رئيس مجلس الادارة

عمــر أحمــد ســامي

رئيس التحرير

طــــه فرغــــلي


إفطار ريفى.. وسحور مصرى تقليدى د.سالم عبدالجليل: الإنسان الصائم «ملاك حقيقى»

29-5-2017 | 11:09


حوار: دعاء نافع
تصوير: سامح كامل
علي أبواب الشهر الكريم، التقينا بأحد «أطباء الروح»، الذين منحهم الله الرؤية والبصيرة، وأورثهم علوم الأنبياء، ليقدم لنا رؤية وسطية لفكرة الصيام، ويروي طرفا من حكاياته معه.
الدكتور سالم عبدالجليل، من القرية المصرية بتقاليدها الروحانية الجميلة، إلي الأزهر بميراثه الوسطي المستنير.. وإطلالة علي رمضان.
● بداية ما هى النشأة التى شكلت شخصيتكم؟
- أدين لله عز وجل بالفضل جعلنى من أسرة ريفية بسيطة، وهذه البساطة كانت السبب فيما أنا فيه الآن، أشعر بالمسكين والفقير والمكافح وأعرف قيمة الأب الذى يعمل بشرف وضمير، وأعلم قيمة الأم التى تضحي، كنا ثلاثة أولاد نعيش حياة بسيطة، ولكن كان لدى أمى قناعة أن التعليم هو مفتاح الحياة وأن خدمة الوطن شرف، لا أنسى كلمات أمى «يوم ما تكبروا وتروحوا الجيش هزغرد»، أدين لأبى وأمى لأنهما علمونا الحساب على الطريقة الريفية فأصبحنا نجيده أفضل من كل الآلات الحديثة، تربيت فى أسرة القيم والأخلاق بالنسبة لها هى الحياة، تعلمت ألا آخذ شيئاً ليس من حقى، وتعلمت أن الفقر ليس عيباً بل العيب هو الجهل، ومن الفقر تعلمت الكثير وأدركت أنه قدر يمكن أن يتغير بالعمل، توفيت أمى وأنا فى الثانوية العامة فكان كلامها وما بثته بداخلى دستوراً لى ولأخواتى أما والدى رحمة الله عليه فقد شاهدنى وأنا أحصل على الدكتوراه وشاهدنى وأنا إمام وخطيب وعندما بدأت أشتهر لا أنسى جملة قالها لى: «لا تغرك المناصب، ولكن أعمل دائماً بزهد».
● كيف نستعيد وسطية وسماحة الإسلام وننقلها إلي الأجيال القادمة بعيدا عن أئمة ومشايخ التطرف؟
- الأسرة هى أساس النشأة، فالأب والأم هما الأساس فى صناعة الشخص وتشكيل تفكيره، وبداية لابد من الاهتمام بالتعليم أكثر حتي من  الطعام، ووسطية الدين  تبدأ من خلال أسرة تغرس فى أولادها أن كل الناس سواسية، أتذكر أنه كان فى قريتنا أغنياء وفقراء مسلمين ومسيحيين وكلنا سواسية بلا عصبيات، نشعر ببعض، وساعد على ذلك التعليم الأزهرى فهو قمة احترام الآخر، تربينا على مناهج إسلامية لا ترفض بعضها البعض، ومن هنا كانت السماحة، لذا فالأزهر هو المنبر الأول لإخراج علماء دين وسطيين وإن كان بحاجة الآن  وبكل صراحة لبعض التعديلات فالعدد فى الأزهر كبير جداً، أكثر من ثمانية آلاف معهد أزهرى فى كل محافظات مصر بلا  إمكانيات كافية، وأقترح أن تتقلص هذه المعاهد لتصبح مثلا مائة معهد فى كل المحافظات، وتكون الدراسة من مرحلة ما قبل المدرسة، ويكون طلبتها  مدركين أنهم سيكونون (علماء دين) بجانب دراسة  العلوم الأخرى، وتكون   الدراسة داخلية يخرج منها شخص أنافس به الدنيا  علما وثقافة،  بعيدا عن التطرف.
● نحن مقبلون على شهر رمضان فماذا يعنى لك.. وكيف نغتنم هذا الشهر الكريم؟
- رمضان يعود بى لطفولتى، كنا جيل نتعود على الصيام من الصغر، وهذا  درس مهم، وكان اليوم وقتها  طويلا وحاراً ولا توجد مراوح أو تكييفات، وكان الشيء الممتع  لنا ونحن صغار أن عمدة القرية يستضيف قارئ طوال شهر رمضان يصلى بنا العشاء والتراويح، وكنا نجتمع كل أبناء القرية لمشاهدة التلفاز الذي كان موجودا فى بيوت محدودة فى القرية تفتح أبوابها لكل الأبناء بمحبة وحب، وعندما انتقلت للقاهرة ومع مرحلة عمرية أخرى أصبح كل يوم من أيام رمضان وكأنه «عمرة» وأنا إمام فى المسجد للصلاة فمثلما تهلك العربة من مشاوير السنة يهلك الإنسان نفسياً وجسدياً ويأتى رمضان كعمرة أو كمركز صيانة فهو طبيب خاص لكل منا وهو مثل التأمين الشامل للسيارة، تأمين شامل متكامل للإنسان ولمن يفهم رمضان جيداً، نعم رمضان قد يكون تعباً وعملاً وعبادة وقلة نوم، ولكنه ميلاد جديد للإنسان، وعندما قال الرسول الكريم (صوموا تصحوا) كان  يقصد  صحة البدن و النفس ، فالعبادة نفسها مصحة نفسية، وقد قال الله فى كتابه (ألا بذكر الله تطمئن القلوب) ورمضان كله ذكر وقرآن وقيام الليل وصوم عن الرذيلة ولغو الحديث والغيبة، رمضان سكينة واغتسال داخلى، فالإنسان فى حالة صيامه ملاك حقيقى.
● أول شهر رمضان الرحمة ومنتصفه المغفرة وآخره عتق من النار كيف نكون ممن رحموا وغفر لهم وعتقوا من النار؟
- عندما يدخل الإنسان رمضان ولديه  نية حقيقية للصوم وأمله كبير فى الله بالرحمة والمغفرة والعتق من النار، فقد ضمنهم وعند الإلحاح فى السجود والقيام وتلاوة القرآن فى طلب المغفرة والرحمة والصفح يستجيب الله وهذا ما يفسر حديث الرسول الكريم (من صام رمضان إيماناً واحتساباً غفر له..) فالصيام ليس فقط عن الطعام والشراب بل عن كل ما نهى الله عنه، واعتكاف العشر الأواخر أو جزء منهم حتى لو فى البيت لالتماس ليلة القدر يضمن الجنة، ولابد قبل الدخول فى الصيام أن يطلب الإنسان من ربه العفو وأن ينقى قلبه تجاه كل الناس
● كيف تقضي  يومك فى رمضان أو هل تساعد زوجتك فى إعداد الطعام؟ وما أحب الأطعمة لديك؟
- مثل أى شخص أذهب لعملى سواء محاضرات أو إشراف على امتحانات، كما أدرس فى أحد الجامعات الخاصة مادة (الثقافة الإسلامية) بجانب العمل فى برنامجى التليفزيونى ، وغالباً وبكل أسف أفطر معظم الشهر خارج المنزل وأصلى التراويح إماما  فى أحد المساجد الكبرى وأتسحر وأصلى الفجر وأنام ساعات قليلة بعد الفجر، وهنا أؤكد إنه لولا زوجتى أكرمها الله لانفرط البيت فعليها العبء الأكبر فى تربية أولادى، وعندما أفطر مع أسرتى أساعد زوجتى فى تحضير مائدة الطعام ووضع الصحون وتنظيف المائدة بعد تناول الإفطار ولو استطعت لغسلت الصحون  اقتداءً برسول الله الذي كان  فى خدمة أهله، وهنا أقول لكل الرجال ساعدوا زوجاتكم فى شئون المنزل لو كان لديكم الوقت، أما عن أحب الأطعمة لى، فبحكم نشأتى الريفية أحب الخضار مع الأرز مع قطعة صغيرة من اللحم وطبق السلاطة مع سلاطة الزبادى أمر مهم جداً فى الفطار، وبطبيعتى أتناول كميات قليلة من الطعام على فطور رمضان وهذا يساعد على الصلاة بنشاط فنحن قوم لابد أن نعمل بوصية حبيبنا سيدنا محمد ثلث للطعام وثلث للشراب وثلث للنفس وكل الأطباء أكدوا مدى فائدة هذه النصيحة النبوية طبياً فالأكل الزائد الدسم بعد صيام يوم يؤدى لتخمة وكسل وعدم قدرة على قيام الليل مع الإصابة بالأمراض.
أما فى السحور فهو سحور المصريين الطبيعى فول وممكن أتناول خضار مع الزبادى، وبطبيعتى لا أميل لأكل الحلويات وأفضل تناول التمر عن الخشاف.
● كلمة توجهها في ختام حوارنا ؟
- أتمني أن نقبل على الأيام القادمة بفرحة الصغار ونقاء الأتقياء والأهل فى الله بأن يتقبل منا الصيام والقيام وصالح الأعمال.