رئيس مجلس الادارة

عمــر أحمــد ســامي

رئيس التحرير

طــــه فرغــــلي


بشائر رمضان

26-5-2017 | 23:16


بقلم : د. عبدالله النجار

لشهر رمضان المبارك بشائر تسبقه، ويحس بتلك البشائر كل إنسان على اختلاف مداركه، حيث يراها الطفل في ابتسامات المخلوقات كالشجر والمباني والشوارع وكافة الكائنات حيث يشعر أن للدنيا لونا خاصا لا يوجد بتلك الصورة المفرحة إلا قبل حلول الشهر الكريم، ومن علامات ذلك الفرح ظهور حاجيات وسلع رمضان في الشوارع والمحلات، وظهور البشرى بالشهر الكريم على وجوه الناس، حيث يبادر كل إنسان إلى تهنئة الآخر بقرب حلول الشهر، والمهم أنك ترى البهجة في كافة الكائنات والخلائق، وتحس ببشريات هذا الشهر الكريم.

ومن المعلوم أن شهر رمضان يعتبر فرصة سنوية لترويض النفس والارتقاء بها فوق مشتهياتها من الطعام والشراب وكافة الشهوات مدة قد تصل إلى ما يقرب من سبع عشرة ساعة في اليوم، وهذا الحرمان المقصود له غاية تعبدية تتمثل في الامتثال لما طلبه الشارع في قوله تعالى: "يا أيها الذين آمنوا كتب عليكم الصيام كما كتب على الذين من قبلكم لعلكم تتقون"، فالإنسان يصوم تلبية لهذا الأمر الكريم، ونظرا لأنه يحرم نفسه مما تشتهيه إرضاء لربه، وطلبا لعفوه ورضاه ورغبة في أن يفوز بثوابه في هذا الشهر الكريم وهو العتق من النار والفوز بما وعده به النبي ـ صلى الله عليه وسلم - في حديثه الصحيح: "من صام رمضان إيمانا واحتسابا غفر له ما تقدم من ذنبه"، وذلك المقصد الأسمى يمثل جانب التعبد لله - عز وجل - والامتثال لأوامره، ولأن ذلك الحرمان قد يمكن خرقه وإفساده بتناول المفطرات والمحظورات خفية من الناس، إلا أن الشعور بمراقبة الله - تعالى - يدفع الصائم إلى استشعار أن الله مطلع عليه ويراه في كل حركاته وسكناته، وأنه إذا كان بمقدوره أن يستخفي عن أعين الناس ويأكل أو يشرب، إلا أنه لن يستطيع أن يختفي عن عين الله تعالى، لأنه هو الذي يراه، وهو الذي يطلع عليه في كل أحواله، ويعلم سره ونجواه، ومن ثم كان الصوم أداة ليقظة الضمير، وتنشيط معنى الرقابة الذاتية التي يرعى فيها ربه ويتقيه في كل أحواله، وأنه إذا كان يخاف من أعين الناس فإنه يجب عليه أن يخاف من عين الله، حتى لا يكون مسيئاً للأدب مع ربه، فيجعله أهون الناظرين إليه، وقد قرر الشارع الحكيم عطاء طيبا لمن يحسن الصوم، ويتقي الله فيه، وذلك حين قال في الحديث القدسى: "كل عمل ابن آدم له إلا الصوم، فإنه لي وأنا أجزي به"، فجعل الله الجزاء على الصوم ذا مكانة خاصة ومنزلة متميزة، وهذا دليل على أنه عبادة ذات معنى خاص في الإسلام.

ومن ملامح التعبد في الصوم أنه قد شرع في شهر رمضان، قال الله تعالى: "شهر رمضان الذي أنزل فيه القرآن هدى للناس، وبينات من الهدى والفرقان، فمن شهد منكم الشهر فليصمه"، ويبدو من هذا القول الكريم أن ثمة ربط بين رمضان والصيام ونزول القرآن، فقد نزل القرآن الكريم في شهر رمضان إلى سماء الدنيا في ليلة القدر من هذا الشهر الكريم، ثم بدأ ينزل بالتدريج على حسب النوازل والأحوال حتى اكتمل نزوله في دنيا الناس قبل وفاة النبي - صلى الله عليه وسلم - وبعد أن نزل قوله تعالى: "اليوم أكملت لكم دينكم وأتممت عليكم نعمتي ورضيت لكم الإسلام دينا"، وقد كان نزول القرآن مفصلا على حسب الأحوال والوقائع دليلا على أنه كتاب ينظم السلوك، وأن ارتباطه بالواقع لا يقبل الفصل، وأنه ليس كتابا نظريا يقتصر فيه الأمر على مجرد التلاوة، ولكنه يجمع بين النظرية والتطبيق، وبين القول والعمل، وأن ارتباطه بواقع الناس والحياة لا يقبل الفصل، ولا يفقد القدرة على تنظيم أمور الحياة في كل زمان ومكان، وإلى أن يرث الله الأرض ومن عليها.

ولعل نزول القرآن الكريم في شهر رمضان، ومشروعية الصوم فيه هو الذي يشع ذلك الفرح والسرور في القلوب وعلى الوجوه، وهو الذي يظهر ذلك الإحساس بالبهجة عندما يطالع الناظر إلى المخلوقات جمالها وهيئتها وحالتها قبيل حلول شهر رمضان، وقد يكون ذلك الفرح انعكاسا لفرح تلك الكائنات من الشجر والمدر والحجر والجماد والنبات وكافة الكائنات لأن بينها وبين الله صلة، وبينها وبين كتابه مودة لأنه يحافظ عليها وينهي عن إفسادها، ولأنها كائنات تسبح بحمد ربها، وتكثف ذلك التسبيح قبل حلول الشهر وفي أثنائه، وصدق الله العظيم في قوله الكريم: "وإن من شىء إلا يسبح بحمده ولكن لا تفقهون تسبيحهم"، إن رمضان هو شهر الفرحة الذي يجمع بين خيري الدنيا والآخرة ولذلك تجد بشريات رمضان مرتسمة علي صفحة الكون كله، حتى تراها في ضوء النهار، وفي ذلك النور الذي يشع من وجوه الذين يفرحون بقدوم شهر رمضان.