رئيس مجلس الادارة

عمــر أحمــد ســامي

رئيس التحرير

طــــه فرغــــلي


ذكرى ميلاد نبي الُحب

15-10-2021 | 09:58


أحمد تركى,

كثيراً ما تمنيت وأنا أدرس سيرة رسول الله- صلي الله عليه وسلم- أن لو كنت واحداً من أصحابه، أو حتي من خدمه، فقد ملأ الحبيب كل مساحة شعوري ووعي إعجاباً بخلقه ورحمته وحكمته وعظمته وسماحته.

هذا الشعور الفائر بحب سيدنا رسول الله يتعاظم كل يوم، ويزداد بالتبعية شوقي للقياه يوم القيامة وأن أكون تحت لوائه بعدما حُرمت ذلك في الدنيا، عساي أن أكون من هؤلاء الذين قال الله تعالي في شأنهم: ( يَوْمَ لَا يُخْزِي اللَّهُ النَّبِيَّ وَالَّذِينَ آمَنُوا مَعَهُ ۖ نُورُهُمْ يَسْعَىٰ بَيْنَ أَيْدِيهِمْ وَبِأَيْمَانِهِمْ يَقُولُونَ رَبَّنَا أَتْمِمْ لَنَا نُورَنَا وَاغْفِرْ لَنَا ۖ إِنَّكَ عَلَىٰ كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ). التحريم :   ٨

 

إن شوق المحبين لرسول الله - صلي الله عليه وسلم - شعورٌ متبادل بينهم وبينه حتي بعد انتقاله الي الرفيق الأعلي وإن لم يروه أو يعاصروه، (فقد روي الإمام مسلم في صحيحه عن أبي هريرة - رضي الله عنه- أن رسول الله - صلي الله عليه وسلم - أتي المقبرة فقال : السلام عليكم دار قوم مؤمنين ، وإنا إن شاء الله بكم لاحقون ، وددنا أنّا قد رأينا إخواننا ؟!! ، قالوا: أو لسنا إخوانك يارسول الله؟ ، قال: أنتم أصحابي ، وإخواننا الذين لم يأتوا بعد)، (وفي رواية أخري قال: من أشد أمتي لي حباً أناسٌ  يكونون بعدي  يودُّ  أحدهم لو رآني بأهله وماله ).

هذا الشعور الفائر بالحب يدفعني إلي أن أتجرأ وأقول لسيدنا النبي !!

 

لماذا ودعتنا؟! لقد خيّرك ربك بين أن تبقي ، وبين أن تنتقل إلي الرفيق الأعلي ؟!! فاخترت الرفيق الأعلي ، العالم في حاجة إليك !! وأنا يا سيدي في حاجة إلي نظرة منك !  الي رحمتك !! إلي أن أكون بين يدك الحانية ولو لثانية واحدة !؟؟

 

قلبي يارسول الله أولي من الجذع الذي حنّ لفراقك وانتحب باكياً وما سكت حتي وضعت يدك الشريفة عليه!!

 

لو كنت بيننا ما تركت قلباً حزيناً أو جريحاً .

 

لو كنت بيننا ما تركت أمتك تتيه في الضلال والظلام ؟!!

 

لو كنت بيننا لحلّ السلام الأرض كلها!!.

 

عذراً يا رسول علي جرأتي في مناجاتك، وسأصبر بشوقي إليك حتي ألقاك يا حبيبي وسيدي.

وأعود إليك عزيزى القارئ  لنتذكر ميلاد سيدنا محمد نبى الُحب، الذى أحب ربه حتى قال العرب عنه " لقد عشق محمد ربه "

وكان صلى الله عليه وسلم : يناجى ربه " اللهم ارزقنى حبك وحب من أحبك وحب ما يقربنى إلى حبك واجعل حبك أحب إلىّ من الماء البارد "

كانت مناجاته لربه وأدعيته وعبادته كلها محبة لله ،،،،

لدرجة أنه كان يقوم الليل حتى تتورم قدماه شوقاً للقاء الله فى صلاته ، وتقول له السيدة عائشة يارسول الله لقد غفر لك؟ فيقول أفلا أكون عبداً شكوراً ؟. 

يعنى أن صلاتى ليست طلباً للمغفرة أو خوفاً من عذاب !

بل صلاتى لقاء المحب بالحبيب !

 

وكان الصحابة ـ رضي الله عنهم ـ يحبون النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ كأشد ما يكون الحب ، قال عروة بن مسعود الثقفي ـ رضي الله عنه ـ لقريش بعد أن رجع من مفاوضة النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ في صلح الحديبية: (.. والله لقد وفدت على الملوك ووفدت على قيصر وكسرى والنجاشي والله إنْ رأيت ملكا قَطْ يعظمه أصحابه ما يعظم أصحاب محمد محمدا، والله إن تنخم نخامة إلا وقعت في كف رجل منهم فدلك بها وجهه وجلده، وإذا أمرهم ابتدروا أمره، وإذا توضأ كادوا يقتتلون على وضوئه، وإذا تكلم خفضوا أصواتهم عنده، وما يحدون إليه النظر تعظيما له .. ) رواه البخارى .

وكان أبو سفيان ـ رضي الله عنه ـ قبل إسلامه يقول: "ما رأيت من الناس أحداً يحب أحداً كحب أصحاب محمد محمداً" .

وبعد انتقال سيدنا رسول الله إلى الرفيق الأعلى امتنع بلال الحبشى عن الأذان ! لأنه ما كان يطيق أن يؤذن ورسول الله غائب عن الصلاة !

 

فقد ذهب بلال إلى أبي بكر -رضي الله عنه- بعد موت رسول الله صلى الله عليه وسلم. يقول له: يا خليفة رسول الله، إني سمعت رسول الله -صلَّى الله عليه وسلَّم- يقول: أفضل عمل المؤمن الجهاد في سبيل الله، قال له أبو بكر: فما تشاء يا بلال؟ قال: أردت أن أرابط في سبيل الله حتى أموت، قال أبو بكر: ومَن يؤذِّن لنا؟ قال بلال وعيناه تفيضان من الدَّمع: إني لا أؤذِّن لأحد بعد رسول الله -صلى الله عليه وسلم-، قال أبو بكر: بل ابقَ، وأذِّن لنا يا بلال، قال بلال: إن كنت قد أعتقتني لأكون لك، فليكن ما تريد، وإن كنت أعتقتني لله، فدعني وما أعتقتني له، قال أبو بكر: بل أعتقتك لله يا بلال، فسافر إلى الشام حيث بقِي مرابطًا ومجاهدًا يقول عن نفسه: لم أُطق أن أبقى في المدينة بعد وفاة الرسول -صلى الله عليه وسلم-، وكان إذا أراد أن يؤذِّن، وجاء إلى: أشهد أن محمدًا رسول الله تخنُقه عَبْرتُه، فيبكي، فمضى إلى الشام، وذهب مع المجاهدين، وبعد سنين رأى بلال النبي -صلَّى الله عليه وسلَّم- في منامه، وهو يقول: ما هذه الجفوةُ يا بلال؟! ما آن لك أن تزورنا؟! فانتبه حزينًا، فركب إلى المدينة.

 فأتى قبر النبي -صلَّى الله عليه وسلَّم- وجعل يبكي عنده، ويتمرَّغ عليه، فأقبل الحسن والحسين، فجعل يقبلهما ويضمهما، فقالا له: نشتهي أن تؤذِّن يا بلال ، فعلَا سطح المسجد، فلمَّا قال: الله أكبر الله أكبر، ارتجَّت المدينة، فلمَّا قال: أشهد أن لا إله إلا الله، زادت رجَّتها، فلمَّا قال: أشهد أنَّ محمدًا رسول الله، خرج النساء من خدورهنَّ، فما رُؤي يومٌ أكثر باكيًا وباكية من ذلك اليوم، وعندما زار الشام أمير المؤمنين عمر -رضي الله عنه- توسَّل المسلمون إليه أن يحمل بلالًا على أن يؤذِّن لهم صلاة واحدة، ودعا أمير المؤمنين بلالًا، وقد حان وقت الصلاة، ورجاه أن يؤذن لهم، وصعِد بلال، وأذن، فبكى الصحابة الذين كانوا أدركوا رسول الله -صلَّى الله عليه وسلَّم- وبلال يؤذِّن، بكوا كما لم يبكوا من قبل أبدًا، وكان عمر أشدَّهم بكاءً، وعند وفاته تبكي زوجته بجواره، فيقول: لا تبكي، غدًا نَلقَى الأحبَّة، محمدًا وصحْبَه.

 

وفى ذكرى مولد نبي الحب أقول: لقد علمنا صلى الله عليه وسلم  أن الله تعالى سيرحمنا  بحبنا لله ورسوله رغم تقصيرنا في الطاعة والعبادة !!

 

"فعن أنس بن مالك - رضي الله عنه -: «أَن رجلاً سأل النبيَّ - صلى الله عليه وسلم- عن الساعة، فقال: متى الساعةُ؟ قال: وما أعددتَ لها؟ قال: لا شيء، إِلا أَنَّي أُحِبُّ اللهَ ورسولَه، فقال: أنتَ مع مَن أحببتَ، قال أنس: فما فرحنا بشيء فَرَحَنا بقول النبيِّ - صلى الله عليه وسلم-: أنتَ مع مَنْ أحببتَ، قال أنس: فأنا أُحِبُّ النبيَّ - صلى الله عليه وسلم- وأبا بكر وعمرَ، وأرجو أن أَكونَ معهم بحُبِّي إِياهم، وإِن لم أعمَلْ أعمَالَهُم» .

 

وفى رواية أخرى..  قال أنس فما وجدت المسلمين فرحو بشيء قدر فرحهم بذلك .....

 

يقول مولانا جلال الدين الرومي :

" هناك سبلٌ كثيرة كى تصل إلى الله، وأنا اخترت الحب لأصل إليه"

فالإيمان بالله في أساسه حب الله ،،، إذا أحببته من كل قلبك أطعته بكل قواك،،

قال تعالى : والذين آمنوا أشد حباً لله  165 البقرة

 

وعن أسباب الحب يقول الإمام أبى حامد الغزالى : ترجع أقسام الحب إلى خمسة أسباب:

1 ـ وهو حب الإنسان وجود نفسه وكماله وبقائه.

2 ـ وحبه من أحسن إليه فيما يرجع إلى دوام وجوده، ويعين على بقائه ودفع المهلكات عنه.

3 ـ وحبه من كان محسنا في نفسه إلى الناس وإن لم يكن محسنا إليه.

4 ـ وحبه لكل ما هو جميل في ذاته، سواء كان من الصور الظاهرة أو الباطنة. 

5 ـ وحبه لمن بينه وبينه مناسبة خفية في الباطن

 

وكل هذه الأسباب قائمة بين العبد وربه، فوجود الإنسان مرتبط بإرادة الله وفضله على عبده، وإحسانه، وجميل عطائه فضلاً عن الروح التي تهفوا دائماً إلى الأنس بخالقها تبارك وتعالى ،،،

فالله تعالى هو المستحق الأوحد بمحبتنا،،، ومحبة الله سبب من أسباب محبة العبد لعمله وحياته والنَّاس أجمعين ،،

وكل الأسباب السابقة قائمة بيننا وبين رسول الله، فلذلك أحببناه من كل قلوبنا ،،،

وهذا يدفعنا إلى الاقتداء به ونشر منهجه ورسالته بين العالمين.

لقد زرع رسول الله صلى الله عليه وسلم سرّ الحب بين الناس ! ، وعلمنا أنه سر العبادة والنجاح والحضارة والأمان ،،،

وعلمنا أن كل نجاح وتفوق وتميز في هذه الحياة  أساسه الحب ؟!

فالأولياء  أحبوا الله  فأطاعوه ،،

والفلاسفة أحبوا الحقيقة فترهبنوا فى رحابها ،،

والأبطال أحبوا وطنهم فبذلوا أرواحهم دفاعاً عنه ،،

والعلماء أحبوا الاكتشاف  فبذلوا كل حياتهم للعلم ،،

والمحسنون أحبوا العطاء فنشروا احسانهم بغير حساب ،،

فمن أراد الوصول عليه بالطريق المختصر.  " الحب "

 

روى البخاري في صحيحه بسنده عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ -رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ- قَالَ: قَالَ رَسُول اللَّهِ: صلى الله عليه وسلم ( إِنَّ اللَّهَ -تَبَارَكَ وَتَعَالَى- إِذَا أَحَبَّ عَبْدًا نَادَى جِبْرِيلَ: إِنَّ اللَّهَ قَدْ أَحَبَّ فُلَانًا فَأَحِبَّهُ، فَيُحِبُّهُ جِبْرِيلُ، ثُمَّ يُنَادِي جِبْرِيلُ فِي السَّماء: إِنَّ اللَّهَ قَدْ أَحَب فُلَانًا فَأَحِبُّوهُ، فَيُحِبُّهُ أَهْلُ السَّمَاءِ، وَيُوضَعُ لَهُ الْقَبُولُ فِي أَهْلِ الْأرَضِ ) ......

 

اللهم ان لم تدم طاعتنا لك ! ، فقد دامت محبتنا

اللهم ارحمنا بحبك وحب نبيك وأدخلنا الجنة برحمتك. 

وصل اللهم وسلم وبارك على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.

الشيخ / أحمد تركى.