رئيس مجلس الادارة

عمــر أحمــد ســامي

رئيس التحرير

طــــه فرغــــلي


من روحانيات الصيام ١

31-5-2017 | 12:14


بقلم: د.عباس شومان

أظل الأمة شهر عظيم مبارك، يترقب الناس قدومه لما يحمله من خير حسى ومعنوى، ودينى ودنيوى، وقد كان رسولنا صلى الله عليه وسلم إذا ما دخل عليه شهر رجب يدعو الله عز وجل أن يبارك له ولأمته فى رجب وشعبان وأن يبلغه رمضان.

والسعيد كل السعادة من أكرمه الله عز وجل ببلوغ هذا الشهر الكريم، فهو شهر يتصالح فيه الإنسان مع خالقه جل وعلا، وبصومه الصحيح وبإخلاصه لله عز وجل يتخلص من ذنوب عام كامل، يخرج منه وقد غفر له الله ما تقدم من ذنبه وإن كانت الذنوب فى هذا العام كثيرة، بل لو كانت كالجبال العظيمة، فرحمة الله عز وجل واسعة وإكرامه لأمة محمد صلى الله عليه وسلم بشهر المغفرة، شهر الرحمة شهر العتق من النار هو شهر رمضان، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: {مَنْ صَامَ رَمَضَانَ إِيمَانًا وَاحْتِسَابًا غُفِرَ لَهُ مَا تَقَدَّمَ مِنْ ذَنْبِهِ}

 

نحمد الله أن جعلنا ممن يدركون هذا الشهر ونسأله تبارك وتعالى أن يجعلنا ممن يصومونه خير صيام، وممن يقومونه خير قيام، وممن يرحمون فى أيام الرحمة، ويغفر لهم فى أيام المغفرة، وتعتق رقابهم من النار فى أيام العتق منها.

وحتى يحصل الإنسان على مغفرة الله عز وجل فى شهر الصوم فإنه يلزمه أن يتهيأ وأن يكون قد استعد استعدادا خاصا لهذا الشهر، ومن واجب الإنسان إذا ما اقترب من شهر رمضان أن يدرك معانيه وأن يستلهم حِكمه، وأن يوطِّن نفسه على أن يسعى لإدراك الخير الكثير الذى يجتمع فى هذا الشهر الكريم.

فى شهر رمضان يتصالح الإنسان عن عمل عام كامل ربما أخذ فيه وانشغل بالدنيا وما فيها لذا وجب على من أدرك شهر رمضان الكريم ودخل فى نفحاته وفى أجوائه الصالحة من أول لحظة فيه أن يخلص النية لله عز وجل، وأن يعزم عزما أكيدا على أن يتغير سلوكا وعملا وفعلا وحتى فى نيته عما كان قبله لتكون جميعها فى ميزان حسناته وفى ميزان الطاعة وفى الطريق الذى رسمه رب العالمين ورسوله الأمين صلى الله عليه وسلم.

وليس إدراك الشهر هو إدراك زمانه فحسب، وإن كان زمان رمضان مباركا من كل وجه، لكن المدرك الحقيقى للشهر والمعدود من المحظوظين السعداء هو الذى لا يفوت لحظة واحدة تقرب بينه وبين طاعة الله عز وجل وتضيف إلى ميزان حسناتهم من الأجور ما لا يعلمه إلا الله عز وجل.

فالصوم عبادة لا يعرف أجرها إلا الله، وقد نسبها الله لنفسه، ووعد فاعلها بالأجر الوفير، يقول الله تعالى فى الحديث القدسى الذى نقله لنا رسولنا صلى الله عليه وسلم «كل عمل ابن آدم له إلا الصوم فإنه لى وأنا أجزى به»، ومعنى هذا أن الأعمال كلها تعرف قاعدة الإثابة عليها إلا الصوم فإن الله عز وجل اختص نفسه بعلم أجره، فإذا كانت الحسنة فى الأعمال بعشر أمثالها ثم تُضاعف إلى سبعين ضعفا ثم إلى أضعاف كثيرة فإن العمل فى شهر الصيام ليس على هذه القاعدة، وإنما أخفاه رب العالمين عن خلقه حتى عن رسولنا صلى الله عليه وسلم، وإذا أخفى الكريم شيئاً توقع الناس أنه شىء عظيم، ورب العالمين كريم.

فليس من الفطنة أن يضحى الإنسان بهذا الأجر الذى أخفاه رب العالمين عن الصائمين أجمعين بل وعن رسولنا صلى الله عليه وسلم، ولن تحصل على هذا الأجر ولن تكون من أصحابه إلا إذا صمت صوما صحيحا وهذا يقتضى أول ما يقتضى أن يكون الصوم خالصا لله عز وجل فرسولنا صلى الله عليه وسلم يقول فى الحديث الصحيح «إنما الأعمال بالنيات وإنما لكل امرئ ما نوى فمن كانت هجرته إلى الله ورسوله فهجرته إلى الله ورسوله ومن كانت هجرته إلى دنيا يصيبها أو امرأة ينكحها فهجرته إلى ما هاجر إليه» ..

إن من أهم الأعمال التى توصل إلى الحصول على الأجر كاملاً هو أن يخلص الإنسان لله عز وجل فى صومه فيكون صياما خالصا لله عز وجل وهو كذلك.

والصوم هو أكثر الأعمال التى يمكن أن يتحقق فيها الإخلاص؛ لأنه سرّ بين العبد وخالقه لا يطلع عليه إلا رب العالمين؛ ولذلك أخفى رب العالمين أجره.

وماذا يريد الإنسان بعد أن يصل بصومه إلى تقوى الله عزوجل أن يكون تقياً فى سلوكه فى اعتقاده فى تعامله مع الناس فى خوفه من الله فى إخلاصه لله يتحلى بالتقوى سلوكا ومنهجا واعتقادا يألف أعماله ظاهرا وباطنًا يتقى الله يعبد الله كأنه يراه فإن لم يكن يراه فإن الله يراه إذا أخلص لله وإذا اتقى الله عز وجل وكان من عباده المخلصين وكان من عباده الناجين.

ويكون الإنسان تقياً إذا ابتعد عما حرمه الله وإذا لازم ما أمره رب العالمين بفعله وانتهى عما نهى عنه، وأطاع فى ما أمر به وتعامل من أجل آخرته لا من أجل دنياه، وعندئذ تهون عليه الدنيا بما فيها من أجل مرضات الله فى الآخرة فهو المقصد وهو المغنم الذى يسعى إليه وهو النجاة فى الآخرة.

وسلامة الموقف بين يد الله هو ما يقصده المرء من أعماله كلها، ومنها الصوم الذى يصوم فيه لله رب العالمين تصوم فيه الجوارح ويصوم فيه القلب؛ فالصيام على مراتب وعلى درجات كثيرة أعلاها ما يوصل إلى تقوى الله وهو أن تصوم الجوارح ويصوم القلب عما حرم الله ولا يفطر إلا على ما أحله رب العالمين له.

هذا هو الصوم وهذه هى تقوى الله لمن أرادها ولمن أراد أن يخرج من صومه تقياً ورعا تعلم فى مدرسة الصوم وهذب من سلوكه وأخلاقه وأعماله وتخلص من تسلط الدنيا وغلبة النفس والشيطان عليه.

من الأعمال الطيبة التى على الصائم أن يلتزم بها وأن يَتَحلى بها وأن يلازمها فى رمضان هى كتاب الله عز وجل، فرمضان هو شهر القرآن «شهر رمضان الذى أُنزل فيه القرآن هدى للناس وبيانات من الهدى والفرقان...

فبالرغم من الخيرات المتعددة والطاعات المتنوعة إلا أن الله قرن رمضان بالقرآن، وكأن من أفضل وأجل العبادات والقربات أن يتناول المسلم الصائم كتاب ربه تلاوة وتدبرا، ففى شهر رمضان أنزل الله عز وجل كتابه كاملاً، من اللوح المحفوظ إلى بيت العزة فى السماء الدنيا، ثم نزل مُنجما مُتفرقا على رسول الله صلى الله عليه وسلم، فى خلال سنواته التى قضاها رسولًا، يعلم الناس ما أمره رب العالمين به، ويُعرفهم بالله عز وجل وبكيفية طاعته، وبأركانِ الإسلامِ حتى أتم لنا الدين، صلى الله عليه وسلم، وتركناَ على المحجةِ الواضحةِ ليلهاَ كنهارهاَ، لا يزيغ عنها الإ هالك.

وإذا كان كتاب الله عزوجل ،قد أُنزل فى رمضان، وإذا كانت الحسنات فى رمضان تُضاعف أضعافاً كثيرة، ولا يعلم مداها الإ الله، وإذا كان الإنسان فى رمضان يُعينه الله على نفسهِ، وعلى شيطانهِ فتصبح نَفْسهُ خفيفة، ويصبح الشيطان مُقيداً، عند أول ليلة تدخل على الصائمين، فرسولنا صلى الله عليه وسلم يقول فى الحديث الصحيح : « الصيام والقرآن يشفعان للعبد يوم القيامة يقول الصيام أى ربى حرمته الطعام والشراب فشفعنى فيه ويقول القرآن أى ربى حرمته النوم فشفعنى فيه قال: فيشفعان « ونحن بحاجة إلى شفيع يقبل عند الله ولا شك أن كلام الله مقبول إذا ما شفع لنا عند من أنزله سبحانه وتعالى.

ولذلك على الصائم فى رمضان أن يلازم كتاب الله قدر استطاعته ليست قراءة كالتى يفعلها البعض يُسرع فى القراءة فلا يعرف ماذا يقرأ؟ ولا فى أى سورة هو؟ رجاءَ أن يصل إلى نهاية المصحف ليعيد الكرةَ مرة بعد مرة، حتى يقول للناس إننى قد ختمتُ كتاب الله، عدة مرات فى شهر الصيام، ليس هذا هو المقصود وإنما الأفضلُ وما هو مطلوب بالفعل أن يتدبر الإنسان ما يقرأ فى كتاب الله وأن يحاول أن يدرك معانيه، وأن يحاول أن يستفيد بها سلوكاً ومنهجاً فى حياته، لذلك يكون قد استفاد من مطالعة كتاب الله وملازمته وضمِنَ شفاعة القرآن له عند الله فى آخرته، نسأل الله عزوجل أن نكون ممن يقرأون القرآن كما ينبغى أن يقرأ وممن يتدبرون معانيه ليكون شافعا لهم بين يدى الله عزوجل وإلى لقاء قادم بإذن الله.