تداول المعرفة في العالم القديم بكتاب «المسائل» عن سلسلة التراث الحضاري لهيئة الكتاب
صدر حديثا عن الهيئة المصرية العامة للكتاب برئاسة الدكتور هيثم الحاج علي، عن سلسلة التراث الحضاري كتاب عنوان "المسائل".. مجموعة لأبي علي يحيى بن غالب بن محمد البغدادي المنجم المعروف بالخياط.
ويحتوي على المقالات والأحكام البسيطة مما ذكره الحكماء ورسالة فى دلائل القمر، تحقيق: نهى عبد الرازق الحفناوي.
يتناول الكتاب الذى جاء فى 236 من القطع المتوسط علم الفلك والكواكب وتاريخ تطورها خاصة بعد فترة انتشار الديانة المسيحية والاشتباكات التى حدثت بين الديانة المسيحية وعلم الفلك وتحريمها له.
الكتاب يلفت النظر إلى مدى تداول المعرفة في العالم القديم، وخلال الدولة العربية الإسلامية حيث كانت تنتقل المعرفة من مكان إلى آخر، دون قيود دينية أو قومية أو عرقية.
فقد ظلت وحدة الكون هي المنهج الاعتقادي الأساس لكل الشعوب القديمة التي عاشت حتى ميلاد السيد المسيح علام، فلما تأسست المسيحية وقويت شوكتها اعتبرت كل العلوم القديمة القائمة على أساس هذا المنهج علوما وثنية كافرة يجب استبعادها وإزاحتها.
فجرمت الفلسفة، وحرم البحث في علم الفلك إلا فيما يتفق وماجاء بالكتاب المقدس، وهكذا بدأت لأول مرة في التاريخ الإنساني قطيعة معرفية بين علوم الأقدمين، وما فرضته المسيحية من فكر مستند إلى الفكر الديني المسيحي.
إلا أن ذلك لم يحل دون تسرب العلوم القديمة كالطب والهندسة والفلك وغيرها من العلوم التي ازدهرت عند المصريين القدماء والآشوريين وغيرهم من بناة حضارة الرافدين كالكلدان والسريان، وكان علم الفلك من العلوم التي ازدهرت رغم أنف الكنيسة إذ كانت معظم الظواهر الطبيعية، وغير الطبيعية والمستعصية على الفهم، تعزى أسبابها إلى الكواكب والنجوم من حيث هيئاتها وحركات دورانها، ويات التنبؤ والتنجيم مرجعا معتمدا من قبل الفعل والسلوك الإنساني.
وقد ازدهر علم الفلك خلال تشكل الدولة العربية الإسلامية، ما أنتجته من حضارة سطعت شمسها وأضاءت ظلمات الدنيا خلال العصر الوسيط، وخلال ذلك بات من مهمات علم الفلك التنبؤ بما هو مستبقلي، خصوصا فيما يخص الحكام والملوك، لا سيما عند تحركاتهم بعدد الغزو والحرب.
فلجأوا إلى المتهمين والمشينس عند اتحاد خطواتهم، مستندين ومسترشدين بتوقعاتهم، رغم أن معظمها لا يستند إلى منطق عقلي، أو أدلة مادية ملموسة، ربما كان ذلك وراء ما قاله الشاعر الفيلسوف أبو الطيب المتنبي، ساخرا مستهزنا بهؤلاء المنجمين
وكتاب أبي علي يحيى بن غالب بن محمد البغدادي المنجم المـعـروف بالخياط هو نموذج لما كانت عليه كتب أولئك المنعمين والتي يستبين منها منهجهم في التفكير عند النظر في الظواهر والأسباب المتعلقة بكل شئون الحياة والتي لا تستند إلى أدلة منطقية ودلائل مادية.
ولا يخفى عن القارئ اللبيب أن هذا المنهج الذهبي في تفسير الظواهر والبحث في العلل والأسباب ما زال سانتا بين قطاعات واسعة من الناس رغم التقدم العلمي الهائل، ودحض معظم الخرافات الطبية والفلكية التي نقلت سائدة على مدى قرون مضت.
إذ آن عديدا من الناس يظنون في علاقة البروج السماوية بحظوظهم وأقدارهم، كما يأتون بالعرافين والمنجمين عند مطلع كل عام ليثبتوا بما سيكون عليه حالهم خلال عام مقبل.
وقد قامت الباحثة نهى عبد الرازق الحفناوي بتحقيق كتاب الخياط حيث عثرت عليه صدفة في مكتبة البلدية بالإسكندرية، والملاحظ أن الكتاب رغم طرافته يشير إلى ما كانت عليه الحضارة العربية الإسلامية من رحابة فكر وتسامح ديني، وقبول الاختلاف، بعيدا عن التعصب وضيق الأفق.
فالخياط هو تلميذ المنجم اليهودي الأشهر في زمانه ماشاء الله بن أثرى، والذي كان له دورا مهما في التنجيم خلال الدولة العباسية، وفي النهاية الكتاب يلفت النظر إلى مدى تداول المعرفة في العالم القديم ، وخلال الدولة العربية الإسلامية حيث كانت تنتقل المعرفة من مكان إلى آخر، دون قيود دينية أو قومية أو عرقية.