استضاف الإعلامى شريف عامر أول أمس على قناة Mbc مصر شاباً يدّعى أنه تزوج 33 مرة كمحلل لزوجات طُلقن - بضم الطاء – ثلاث مرات؛ وبالتالى يحرم عليهن الرجوع إلى أزواجهن إلا بعد الزواج بآخر، ويدعى أنه كان يضاجع هؤلاء النسوة بعد عقد صورى بقصد تمكنهن من الرجوع إلى أزواجهن!
تحول هذا اللقاء إلى حالة استياء و"قرف" عند كل المتابعين لهذا الخبر، لأن الموقف صادم ومؤذٍ لمشاعر المصريين، ومستفز للنخوة والشهامةالمصرية.
ورغم أن البرنامج استضاف أستاذنا الدكتور مبروك عطية الذى أنكر هذا الفعل الشنيع ووضح موقف الإسلام بصورة رائعة، إلا أن الحديث على السوشيال ميديا لم ينقطع واشتعلت المواقع غضباً وتساءلت أين القانون؟ وأين الأزهر؟ وأين علماء المسلمين؟.. إلخ
وقمت برد مقتضب على صفحتى المتواضعة قلت فيه:
أليس ذلك تحريضاً على الفسق؟.. لا يوجد شيء فى الإسلام اسمه محلل!
إذا استنفدت مرات الطلاق وبانت المرأة من زوجها بينونة كبرى لا يجوز استعارة فاجر ليعاشرها فى الحرام باسم الشرع!.. حتى تحلل زوجها الأول كما فى الأفلام .
قال تعالى: (الطَّلَاقُ مَرَّتَانِ ۖ فَإِمْسَاكٌ بِمَعْرُوفٍ أو تَسْرِيحٌ بِإِحْسَانٍ ۗ) 229: البقرة
وقال صلى الله عليه وسلم: "لعن الله المحلل والمحلل له".
وقد سمى بعض الأئمة من يقوم بهذا بـ"التيس المستعار"! بناءً على رواية أخرى للحديث.
ولا تحل لزوجها الأول إلا اذا تزوجت بآخر زواجاً دائما فيموت عنها أو تطلق منه، هنا فقط تحل للأول بعد انقضاء عدتها، إنما الزواج بقصد التحليل فهذا شرع مسرحية الواد سيد الشغال.
وأى آراء فقهية تحلل هذا الفجور لا تلزمنا، وأى متشرع يفتى بهذا هو فاسق.. وحسبنا الله ونعم الوكيل فيمن يورط الإسلام فى هذه القذارة.. انتهى الرد.
كما قام موقع دار الإفتاء المصرية بنشر رد بعنوان "الزواج بشَرْط التحليل "
زواج المرأة المَبْتوتة – أي: المطلقة ثلاثًا- لكى تحل للزوج الأَوَّل، -وهو ما يُعْرَف بـ(الزواج بشَرْط التحليل)- حرامٌ شرعًا باتفاق الفقهاء؛ فقدروى عن ابن مسعود عن النبى صلى الله عليه وسلم: «أنَّه لَعَن المُحَلِّل والمُحَلَّل له» (أخرجه الترمذي)، واللعن إنما يكون على ذنبٍ كبيرٍ.
وروى عن ابن عمر رضى الله عنهما، أنَّه سُئِل عن تحليل المرأة لزوجها؛ فقال: «ذاك السِّفَاح» (رواه البيهقي). والسِّفَاح؛ أي: الزنا." انتهىكلام دار الافتاء
ولقد أبرز هذا الموقف عدة نقاط ضعف فى المجتمع منها:
- أبرز حالة التغير والتآكل فى البنية الثقافية والأخلاقية عند المصريين، وصل الأمر إلى حد ممارسة الفجور والفسوق تحت ستار شريعةالإسلام.
ولقد قلت مراراً وتكراراً إن الكثير من المسائل الفقهية متناقضة، لأنها كتبت فى أزمنة مختلفة لوقائع مختلفة عن واقعنا وعصرنا، والنموذج المعرفى والثقافى المصرى.
وبالتالى إغراق المجتمع بهذه الفتاوى الشاذة التى من بينها آراء تبيح "المحلل" لامرأة بانت عن زوجها بينونة كبرى جريمة كبيرة ينبغى أن يعاقب عليها القانون كما يعاقب من يقوم بتسميم الماء والغذاء، لأن تسميم العقل أجرم وأعظم خطرا.
- جزء من علاج هذا التآكل فى البنية الأخلاقية والثقافية عند المصريين وترميم الهوية هو البدء فى مشروع تنقية التراث الإسلامى فوراً، وعمل ثورة فقهية لتحديد ما نحتاجه من مئات الآلاف من النصوص الموجودة فى كتب التفسير المفسرة والمبينة للقرآن وشروح السنة الصحيحة وكتب الفقه.. إلخ، وما لا نحتاجه لارتباطه بعصور سابقة.. حتى يتبقى لنا:
- القرآن الكريم
- السنة الصحيحة وهى 7 آلاف نص على الأكثر.
- النصوص التراثية التى نحتاجها فى عصرنا الحاضر وغض الطرف عن الموضوعات المرتبطة بعصور سابقة.
لأن النصوص أشبه ما تكون بصيدلية كبيرة، على كل جيل تناول دواءه المناسب، وترك بقية الأدوية للعصور الأخرى.
ولهذا كان التجديد سنة إلهية كما قال النبى صلى الله عليه وسلم "يبعث الله كل مائة عام من يجدد للأمة أمر دينها".
وأنا أرى أن معظم الشيوخ والوعاظ جزء من الأزمة! لأن الكثير يعظ ويفتى بعشوائية فينشر أخطاء تؤدى إلى كوارث.
فعلى سبيل المثال لا الحصر:
قام بعض المعممين الأزاهرة بنشر مقطع فيديو يؤكد فيه جواز زواج رجل وامرأة فيما بينهما شفوياً بدون شهود وتأجيل إعلام الشهود ثلاثة أيام.
طبعاً الشيخ يتفاخر بأنه مطلع على خفايا الفقه، وأنه ذكر ما لم يذكره الأوائل وسيحصد الكثير من علامات الإعجاب والتعجب ثم الشهرة.. إلخ.
وبسبب هذا المقطع حدثت مصيبة كبرى لبعض السيدات الفضليات المطلقات، حيث كان يهاتفها رجل من معارفها وعرض عليها الزواج فى الهاتف، فوافقت فى لحظة ضعف، ثم أخذ يطاردها بهذا الفيديو ويؤكد أنها زوجته ويطالب بمعاشرتها لأن هذا حقه، وتحول الأمر إلى أزمة نفسية واجتماعية بل وفضيحة أسرية لهذه المسكينة ضحية معمم غير مسئول وانتهازى يريد الايقاع بها.
هذه الأخطاء فى نشر الفتاوى والوعظ بعشوائية يقع فيها للأسف الشديد الكثير من العلماء الكبار حتى الذين هم فى موقع مسئولة دينية.
فقد علقت أمس على بوست لأحدهم يقول فيه: "من أيقن الموت خاف الفوت، ومن أيقن الحساب أيقن العذاب".
قمت بالرد على فضيلته بالآتى:
" لطفاً وعفواً أولاً: هذا البوست الذى نشرته مذكراً الناس بالموت والحساب دون تذكيرهم بالحياة والعمل الصالح فيها، مخالف لمنهج القرآن الذى دعا الناس إلى الحياة وتعميرها، وفى سياق ذلك ذكرهم بالموت والدار الآخرة، قال تعالى: "هو أنشأكم من الأرض واستعمركم فيها" أي طلب منكم عمارتها، وتذكير الإنسان بالموت والدار الآخرة فى سياق تعمير الكون لمنع النفس البشرية من الطغيان وظلم الآخرين، خاصة إذا كان من أصحاب النفوذ.
فلم يذكر القرآن الموت مجرداً عن ذكر الحياة، قال تعالى: "الذى خلق الموت والحياة" تبارك:2
"وابتغ فيما آتاك الله الدار الآخرة ولا تنس نصيبك من الدنيا وأحسن كما أحسن الله إليك ولا تبغ الفساد فى الأرض إن الله لا يحب المفسدين" القصص: 77
ولو كلفت نفسك بالنظر والتدبر فى الأحاديث الصحيحة الواردة عن سيدنا رسول الله صلى الله عليه وسلم، أو فى خطبه ووصاياه ستجد أنه صلى الله عليه وسلم انتهج نهج القرآن فى تذكير الناس.
ومثال ذلك فى خطبة الوداع، رغم أنه قال: اسمعوا منى لعلى لا ألقاكم بعد عامى هذا (يودعهم ويشير إلى قرب موته)، إلا أن خطبة الوداع كلها دعوة إلى الحياة بأخلاق الإسلام.. حقوق الزوجين - معالجة قضية الثأر الحفاظ على الأعراض والدماء والأموال- الأمانة.. إلخ.
هذا هو التوازن الذى نتعلمه من القرآن والسنة، وهذا هو السياق الذى يحرص السلفيون والشيعة دائماً على مخالفته، لصناعة ثقافة البكائيات الدينية والسيطرة بها على الناس الغلابة.
فالسلفيون والشيعة يحترفون صناعة البكائيات بالموت وبمن مات وبمن سيموت، وصدّروا صورة عن الإسلام أنه دعوة للموت.
ثانياً: أشرت سيادتك فى كلامك إلى الخوف.. من أيقن الموت خاف ومن أيقن الحساب خاف.
ومن قال لك إن اليقين يؤدى إلى الخوف؟.. عفواً.. اليقين يؤدى إلى الحب وليس إلى الخوف.
قال (صلى الله عليه وسلم) "من أحب لقاء الله أحب الله لقاءه".
والخوف فى القرآن لا يعنى الفزع، بل يعنى التجلى لله.." ولمن خاف مقام ربه جنتان"، انظر إلى كلمة "مقام ربه".. "يعنى التجلى لله"، والتجلى متعة روحية عظيمة لا تتعارض مع الحب.
فيتقلب الإنسان فى عبادته لربه بين متعة الحب لله، ومتعة التجلى لله، ليتحول الإنسان بهذه الطاقة إلى حب الحياة وحب نفسه وحب وطنه وحب العمل الصالح، ويحصنه الحب والتجلى من موت الضمير والتعدى على حدود الله.
أهدى هذا التعليق الذى أعتبره صواباً يحتمل الخطأ إلى السيد وزير الأوقاف والسادة الزملاء أئمة المساجد لتصحيح مسار الوعظ الدينى، كما أهديه لكل من يقرؤه.
انتهى الرد.
إن من يقوم بالوعظ والإفتاء أشبه ما يكون بالطاهى الذى يطهوا الطعام، فلابد من الدقة فى وضع المقادير وإلا سيتحول الطعام إلى وجبة غير سائغة أو يمكن أن تكون مسمومة. كذلك سوق الأدلة والنصوص بعشوائية يمكن أن تكون مادة سامة فكرياً وعاطفياً للناس.
- لايزال المجتمع يتعامل فى كثير من الأحيان مع المرأة على أنها أداة متعة وليست إنساناً كالرجل.. ولايزال اهتمام الخطاب الدينى الذى يهطل على هذا المجتمع فى كثير من الأحيان يتناول شهوتى البطن والفرج وما يتعلق بهما متجاهلا العقل والروح والنفس والقلب، ومتجاهلا العلم والحضارة.. وهذا مخالف لمنهج الرسول الأعظم صلى الله عليه وسلم، الذى استعان بزوجه السيدة خديجة عندما كان مزملاً مروعاً من نزول الوحى عليه لأول مرة! وساهمت السيدة خديجة فى التخفيف عنه وأسلمت وأعانته على نشر دعوة الإسلام بنفسها ومالها.
كما كانت أمهات المؤمنين يعلمن الناس الوحى تطبيقاً لقوله تعالى "وَٱذْكُرْنَ مَا يُتْلَىٰ فِى بُيُوتِكُنَّ مِنْ ءَايَٰتِ ٱللَّهِ وَٱلْحِكْمَةِ ۚ إِنَّ ٱللَّهَ كَانَ لَطِيفًا خَبِيرًا" الأحزاب 34
وقامت ألف صحابية بنقل القرآن والسنة إلى شباب التابعين، وكانت المرأة تزاحم الرجل فى عهد رسول الله فى كل عطاء للإسلام والأمة.
ومما يُذكر فى ذلك، أن أمِّ سلمة زوْج النبى - صلَّى الله عليه وسلَّم - أنَّها قالتْ للنبى - صلَّى الله عليه وسلَّم -: ما لنا لا نُذكر فى القرآن كما يُذكر الرجال، قالتْ: فلم يَرْعُنى - أي: يفزعنى ويُفاجئنى - منه يومئذٍ إلاَّ ونداؤه على المِنبر، قالت: وأنا أُسرِّح شعرى فلففتُ شعري، ثم خرجتُ إلى حجرة منحجر بيتي، فجعلتُ سمعى عندَ الجريد - معناه: أنها رفعت رأسَها إلى جهة الجريد الذى هو سقْف المسجد إذ ذاك لقُرْب النبى - صلَّى اللهعليه وسلَّم - منه وهو على المِنْبر؛ لكونه غيرَ مرتفع عن المنبر كثيرًا - فإذا هو يقولُ عندَ المنبر: "يا أيُّها الناس، إنَّ الله يقول فى كتابه: ﴿ إِنَّ الْمُسْلِمِينَ وَالْمُسْلِمَاتِ وَالْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ ﴾ إلى آخِر الآية ﴿ أَعَدَّ اللَّهُ لَهُمْ مَغْفِرَةً وَأَجْرًا عَظِيمًا ﴾ [الأحزاب: 35]
- لا تزال مشكلات الطلاق مهدد خطير للمجتمع المصرى على المستوى الاجتماعى، ولابد من دراسة أسباب الطلاق ومعالجتها على الفور وليس على التراخى.
وسأفرد لهذا الموضوع عدة مقالات مقبلة بإذن الله.
والله من وراء القصد وهو الهادى إلى سواء السبيل