د. شحاتة غريب,
منذ أن بدأت أزمة السد الإثيوبي، والتى تسببت فيها الإدارة الإثيوبية، نظراً لتعنت آبى أحمد، وغبائه السياسي، نجد مصر والسودان تبحثان عن الحل، رغم أنهما ليسا صانعى الأزمة، وبدلاً من أن تُحسن الإدارة الإثيوبية النوايا، بحثاً عن حل عادل ومنصف للأزمة، نجدها تضرب بعرض الحائط كل المحاولات التى تسعى لنجاح عملية التفاوض، أملاً فى وضع قواعد واضحة تحمى حقوق كافة الأطراف، وتضمن الاستقرار فى المنطقة!
فلقد قدم الجانب المصرى العديد من المقترحات التى تصب فى صالح كافة الأطراف المعنية، ولكن قوبلت بالفرض كل هذه المقترحات من الجانب الإثيوبي، وإن لم يكن إعلان الرفض صريحاً، إلا أن أساليب الخداع، والمماطلة، التى اتبعها آبى أحمد، ألقت بكل الحلول المقترحة فى غيابات الجُب، مما أدى إلى تأزم الموقف، وتفاقم الخلافات بين الأطراف المعنية، إلى أن وصل الأمر إلى طرح فكرة الخيار العسكرى من قبل بعض المراقبين، كحل أخير لأزمة السد!
فلم تتوانى القيادة السياسية المصرية لحظة واحدة، فى القيام بواجبها الوطنى دفاعاً عن الأمن المائى المصري، وحماية حقوق الشعب السوداني، وكلفت الخارجية المصرية للقيام بالعديد من الجولات فى المحيط الإفريقي، إيماناً بانتمائنا الغالى للقارة السمراء، لحث القادة الأفارقة على التدخل، حتى لا يأخذنا التعنت الإثيوبى إلى خيارات إجبارية، قد تقود المنطقة إلى حروب عنيفة نجهل عقباها!
وإن لم يقم الاتحاد الإفريقى بدوره كما ينبغى أن يكون، حفاظاً على السلام الإفريقي، إلا أن القيادة السياسية المصرية، حرصت على عدم الخروج من الحضن الإفريقي، وأن يكون الحل إفريقياً، ولكن للأسف وضعت الإدارة الإثيوبية كافة العراقيل، كى تُفشل الاتحاد الإفريقى فى مهمته، وكلما اقترب الطريق وصولاً إلى حل عادل للأزمة، اختلقت إدارة آبى أحمد عدة ذرائع واهية، لإفشال عملية التفاوض!
وقد اضطرت مصر إلى اللجوء إلى مجلس الأمن، حتى لا يلومها المجتمع الدولي، عند اتخاذ أى خيار حفاظاً على أمنها القومي، ولم يكن لجوء مصر إلى الأمم المتحدة إنكاراً منها للدور الإفريقي، أو تقليلاً من شأن القادة الأفارقة، الذين تدخلوا فى عملية التفاوض، ولكن قد كان لجوء مصر إلى مجلس الأمن معبراً عن رغبتها فى عدم ضياع أى فرصة، وصولاً إلى حل عادل، وأن يتم التوقيع من قبل الأطراف المعنية على اتفاق قانونى ملزم، يضمن الاستقرار لشعوب المنطقة!
ويمكننا القول فى هذا الصدد، أن لجوء مصر إلى مجلس الأمن قد كان داعماً للجهد الإفريقي، كى تتضافر جهود كافة الدول لحلحلة أزمة السد، وإنقاذ المنطقة من صراع، قد يؤثر سلباً على العالم كله، وليس على المنطقة الإفريقية فقط!
ولكن قد اتضح للعالم كله، عدم رغبة آبى أحمد وإدارته فى الوصول إلى اتفاق قانونى ملزم، وقد أُتيحت الفرصة مرة أخرى بعد صدور البيان الرئاسى من مجلس الأمن، والذى تضمن ضرورة العودة إلى المفاوضات برعاية الاتحاد الإفريقي، وأن يتم الاتفاق على خارطة الطريق، وصولاً إلى اتفاق ملزم خلال فترة زمنية معينة، منعاً من المماطلة التى قد تستمر إدارة آبى أحمد فى إتباع أسلوبها، وهو ما حدث بالفعل من هذه الإدارة، حيث اتخاذ المواقف غير المسئولة تجاه البيان الصادر من مجلس الأمن، والتشكيك فيه، وعدم الاعتراف بمضمونه، لتضيع فرصة أخرى للحل بسبب التعنت الإثيوبى المستمر!
وما يثير الدهشة، والاستغراب، أن الإدارة الإثيوبية تسعى إلى عقد صفقات السلاح مع بعض الدول، وطلبت من الجانب التركى عقد صفقة طائرات مسيّرة، كما أعلنت ذلك بعض وسائل الإعلام، ونسيت هذه الإدارة أن الحل الأمثل للأزمة، لا يكمن فى شراء صفقات السلاح، خوفاً من سلوك الخيار العسكري، ولكن يكمن الحل الذى ينقذ المنطقة برمتها، فى صدق، وحسن النوايا، أثناء عملية التفاوض، والإيمان بحقوق الآخرين، وعدم تهديد الشعوب فى أمنها المائي، الذى يمثل الحياة بالنسبة لهم، ولكن ما زالت الإدارة الإثيوبية تؤكد رفضها لعملية التفاوض، وإصرارها على ضياع كل الفرص لحل أزمة السد، وعلى المجتمع الدولى أن يُدرك ذلك جيداً، حتى لا تلوم الإدارة الإثيوبية إلا نفسها، إذا وقعت الواقعة!
أستاذ القانون ونائب رئيس جامعة أسيوط