حكاية كتاب.. مركز الأزهر يوضح سبب تأليف «إحكام الأحكام شرح عمدة الأحكام»
في إطار المشروع التثقيفي حكاية كتاب، نشر مركز الأزهر العالمي للفتوى الإلكترونية حكاية جديدة عن كتاب «إحكام الأحكام شرح عمدة الأحكام»، ويتواتر ذلك مع ذكرى وفاة الإمام «ابن دقيق العيد»، الذي ولد في 625-702هـ، وتوفي في 1228-1302م.
من هو المؤلف
أوضح مركز الأزهر خلال منشور له عبر صفحته الرسمية على موقع التواصل الاجتماعي، «فيسبوك»، أن مؤلف الكتاب هو الإمام العلامة، شيخ الإسلام، قاضي القضاة، محمدُ بنُ علي بن وهب بن مطيع، تقيّ الدين أبو الفتح ابنُ دقيق العيد القشيري المصريّ المالكيّ الشافعيّ، الذي ولد سنة 625هـ، بناحية ينبع، مدينة على ساحل البحر الأحمر حاليا.
وأفاد المركز أن الشيخ كان شاعرًا، أديبًا، فقيهًا، أصوليًّا، محدِّثًا، نشأ بمدينة قوص إحدى مراكز محافظة قنا، وارتحل في طلب العلم داخل مصر ثم رحل إلى الشام، واستمع لكثير من العلماء في البلاد التي رحل إليها؛ فبرع في كل علم حصَّله؛ حتى فاق علماءَ عصره، وشهدوا له بالعلم والورع والأخلاق.
وتمذهب ابنُ دقيق العيد بمذهب الإمام مالك، فأتقن أصوله وفروعه في بلدته قوص، حتى صار شيخًا كبيرًا يُرجَع إليه في المذهب، ثم توجّه لدراسة المذهب الشافعي، فحصَّل فيه الغاية في النقل، والرواية، والتأصيل؛ حتى قصده الطلاب من كل مكان لينهلوا من علومه.
وكان من أجلِّ شيوخه: العزّ بنُ عبد السلام رحمه الله تعالى (ت 660هـ) الذي كان له دور عظيم في تكوين شخصيته العلمية، حتى وصل إلى رتبة الاجتهاد، وصار مجلسُه مقصدَ طلاب العلم في زمانه.
وتابع مركز الأزهر، أنه للشيخ رحمه الله تصانيفُ كثيرةٌ، أبرزُها: كتاب إحكام الأحكام، وكتاب الاقتراح في بيان الاصطلاح: وهو كتابٌ في علم مصطلح الحديث ، وتحفة اللبيب في شرح التقريب، وهو: شرحٌ لمتن القاضي أبي شجاع الشافعي (ت 500 هـ)، وغير ذلك من التصانيف.
وأشار إلى أن الشيخ تاج الدين السبكيّ(ت 771هـ) قال: «ولم أر أحدًا من أشياخنا يختلفُ في أنّ ابنَ دقيقِ العيد هو العالِم المبعوثُ على رأس المائة السابعة، المشارُ إليه في الحديث؛ فإنه أستاذُ زمانه علمًا ودينًا». [حُسن المحاضرة في تاريخ مصر والقاهرة (1/ 318)]
وتولّى رحمه الله القضاءَ في الديار المصرية سنة 695هـ إلى أن وافته المنيةُ يوم الجمعة حادي عشر من شهر صفر سنة 702 هـ.
سببُ تأليف الكتاب
حفظ القاضي الوزير، عماد الدين بن الأثير (ت637هـ) كتاب «عمدة الأحكام في كلام خير الأنام»، للإمام عبد الغني المقدسي الحنبلي (ت 600هـ)، غير أنه احتاج لفهم أحاديثه، والتَّفقه في استنباط أحكامه، فلم يجد خيرًا من ابن دقيق العيد؛ للقيام بهذه المهمة، فجلس بين يديه مُتعلِّمًا يكتُبُ ما يمليه عليه؛ حتى خرجت هذه الدرّةُ المنتقاة، الموسومةُ بإحكام الأحكام شرح عمدة الأحكام.
تقدَّم أنَّ ابنَ دقيق العيد كان فقهيًا أصوليًّا؛ لذا غلبت النزعةُ الفقهيةُ على شرحه لـ«العمدة» وهو كتابٌ جمع فيه مُؤلِّفه أحاديث الأحكام، فخرج شرحًا بديعًا، يُعرف منه مسائل الخلاف، وطريقته بين العلماء، ويُستفاد منه كيفيّةُ الاستدلال على المسائل، ومناقشةُ الردود والاعتراضات عليها؛ مناقشةً علميةً خاليةً عن الهوى والتعصب، مع احترام الرأي الآخر المبني على الدليل.
وقد شرح هذا الكتابُ جملةً من الأحاديث التي اتفق عليها الإمامان البخاري ومسلم، وكانت في صحيحيهما، فاشتمل على تسعة عشر بابًا من الأحكام وهي: كتاب الطهارة، كتاب الصلاة، كتاب الجنائز، كتاب الزكاة، كتاب الصيام، كتاب الحج، كتاب البيوع، كتاب النكاح، كتاب الطلاق، كتاب اللعان، كتاب الرضاع، كتاب القصاص، كتاب الحدود، كتاب الأيمان والنذور، كتاب الأطعمة، كتاب الأشربة، كتاب اللباس، كتاب الجهاد، وكتاب العتق.
ورغم الفائدة العظمى التي يُحصّلها قارئُ الكتاب إلا إنه لا يخفى على المطالع أن الكتابَ موجَّهٌ لطلبةِ العلم المتخصصين في هذه الفنون.
منهج الكتاب
اتَّبع الشيخُ ابنُ دقيقِ العيد في هذا الكتاب منهجًا علميًا رصينًا؛ تتضح معالمه في الآتي:
أولًا: أنه يبدأ كلامه بذكر حديث الباب، وقد مشى فيه على ترتيب مؤلّف «العمدة» الإمام عبد الغني المقدسي، فيقول الحديث الأول: عن عمر بن الخطاب رضي الله عنه قال سمعت رسول الله ﷺ يقول .. ثم يذكر الحديث كاملًا، وإذا كان للحديث رواية أخرى ذكرها.
ثانيًا: يترجم للراوي الأعلى ترجمةً وافيةً موجزةً بذكر اسمه، ويضبطه -إن توهّم الضبط-، ويذكر كنيته ولقبه، ومولده ووفاته، بما يعرفه ويزيل اللبس عنه.
ثالثًا: يشرح الحديث، ويقسّمه إلى مسائلَ فيقول: ثم الكلامُ على هذا الحديث من وجوهٍ، فيذكر وجوهًا، ويقول: الأول، الثاني ، الثالث .. وهكذا.
رابعًا: عند شرحه للحديث وفكّ ألفاظه يستخرج الأحكام الفقهية، ويبين آراء الفقهاء، ويعرض أدلتهم ويبين الراجح فيها، مع اعتناءٍ كبيرٍ بذكر مذهبي المالكية والشافعية، دون إغفال بقية المذاهب.
خامسًا: رغم غلبة النزعة الفقهية على شرح الشيخ كما تقدَّم، إلا أنه لم يغفل باقي العلوم؛ فتراه ينتقل من فن إلى فن، ويزل الإشكالات، ويوضح المعاني، ويحلل الألفاظ، ويُفهم القارئ، وقد يطول نفسه في شرح بعض المسائل، ويكتفى أحيانًا في بعضها بأسطر معدودة.