الحارث فوجدوا فرصتهم حين أسر وأُتي به إلى مكة للانتقام لقريبهم ، أُخذ الصحابي الجليل خبيب و في نية القوم قتله و لما أرادوا قتله وجدوا أنهم في الأشهر الحرم و قد كان المشركون يمتنعون عن القتال و القتل فيه فحبسوه في بيت يسكنه رجل مع أهله حتى تنقضي الأشهر الحرم وعند انقضائها أُتي به -رضي الله عنه- ونصبت له خشبةٌ على شكل الصليب وقدم فطلب -رضي الله عنه- الصلاة فكان أول من سن الصّلاة حين القتل فأذنوا له وكره الإطالة حتّى لا يظنوا أنه يطيلها جزعاً ، و سألوه يا خبيب أتحب أن تكون في بيتك آمناً مطمئناً و يكون محمد مكانك فكان جوابه بلسان المحب لنبيه ، ما أحب أن أكون بين أهلي ولو شيك رسول الله -صلّى الله عليه و سلم- شيكةً واحدةً ، فقدّم -رضي الله عنه- و وضع على الصليب في مشهدٍ مهيب رافعاً رأسه مطمئن الجنان مرتاح الأركان فأنشد مترنماً و لست أبالي حين أقتل مسلماً على أي جنب كان في الله مصرعي وذلك في ذات الإله وإن يشأ يبارك على أشلاء شلوٍ ممـــزع ، فاستشهد رضي الله عنه و كان قتله صبراً .
فقل الصبر وقد أوردنا قصة عملية لأحد الصحابة الذين قتلوا صبراً هو أن يمسك الرجل و يحبس حتى يقتل صبراً فلا يقتل في معركة أو يقتل غيلة ، فقتل الصبر هو وصف لطريقة القتل و ليس للقتل نفسه فليست محصورة بالمسلمين بل هي لفظٌ عام لجميع الناس بل جميع الخلق حتى البهائم ، و قد نهى الرسول -صلّى الله عليه و سلم- أن يقتل الرجل صبراً و هذا من كمال الدين و رحمة التشريع .