رئيس مجلس الادارة

عمــر أحمــد ســامي

رئيس التحرير

طــــه فرغــــلي


رمضان كريم

29-5-2017 | 12:36


علي مر العام يأتي رمضان، تصحبه ذكريات، وتتفجر حوله حياة ألفها الناس ومظاهر عرفوها. أن رمضان يفعل الكثير ويترك ذكريات تعيش في أذهان الناس، ويحييها كلما جاء. وهذه طائفة من ذكريات فناناتنا وفنانينا عن رمضان.

الفنانة أمينة رزق، سافرت مع فرقة يوسف وهبى إلى الشام في أول رمضان ذات عام، ولم تنس أبداً هذا اليوم من رمضان. لقد روت القصة قائلة:

- منذ أكثر من ربع قرن، تعرضت فرقة رمسيس لازمة شديدة، ورأى عميدها يوسف وهبى أن تقوم الفرقة برحلة إلي سوريا وكنا نسميها "الشام" كحل للأزمة، وكانت المناسبة التى أختارها للرحلة هى: رمضان المبارك. وسافرنا من القاهرة قبل شهر الصيام بيوم واحد، وركبنا البحر إلي سوريا لنصلها بعد يومين وقضينا الليل فى الميناء، وفى الصباح التالى أخذنا السيارة إلى دمشق فى طريق جبلى وعر. وفاجأتنا عاصفة مطيرة وتعذر على السيارة أن تسير، واشتد البرد وبدأنا نقاسى متاعب جمة. وكان طبيعيا أن نفطر، فقد اتفقنا جميعا على أن إفطارنا "شرعى" لأننا على سفر. وتوقف المطر بعد فترة، واخرج بعضنا "الترموس" ليشرب الشاى طلبا للدفء ربما يتم اصلاح السيارة، وفجأة وجدنا أنفسنا محاطين برجال الشرطة وأسلحتهم مشرعة، وجاء كبيرهم يطلب منا أن نذهب معه إلى الحاكم الذى ما كاد يسأل رئيس الشرطة عن سبب إحضارنا، ويعرف أننا كنا مفطرين علانية حتى قال لنا: "نرجوكم أن تراعوا حرمة الشهر الكريم وتحافظوا على الشعور العام، لا أحد يفطر عندنا مطلقا".

وتركنا الحاكم وانصرف، وشعرنا جميعا بنوبة من الخجل الشديد، ولكنا تعلمنا أن نكون مثالا طيبا للمحافظة على شعور الصائمين.

وفاتن حمامة، كانت طفلة صغيرة يوم عملت مع عبدالوهاب فى فيلم "يوم سعيد" ولكنها كانت تصر على أن تصوم، ووجدت عبدالوهاب مفطرا مرة فبكت، أن "فاتن" تروى هذه القصة قائلة:

- كانت تصوير فيلم "يوم سعيد" يجرى فى رمضان، وكنت فى الثامنة من عمرى ولكنى كنت حريصة على أن أصوم مشاركة منى للكبار فى الاحتفال برمضان، وسألنى عبدالوهاب ذات يوم: "أنت صايمة يافاتن؟!" وعندما هززت رأسى ايجابا قال لى : "وأنا كمان صايم". وفى نفس اليوم كان عبدالوهاب يصور مشهدا يغنى فيه، وتكرر غلطه، وتكرر صياح المخرج كريم واعادته لتصوير المشهد وكان عبدالوهاب يعتذر قائلا إن الصيام هو السبب.

وفى اليوم التالى دخلت البلاتوه، وجلست مع عبدالوهاب نتحدث، وفوجئت "بالجرسون" يحمل إليه قدحاً من الشاى وقطعا من الجاتوه، وصحت فى عبدالوهاب:

- أنت فاطر. مالكش حق!

وبكيت يومها لان عبدالوهاب كان قد أفطر.

وسميرة أحمد لا تفطر رغم متاعب العمل أمام الكاميرا، وقسوته مع الصوم، ولكنها تفوقت مرة لانها مثلت وهى صائمة. وروت سميرة القصة قائلة:

- كنا نعمل فى فيلم "من عرق جبينى". وكان الوقت صيفا وكنا فى رمضان، وأنا أحرص على الصيام مهما تحملت من قسوة العمل فى الاستديو، واقتضى العمل فى الفيلم تصوير أحد المشاهد فى الريف، وكان على أن أظهر فى المشهد وأنا أجرى بعد انقلاب سيارة لورى، وبدأنا التصوير،، وبدأت أجرى وأنا صائمة، وكنت ألهث من الجرى، وأسقط وأنهض من شدة التعب وتأثير الصيام، والكاميرا من أمامى وخلفى تصورنى من زوايا مختلفة، وارهقنى الجرى فسقطت مغشيا علىّ. وصفق لى الجميع وقال لى المخرج أنه لو أراد أن يصور هذا المشهد ثانية لما استطاع أن يجعله طبيعيا هكذا. والفضل فى نجاحى فى تمثيله للصيام.

وذات عام، فوجئت نعيمة عاكف بهذه الحادثة الطريفة التي ترويها قائلة:

- طرق الباب مرة، وخرجت لافتحه فإذا بى أجد شابا يرتدى الملابس البلدية ويحمل "لفة" من قمر الدين، واعتقدت أنه بائع متجول يطوف بالبيوت ليبيع قمر الدين، وكنا فى اليوم الأول من رمضان، ولكنى سألته عن سبب حضوره فأخبرنى أنه معجب بى جدا ويريد منى أن أعطيه صورة موقعة منى، وأعطيته الصورة، ووقعت له على لفة قمر الدين كما أراد، وفوجئت بالشاب يجلس على السلم ويمضى فى أكل القمر الدين بعد أن وضع صورتى داخل اللفة، وكنت أراقبه دهشة حى أنتهى من أكله، ثم نظر إلى مبتسما وقال: "أنا أكلتك بالقمر الدين".. وتذكرت أننا فى أول أيام رمضان فصرخت فيه: "الله أنت فاطر؟". ولكنه كان قد بدأ يقفز السلم ليختفى عن بصرى.

وكمال الشناوى، كان فى بداية حياته الفنية، ودعى لتناول الافطار فى مصر الجديدة، ولم يكن يملك سيارة فركب المترو، ووقعت له هذه الحادثة الطريفة قال كمال:

- ركبت المترو، وفى إحدى المحطات صعدت سيدة، وبان عليها التعب والارهاق من الصيام لاشك، فقمت متنازلا لها عن مقعدى، ولاول مرة أحس بمتاعب الصيام فقد كانت حركات المترو تأتينى بالغثيان، وفوجئت بالسيدة التى تنازلت لها عن مقعدى تخرج علبة سجاير وتشعل واحدة لتمضى تدخنها فى شراهة، وتملكنى الغيظ فمددت يدى لانتزع السيجارة من فمها وألقيها من النافذة دون أن أتكلم، ووجهت إلى نظرات غاضبة ومضت تتمتم، وإذا بكل الركاب ينهالون عليها تقريعا ولوما: بل إن أحدهم سلقها بعبارات قاسية مما جعلها تشتبك معه فى مشاجرة، وخلا المقعد الذى تنازلت لها عنه ظنا منى أنها متعبة من الصيام فاستعدته، وانتهت المشاجرة وعادت تطلب منى أن أتخلى لها عن المقعد من جديد ورفضت طبعا وأنا أقول:

- أنا تنازلت عنه لأنى كنت فاكرك صايمة.

الكواكب 397 - 10 مارس 1959