عزيزى صاحب اللسان الفذْ الغبىّ..
أكتُب إليك رسالتىي الوحيدة وحدة تفرُدّى فى هذا الكون؛ وتكفى كلماتى تلك لتعبر عن حجم وجودك؛ فالاستزادة معك مضّيعة لعُمر اختزلته فيك فى غفوة وسهو مني وأسعى لولادته من جديد.
يا صاحب اللسان الذى طوّقنى وأمسك تلابيب روحى بعد دقائق من أول حديث بيننا، يا من ملكت عقلى بتلك الأَحرُف والكلمات التى تخرج من فَمِك تارة كطلقات الرصاص لمسدس محشو بالحُجّة والثقة، وتارة كعطر باريسى فوّاح بأفخر أنواع الزهور فقط فى عالم الخيال، وكثيرًا بوعود هوائية أكاد أسمعها تهمس فى أُذنى ولا ألمسها وأنا أجلس وحيدة على أريكتى، طالما رفضها عقلى وهدهده قلبى بأنك العوض ورجل الكون الذى لا يكذب.
أتدرى عزيزى صاحب اللسان المُتكَبِر فى وهمك الضئيل ضآلة حجمك، الذى يُسبِح بُكرة وعشيا فى محراب مدحك لذاتك وينام ويستيقظ فى بوتقة عشقك لانجازاتك؟! أتدرى أننى كنت ارتجف كثيرًا فى فراشى ليلًا وأعاند روحى التى تنادينى من خلال ضوء بعيد تحاول أن تجذبنى من بئر عالمك المُظلِم صارخة بحنجرة بُحَتْ (أستفيقى)، وأكمل أنا (أعلم أنه واهم وكاذب) ويأتى الصُبح القريب بدلًا من المرة مئات، وتسوقنى قدمي وقبلهم قلبى لأنصت للسانك الذى تتباهى بقوته فى كل محفْل ويرقص هو طربًا وسُكْراً وحده عند اعتلائك لمنبر الحوار حيث تعلو النبرة وتنخفض فى مشهدية الرجل قاهر العقول والثقافات، تُكرر أفكارك ومُصطلحاتك التى أوجبتها علىّ كالدواء الذى يؤتي مفعوله مع طول التجرْع ولا دواء يتوقف عندك؛ فأنا المريضة الوحيدة بحبك والشغوفة بمستقبلك والتى تستلذ التكرار، وتمد يدها كل مرة لتلتهم الدواء وتصفق لمانْح الشفاء.
عزيزى صاحب اللسان البتْار فى القرار والمبتور عند المواجهة بالحقْ، كم من مرة فرضت سلطويتك علىّ وأنت عازف ماهر تارة على وتر الحرص والخوف على جوهرتك الثمينة، وتارة وأنت تستعرض نخوتك كشرقى غيور جاء بسيفه ليقطع حبل وصال معشوقته مع المحيط المُخيف؛ وتارة باستباحة كلّ محرّم على غيرك بإيعاز من العاطفة والعشق، فأنت الحياة وأنت الرفيق وأنت الجليس، وقبلهم أنت العظيم، وأنا لا أملك سوى الرضْوخ، وتنحسرُ مع كل صباح أسماء قائمتى من بنى البشر رُفقاء الدَّرب وأهمس لنفسى بأنك الأعلم والأبقى، وأن دربك هو الأصلح، واستيقظت على صحراء جرداء يعلو صدى صوتى فيها بصرخة الوحشة ويرتد إلىّ هازئًا بأننى الوحيدة الخاسرة.
يا صاحب اللسان المُجادل جدال بنى إسرائيل، المُنتصر فى عالمك فقط والمهزوم فى كل العوالم، كُن واثقًا أن لسانك هو سلاحك فى القادم والذى سيرتد صوب صدرك، فهو من هزمنى بضربة واحدة قاسمة، ذرفت دماء غزيرة بعدها، لكنها دماء فاسدة بلون طمى الفيضان أو كدم أسود اللون ينسال من جسد لدغته حية رقطاء ولم يتحصّن بالترياق، يوم أن تلقيت صدمة بُهتان اتهامك وتيقنت من كَذِب ادعائك علىّ، يوم أن أهَلْت التُّراب على امرأة لم تُخلص لسواك، لحظة وأد لعطاء أنثى أفرغت طاقة عشق نساء العالم فى نفسك المُنتفخة، تلك اللحظة التى نزف فيها دمى مُحملًا بمرارة ما كان بيننا، ظننت أن روحى تصعد للسماء وأن الفناء قد حلّ وفوجئت بنفحة هواء مُنعِشة تُقذَف فى رئتى حاملة روحى الأُم التى فُطِرت عليها ، كانت غائبة وتائهة وكنت أجوب ليلًا ونهارًا بحثًا عنها وارتدت لجسدى مع آخر ضربة بلسانك.
عزيزي.. نعم عزيزي صاحب اللسان الخاوي الفارغ من صوت العقل، لو لم أُنصْت لكلامك لحدثت نفسى بالتقصير ولو لم أرْضخ لسُلطتك لرميت نفسى بالتَعنُت ولو لم أهبْك من قلبى وعقلى وجسدى لعاقبت نفسى عقاب المانعة الضنينة، لكننى الآن أكتب إليك بشفافية المُتسامح مع أيامه وبكرم المتصْوف الناظر للسماء مُترفعًا عن أهل الأرض، وببعض ندم العبد الصالح حاملًا صفة الخيرة من الخطْائين التوابين، أُصفِق للسانك العاجز الملعون وأسمع صدى كلماتك ترتد إليك فلا مُسْمِع ولا مُجيب ولا مُريد، وأراك جالسًا وحيدًا صباح كل يوم تحتسى قهوتك تبحث عني، عن لهفتي وتُمْني نفسك بحبي؛ عندئذ سينعقد لسانك، ستتجمد كلماته وتتكسر أحرفه وتخبو حُجّته وسَيُقصم رُمحِه ويعلن انسحابه أمام هزيمتى لك.