قطع إمدادات البترول ومعدات عسكرية.. كيف دعم العرب مصر وسوريا فى حرب أكتوبر
كانت حرب أكتوبر مسرحا للتاريخ، ولكن مسرح التاريخ لا يملك مشاهدين فقط الممثلين يدخلونه، كل من عليه يؤدي دور بدقة وفي تناغم شديد، فإن أفلت ممثل واحد عن دوره قد يسقط المسرح كله، بينما تؤدي مصر دور البطولة أمام الكيان الصهيوني، لا يستطيع أحد أن ينفي أهمية دور الدول العربية، فقد كان لهم تأثير في تحريك الضوء على المسرح، وكذلك في تغيير سير الأحداث.
وقد روى المشير محمد عبد الغني الجمسي، رئيس هيئة عمليات القوات المسلحة خلال حرب أكتوبر وكذلك رئيس الأركان خلالها بعد عزل الفريق سعد الدين الشاذلي، تفاصيل الدعم العربي لمصر خلال حرب أكتوبر 1973.
حيث يقول المشير محمد عبد الغني الجمسي: " كان يهمنا جدا فى القيادة العامة للقوات المسلحة المصرية أن يكون العمل العسكرى العربى ضد إسرائيل من ثلاث جبهات - مصرية وسورية وأردنية - وأن تشترك الدول العربية الأخرى بجزء من إمكاناتها العسكرية فى هذه الجبهات، انتهزنا فرصة انعقاد "مجلس الدفاع المشترك" وهو أحد أجهزة جامعة الدول العربية فى الدورة 13 بالقاهرة خلال الفترة من 27 إلى 30 يناير 1973 لبحث هذا الموضوع".
قد قام وزير الحربية أحمد إسماعيل بتقديم تقرير لإيضاح الموقف الاستراتيجي العربي، وأوضح أن المخطط القومي الاسرائيلي يمارس سياسة احتواء المكاسب وفرض الأمر الواقع في مختلف المجالات، وما تقوم به ردع ضد المواقع العربية على طول خط المواجهة، حيث يهدف الكيان الصهيوني إلى فرض الاستسلام وقهر الشعوب العربية، وبالتالي لم يعد بمقدرة أي دولة عربية أن تقف وحيدة أمام اسرائيل، فاسرائيل تهدف لتحقيق حلم مد أراضيها من النيل إلى الفرات.
وقد وضع أحمد إسماعيل عدة توصيات وخطة حربية كاملة، تشمل جميع الدول العربية من بداية المعركة وحتى القضاء على الخطر الاسرائيلي، هذه الخطة هي حقا تمثل الحلم العربي، حيث تهدف الخطة إلى:
- إرغام العدو على القتال فى كل الجبهات فى وقت واحد لحرمانه من استراتيجيته المبنية على العمل ضد جبهة واحدة فى وقت واحد
- استخدام الجبهتين السورية واألردنية لتهديد قلب العدو بقواتنا وخاصة القوات الجوية
- العمل على تشتيت احتياطيات العدو التعبوية والاستراتيجية
- قطع خطوط مواصلات العدو البحرية فى البحرين الأبيض والأحمر
- استخدام الفدائيين على نطاق واسع داخل إسرائيل
- أن تبدأ العمليات التعرضية فى أقرب وقت ممكن، حيث أن عامل الوقت إذا استمر معدل النمو العسكرى فى قدرات الطرفين بالمعدل الحالى – حينئذ – يعتبر في صالح العدو ويصعب التعامل معه مستقبلا.
ويوضح أحمد إسماعيل أن نقاط القوة في هذه الخطة ستكون عظيمة، حيث أن العدو يعتمد بشكل كبير على التركيز على جبهة واحدة، بينما الحرب على ثلاث جبهات سيؤدي إلى تشتيت قواته، وسيمكن من جانب آخر الحد من القدرة الجوية للعدو من خلال حشد القوات الجوية للدول المواجهة، وهذا ما سيفقد العدو توازنه، لأن العدو يعتمد بشكل كبير على قوته الجوية، كما أن الجانب العربي سيحمل تفوق في القوة البرية.
وتعتمد الخطة بشكل كبير على العمليات الفدائية، ويرى أحمد إسماعيل أنه يجب أن يتم العمل الفدائي من أربع جهات، وهي لبنان وسوريا ومصر والأردن، لتشتيت العدو، وإزالة العقبات أي عقبات تعترض الطريق خلال المعركة، ويكون مسرح العمليات أن تكون الجبهة الشمالية تشمل قوات سوريا، والجبهة الشرقية قوات الأردن، والجبهة الغربية تشمل القوات المصرية، على أن تكون كل الجبهات تحت قيادة القوات المسلحة المصرية.
بينما تتمثل نقاط الضعف في هذه الخطة في وجود ثغرة استراتيجية في حالة عدم مشاركة جبهة الأردن، ونقص بارز في السلاح الجوي، عدم وجود قيادة واحدة للجبهات العربية الثلاثة بينما العدو يعمل تحت قيادة واحدة، النقص الواضح في المعدات الإلكترونية للحرب، وقدرة محتملة للعدو للمناورة بين الثلاث جهات، وهذا ما يفتقر إليه الجانب العربي لأنه يحارب على خطوط داخلية.
ورغم ما لهذه الخطة من تحديد ودقة إلا أنها لم تُنفذ، وقد أضاع العرب الفرصة لكي يكونوا على قلب رجل واحد ليحرروا أراضيهم، ويعيدوا الحقوق المسلوبة من شعب فلسطين، فقد كانت العوائق السياسية قوية لمنع هذا الحلم العربي من التحقق، فرغم وصول مدد القوات العربية إلى أرض المعركة فإن تأثيره أمكن أن يكون أقوى إذا كانت متمركزة قبل بدء المعركة، وليس لنا إلا أن نتخيل كيف كانت هذه الخطة لتغير موازين القوى ومصير الحرب.
وقال الجمسي: لقد أثبت الواقع العربى أن الاتصالات الثنائية بين الدول العربية هى التى نجحت فى تدعيم الجبهتين السورية والمصرية بقوات من بعض الدول العربية التى رأت أن تساهم في الحرب بعد نشوبها، ترتب على ذلك أن هذه القوات لم تصل فى الوقت المناسب إلى ميدان المعركة، وكان يمكن أن تكون أشد تأثيرا لو كانت قد تمركزت فى الجبهة قبل الحرب مما يعطيها فرصة الاندماج مع قوات الجبهة والتعرف على طبيعة أرض المعركة.
المواقف العربية لدعم مصر في حرب أكتوبر
ورغم هذه الخيبة من مجلس الدفاع المشترك إلا أن العلاقات الثنائية أثبتت كفائتها، وحققت بعض من الحلم، فلم تتخل الدول العربية لحظة عن مصر ولا سوريا خلال الحرب، حيث أرسلت العديد من الدول مساعدات غيرت من شكل المعركة تماما، منها:
قامت الدول العربية مجتمعة بمنع تصدير البترول إلى اسرائيل والدول المؤيدة لها، وهو ما أحدث أزمة طاقة كبيرة للولايات المتحدة، كما أضعف من الدعم الدولي لاسرائيل.
العراق: أرسلت سرب "هوكر هنتر" العراقي قبل الحرب بفترة، وشاركت طائرات السرب في الضربة الجوية المركزة يوم 6 أكتوبر، وأرسلت على الجبهة السورية 3 أسراب ميج-21 ، سربين ميج-17، فرقة مدرعة، فرقة مشاة.
الجزائر: أرسلت 24قطعة مدفعية ميدان، وسرب طائرات سوخوي 7 قاذفة، وسرب طائرات ميج17 وسرب آخر طراز ميج21 ولواء مدرع كامل، كما قام الرئيس الجزائري آنذاك "الهواري بومدين" بزيارة موسكو في نوفمبر 1973 ودفع 200 مليون دولار إلى الاتحاد السوفييتي ثمنا لأية أسلحة أو ذخائر قد تحتاج لها مصر أو سوريا بنسبة 100 مليون دولار لكل دولة.
ليبيا : تبرعت ليبيا بمبلغ 40 مليون دولار و4 مليون طن زيت، وأرسلت إلى الجبهة المصرية سرب ميراج 5 ليبي، بالإضافة إلى السرب 69 ميراج-5 المصري.
المملكة العربية السعودية: تبرعت ب 200 مليون دولار، كما قامت بإنشاء جسر جوي لإرسال 20000 جندي إلى الجبهة السورية، بالإضافة إلى بطارية مدفعية مضادة للطائرات عيار 40 ملم ، سرية مدفعية هاون.
وفي هذا الموقف أثبتت الدماء العربية أصالتها، وأثبت العرب أنهم لا يتركوا جريحا خلفهم، وقد تجمعهم الأيام على قلب رجل واحد من جديد.
أقرأ أيضًا:
الجمسي: هزيمة 1967 انعكست على الاستعداد الجيد لحرب أكتوبر
بالأسماء.. أبرز قيادات حرب أكتوبر 1973 (فيديو)