د. هبة سعد الدين,
بمجرد عرض المسلسل الكورى الجنوبى "لعبة الحبار" على منصة نيتيفلكس فى موسمه الأول ذى التسع حلقات ، توالت الأحداث على مستوى العالم ؛ خاصة أن الثقافة الكورية بدأت تقتحم العالم منذ عامين.
هذا المسلسل الذى حقق النجاح وتصدر المشاهدات فى كل دول العالم حتى أنه أصبح الأول على المواقع وتصدر قائمة العشرة الاوائل فى الولايات المتحدة، لدرجة أن المشاهدين وصفوا المتابعة للاعمال الكورية بأنها "ادمان" ، ذلك ماجعل منصة نيتيفلكس تخصص ٥٠٠ مليار دولار للانتاج الكورى.
كل ذلك يطرح اسئلة حول الدراما الكورية بشكل عام والمسلسل بصورة خاصة وسر ذلك النجاح ؟
فكرة المسلسل تثير الخيال والاثارة والتشويق رغم العنف المبالغ فى عرضه وكثرة مشاهد الدماء التى أخرت انتاج المسلسل عشر سنوات ، فقد قال مؤلفه "دونغ هيوك" إنه بدأ التخطيط لكتابته منذ عام ٢٠٠٨ وبدأ فعلياً منذ ٢٠٠٩ ، ولكن انتاج المسلسل وعرضه هو الذى استغرق هذه السنوات ؛ نظراً للخوف من الدموية المبالغ فيها والغموض والفكرة غير المألوفة التى جعلت "لعبة" تتحمل كل هذه الدماء والأفكار.
فكرة المسلسل تعتمد على مشاركة ٢٥٦ انسان فى ست ألعاب للحصول على أكثر من ٣٥٠ مليار ون وهى العملة الكورية ، هؤلاء الأشخاص يشتركون فى انسحاقهم أمام مشكلات الحياة ومعاناتهم الانسانية وتراكم الديون عليهم مما جعلهم عاجزين عن فعل أى شىء ؛ والمفارقة أن خسارة اللعبة تعنى نهاية حياتهم التى فوجئوا بها فى اللعبة الأولى!
وعلى الرغم من خروجهم من اللعبة ؛ إلا أنهم عادوا بإرادتهم للمشاركة من جديد ولكن هذه المرة كانوا يدركون الثمن! فقد فوجئوا بعد عودتهم لحياتهم أنهم عاجزين عن فعل أى شىء وأن حياة كل منهم لاتختلف عن مصير الموت ، ولذلك رغم أن عودتهم منطقياً بكامل إرادتهم إلا أنها ارادة "العجز" والانسحاق إمام شروط الحياة ؛ التى أجبرت الجميع على ارتكاب الخطايا ؛ فقد كانت "اللعبة" اختيار مابين حياتى وحياة الآخرين !، وهذا ما أثرى الدراما فى المسلسل ليجعل الجمهور يرتبط بالجوانب الانسانية لهؤلاء الاشخاص ويصعب عليه الاختيار مابين حياة هذا أو ذاك ، ورغم ظهور المجتمع الكورى بكافة تفاصيله البعيدة عن المجتمعات الأخرى ، إلا أن المأساة الانسانية جمعت مابين الجميع.
لم تكن "اللعبة" فائز ومهزوم ؛ بل هزيمة للجميع على كافة المستويات ؛ فالموت خلاص يراه الجميع راحة من هزائمهم المتوالية فى الحياة ، والفوز ليس انتصاراً وخطوة للوصول إلى المليارات القادرة على حل المشكلات ؛ بل هزائم انسانية وأموال ملوثة بالدماء هى وجه الحياة القبيح ؛ فرغم فوز البطل إلا أنه لم يقترب من أمواله لمدة عام واستمر حاله كما هو !
لقد برع فريق العمل فى كافة التفاصيل ؛ فكل جزء تم اختياره بعناية ليصنع المسلسل فى كل حلقة حالة من التناغم فى الأداء والموسيقى والتمثيل والديكور وكافة أدوات الدراما التليفزيونية ليخلق ايقاعاً خاصاً ؛ حتى أنه تم اختيار التصاميم والديكورات والملابس كتيمة لاحدى المحطات فى كوريا الجنوبية.
نجاح المسلسل ألقى بظلاله السياسية لدرجة إصدار كوريا الشمالية تشريعات بالحبس والغرامة لمن يتابع بأى صورة مايتعلق بثقافة كوريا الجنوبية ، واستغلت ايران ذلك فطالبت بأموالها المجمدة لدى كوريا الجنوبية حتى تسمح بعرض تلك الثقافة على أرضها ، وأخيراً طالب الجمهور بموسم ثانى من الأحداث الذى رأى مؤلف العمل أن مجرد التفكير فى ذلك يبعث على الارهاق!
مسلسل "لعبة الحبار" سبقه النجاح الكبير الذى حققته فرقة البوب الكورية "بى تى اس" وفوز فيلم "باراسيت" بالسعفة الذهبية فى مهرجان كان والاوسكار ، وأصبح مؤشر البحث يضع فى المقدمة كوريا الجنوبية ؛ كل ذلك يجعلنا ندرك أننا أمام خطوات تتوالى وسيتبعها المزيد.