رئيس مجلس الادارة

عمــر أحمــد ســامي

رئيس التحرير

طــــه فرغــــلي


حديث النفس.. السر

2-10-2021 | 19:14


سحر رشيد,

السر.. كلمة.. فعل.. للسر مفتاح وصندوق أسود.. للسر غموض.. فقد يشقينا.. يعذبنا.. وقد يكون الحلم الذى تسعى لتحقيقه وقد يكون نقيصتك التى تؤرقك.. سرك قد يكون مشوهاً.. وقد يكون صحيحاً تخشى عليه من الحسد فقد يكون أدواتك لتحقيق نجاحك فيتحول لسر المهنة الذى تمتلك مفتاحه وتخفيه عن الآخرين وفقدانه يهدمك ويقضى عليك.. وقد يكون نقطة ضعفك التى تؤلمك.. قد تتحمله فتستطيع أن تحتفظ به داخل نفسك وقد يكون من الحمل ما يثقل كاهلك والعبء الذى تتقاسمه مع آخر.. وقد يخرج فى زلات اللسان من شدة عبئه. 


السر شيء أو أمر بلا صوت وإذا خرج يكون هامساً ولا يمكن أن يكون صراخاً أو ضجيجاً فهتكه قد يحوله إلى فضيحة.


نعيش فى هذه الحياة رحلة مليئة بالأسرار والغموض فتصبح لغزاً نحن جزء منه، فالنفس البشرية سر من الأسرار الإلهية.. نخطئ ونصيب فى حياتنا فتمتلئ بالأسرار السليمة والمعوجة.


قد تُفرض بعضها عليك فترث بعض الأسرار التى لا ذنب لك فيها ولكنك تتحمل أعباءها فتسير محملاً بها.. تعلن ما تشاء وتحاول جاهداً إخفاء الآخر.. نتلصص على بعضنا البعض لنهتك أسرارنا وكأننا بدون أسرار، قد نبتز بعضنا البعض بها، وقد نتاجر بها وقد نكون من الإنسانية ما نستر أسرار الآخرين.. الكل مختلف فى هذا الأمر.


السر قد يكون فى علاقتنا وقد يكون فى طبائعنا التى نخفيها وقد يكون فى أمور حولنا نحاول فك شفرتها وغموضها.


الفطرة الإنسانيه جُبلت على أن المخفى دائما ما يكون شيئاً آثماً، فالإثم هو ما كرهت نفسك إعلانه أو عرفه عنك الآخرون وهذا أمر سليم إلى حد كبير، فكم من علاقات تتم فى السر يلجأ إليها الإنسان فى صور متعددة وفى الغالب تكون علاقات مشوهة يشوبها الخطأ الذى يصل لدرجة الشذوذ عن الواقع المثالى أو المثالية التى يطالبه الواقع بها فى ظل الظروف والضوابط المفروضة فى المجتمعات التى تختلف من واحد لآخر. 


المهم أن إقامة هذه العلاقات السرية إنما تعود إلى أمور نفسية سرية لا يستطيع الإنسان البوح بها أو إعلانها ويريد إشباعها بنفس السرية وإما أنه يستطيع تحقيقها فيهدأ أو يفشل فى إشباعها فتتحول لعقدة داخله، لكن رغبة السرية مازالت داخله.


ومتى تحولت إلى علاقة سرية يحاول إخفاءها إذا ما كانت مرتبطة بنقيصة مثلا أو اختلاف مع القواعد السائدة فى جماعة يحيا فيها، فإنها وإن كانت تحقق له الإشباع إلا أنها أصبحت سرا قد يُقضى عليه بإفشائه.


وهناك حالات كثيرة تبدأ بالعلاقات الشخصية وتنتهى بحالات التآمر والتجسس على عمله وربما وطنه.


فنجد مثلا العلاقات التى تتم خارج نطاق العلاقات الزوجية فتجد الشخص فيها يريد أن يحتفظ بالزوجة فى العلن والعشيقة أو زوجة أخرى فى السر فى مجتمعات تضييق فيها مساحة العلاقات الموازية أو تعدد الزوجات، وقد تحتاج نفسه الاثنين معا لحصوله على أكبر درجة من المكاسب منها رغبته فى الظهور بشكل وقور فى المجتمع، فيحتفظ بالنموذج المحترم فى العلن وقد يكون فى السر النموذج غير ذلك الذى قد يصل فى بعض الأحيان لدرجة احتفاظه بالساقطة الذى لا يستطيع الاستغناء عنها.. والسؤال أليس حراً؟! الإجابة فى أن تمسكه بغير السوية قد يخالف القيم والعيب والحلال، ولكن متعته الذاتية تجعله يلجأ للسرية التى يرفضها المجتمع ويدفعه الخوف إلى ذلك الأمر، وإذا استطاع الاستمرار سراً رغم عبئه فإنه يستمر، وإذا ما هتك ستار سره، فقد يعتبره خطأ يقوم بتصحيحه مجبراً أو مخيراً!!


فالعلاقات السرية فى الغالب تكون لإشباع نواقص فى نفس صاحبها تحقق له نشوة وسعادة.


فكلنا مختلفون لكن الاتفاق على الظاهر الموحد فرضته قيود مجتمعية فلا نلتمس العذر لأصحابها فندفعهم لمثل هذه العلاقات ويجبر آخر على الاستغناء عنها فتعيش داخله بدعم من خيالات وأوهام نفسه.


ويظل عمر سرية هذه العلاقات قصير فيظن أصحابها أنهم يستطيعون إخفاءها ولكنها تفضح نفسها بنفسها، فمن الغباء أنهم يتصورون أن العلاقة بين المحبين والعشاق تدوم سراً حتى لو وصلت لدرجة الزواج الرسمى وحتى وإن ولم تكن هناك زيجات أو علاقات أخرى تدفع لكشفها وكانت علاقة وحيدة إلا أن هناك عوامل أخرى كفيلة بكشفها فمثل هذه العلاقات تبدأ بوعد بالسر وتتطور من تلقاء نفسها فتعلن عن نفسها!!


وهناك من العلاقات ما يفرض ميثاق شرفها أن تظل تفاصيلها سرية مثل العلاقات بين الأصدقاء وأسرار البيوت بين الزوج والزوجة، وكذلك أسرار المهنة والأوطان كلها علاقات يجب أن يلتزم أطرافها بصون الأسرار والمعلومات الخاصة بها.


ومع ذلك تجد من النادر أن يتواجد الصديق الذى يسر إليه بأوجاعه وآلامه ليلتمس الراحة النفسية فى شريك ينصحه أو يتحمل معه هذه الآلام، وقد يكون صديقاً مخلصاً فعلا يقدر هذه الأسرار ويحفظها ولا يبوح بها أبداً مهما كانت الظروف والضغوط أو حتى بعد انتهاء هذه العلاقة، الشريف هو من يكون أميناً يحفظ العهود ويصبح خائناً إذا ما أفشى هذه الأسرار.


وقد تكون أسرارا مهنية مثل تلك التى تتوافر فى الإلزام القانونى أو القسم لدى الأطباء والقانونيين أو القائمين على قواعد البيانات للأشخاص والجهات التى تترتب على إفشائها خسائر وأضرار لأصحابها قد تصل لتعريض الأمن والسلم الوطنى للخطر مما يتطلب توافر الخصائص الإنسانية لحافظى هذه المعلومات ليكونوا خزائن لهذه الأسرار. 


والسؤال لماذا يذهب صاحب السر ليبوح بما فى صدره لآخر ويرغب فى ذات الوقت أن يحتفظ بها؟! الإجابة أن أسباب البوح عديدة. أهمها أن الإنسان مخلوق اجتماعى من الصعب أن يعيش منعزلاً عن الآخرين حتى أنه فى بعض الحالات يقوم متطوعاً بتقديم قاعدة بياناته لجهات معينة، ولكن شرطه الأساسى أنها ستصون هذه البيانات.. إذن الثقة تجعلك تسلم مفتاح سرك لغيرك واتخاذ هذا العهد تجعلك مطمئناً. 


وقد تدفعك رغبتك فى النصيحة والمشورة لعرض أسرارك وقد تصل معك لدرجة مرضية فتذهب للطبيب النفسى، فتجد فى البوح راحة إذا ما صادف مخلصين وقد تكون العكس فتدمر حياته لأن هناك من يتاجرون بأسرار غيرهم لدرجة التسجيل وتثبيت الكاميرات لفضح بعضهم البعض التى حلت محل التنويم المغناطيسي!!


وقد يبيع الشخص أسراره التى لها أطراف أخرى معه فلم يعد يستحيى من الفضيحة وإنما يبتز الأطراف الأخرى أو حتى تلك التى تخصه فأصبح إعلانها يحقق له مكاسب مثل تلك التى تكون لمشاهير يبيعون هذه الأسرار فى برامج إذاعية أو تليفزيونية فتجد مثلا فنانا شهيرا يعترف باجتراف الخيانة أو جرائم أو حتى يحكى عن أيامه فى قضاء عقوبة فى السجن كانت هذه الأمور بالأمس القريب تهدد شهرته، ولكنه وصل لمرحلة يجد فى إعلانها مكسبا أفضل!!
أو حتى يهدد الآخرين بكتابة مذكراته أو عمل درامى يكشفهم فيه!!مستغلا سحر الحديث عن الخوض فى الأسرار الذى يداعب النفس التى تبحث عن المخفى من الأسرار عند الآخرين وكأنها بلا بنقيصة أو أسرار لكن هذا الأمر موجود داخلنا جميعا!!


فى رحلة الإنسان تجد الكثير يتمسك بخصوصيته فهى الحق المشروع له فيصبح ما يقدمه للآخرين فى أبهى صورة منتقاة، ومن منا لا يرغب فى ألا يظهر فى صورة اختارها لنفسه بنفسه يخزن ويحجب ما يشاء.. لكن فضولنا يجعلنا نتجسس على الآخرين، ويظل الفرق بين الخصوصية والمعلن يحدده صاحبه وفقا لرغبته فى ظل تمتعه بالحرية الشخصية.


حتى مشاعرنا نظهر ونبطن منها ما نشاء على قدر استطاعتنا ومقدرة الأطراف الأخرى على اختراقنا.


فداخل كل إنسان رادار يستطيع أن يكشف مكنون نفس من أمامه يختلف باختلاف حدس الآخرين.. فتجد التواصل الروحانى يكشف علاقات الحب والكره، بل يظهر حجمها ودرجتها، فلست محتاجا أن تعبر بكلمات أو حتى تقسم حتى يصدقك الآخر وغالبا ما يكشف أصحاب الجنس الواحد بعضهم بعضا فيفهم الرجال بعضهم وتفهم النساء بعضهن، بل تتفوق النساء لتفهم الرجال ونقاط ضعفهم بسرعة وكشف الأسرار المخفية، فمن الغباء أن تتصور أنك غير مكشوف فيسخر منك الطرف الآخر.. فالأرواح جنود مجندة من تعارف منها ائتلف ومن تنافر منها اختلف.


وفى الحقيقة لسنا جميعا على نفس الدرجة من البحث والتأمل لكشف أسرار أنفسنا وأسرار كل من حولنا من بشر وأسرار إلهية فى الكون والطبيعة والحياة والممات.


فخلقنا الله مختلفين فى كل شيء حتى فى قدراتنا على التأمل والاستيعاب، فتجد منا من يبحث ويفتش فى أسرار غيره، ومنا من يفهم نفسه وأسراره جيدا ويصبح من السهل أن يفهم أسرار غيره ليكتشف ما يخفيه ليأمن شره ويستعد للأسوأ أو يحيا حياة سوية، وآخر بلغ من الحكمة أن يتأمل ذاته وينطلق ليتفهم الأسرار الإلهية قد يستطيع أن يفك شفرتها لأنه لم يعطل نفسه ويعجزها بالاهتمام بتفاصيل أسرار الآخرين، فارتقى بذاته فاستطاع فك شفرات الأسرار الإلهية فى أمور عديدة فى الحياة والممات فمكنه التأمل والإيمان من ذلك فيهدأ ويرضى فى حياته ويستقبل آخرته بطمأنينة.