كيف نواجه الإرهاب؟..
بقلم – جمال أسعد
كنت مستعدا في هذا المقال أن أكتب عن شهر رمضان المبارك، ذلك الشهر الذي أصبح تاريخيا وثقافيا شهراً لكل المصريين على الرغم من أنه شهر صوم وعبادة للمصريين المسلمين، وذلك لأن رمضان في مصر بالذات فهو من أبدعه المصريون وأصبح رمضانهم الخاص ولكل المصريين؛ ولكن آه ومن ولكن هذه عندما وجدنا يوم الجمعة الماضي وهو يوم الاحتفال برؤية الشهر الكريم يوما حزينا كئيبا على كل المصريين لما حدث في الطريق الصحراوي الغربي بالمنيا لمجموعات من المصريين المسيحيين الذين كانوا في طريقهم كالعادة لزيارة دير الأنبا صموئيل المعترف بجبل القلمون، وما حدث وما أثار ذلك الكم من الحزن الجماعي المصري هو قتل حوالي ثلاثين مصريا أغلبهم من الأطفال والنساء بقلب بارد بعدما حصلوا على كل ما يحملون.
قتل أطفال صغار ورضع أمام أمهاتهم وقتل أمهات وآباء أمام أبنائهم، أي نفس هذه التي تقتل أطفالاً ورضعاً بلا ذنب أي روح تلك التي تزهق أرواح الأبرياء تلك الروح التي هي قبس من روح الله، هل كل ذنب هؤلاء أنهم بالصدفة قد جاءوا من آباء مسيحيين فأصبحوا بالوراثة مسيحيين؟، وهل الاختلاف في الدين يبيح القتل والحرق والسحل؟، وهل هؤلاء وأمثالهم كانوا قد اعتدوا على هؤلاء القتلة فى دينهم أو أخرجوهم من ديارهم حتى يقتلوهم بهذا الثأر البغيض “لا ينهاكم الله عن الذين لم يقاتلوكم فى الدين ولم يخرجوكم من دياركم أن تبروهم وتقسطوا إليهم إن الله يحب المقسطين”، وإذا كان الله سبحانه هو الذي أراد التعددية الدينية في إطار عبادة الإله الواحد الأحد، وإذا كان الله هو الذي سيحاسب الجميع ولا غيره، وإذا كان الله قد خلق الإنسان وكرمه مطلق إنسان سواء كان مؤمنا بالله أو غير مؤمن “فمن شاء فليؤمن ومن شاء فليكفر”، فهل هناك من يتصور أنه يمتلك توكيلا من الله سبحانه وتعالى لكي يحاسب الناس على عقائدهم واختياراتهم الحرة التي وهبها الله لهم؟، وما موقف هؤلاء لو كان هناك من يتعامل مع المسلم هكذا لمجرد أنه قد اختار له الإسلام دينا؟ وهل هناك مثل هذه الممارسات؟ ولو وجدت ما موقف الجميع منها مثل ما يحدث للأسف في إفريقيا الوسطى مع العلم إنه خلاف إثنى وعرقي؟، لاشك فكل هذه الممارسات مرفوضة شكلا وموضوعا، ولكن هل ما يحدث هذا والآن وفي ظل هذه الموجة الإرهابية الحالية يتم على أرضية الخلاف الديني فقط أم ماذا؟، لاشك فالموجة السابقة في ثمانينيات القرن الماضي كانت تتم عملياتها الإرهابية ضد الأقباط على أسس هذا الاختلاف الديني حيث كانوا يقومون بالتصفية الجسدية مثل ما تم في حادثة المنيا هذه وكانوا يتحصلون على أموال الأقباط خاصة محلات الذهب وكانوا يعتدون على الكنائس؛ ولكن هناك الآن فرقا كبيرا بين مناخ ومعطيات الموجات السابقة وهذه الموجة، فالآن قد أصبح الإرهاب ظاهرة عالمية تجتاح العالم كله بلا استثناء لأحد، الآن هناك دول وأجهزة مخابراتية تساعد هذه التنظيمات عسكريا واقتصاديا ولوجستيا وإعلاميا؛ ولذا فهي قد أصبحت ظاهرة عالمية عابرة للحدود، الآن تلك التنظيمات وبعد إعلان ما يسمى بالدولة الإسلامية على بعض الأراضي في سوريا والعراق تتعامل وكأنها دولة تدخل في حرب مفتوحة مع الجميع لإعلان الدولة الإسلامية التي يسعون إلى إعلانها وهذه الدولة في نظرهم هي كل العالم استعادة للتاريخ الإسلامي في إحدى حقباته واستعادة للأندلس، أي إنه إذا كان المحرك سابقا هو الاختلاف الديني فالآن هو الاختلاف السياسي وعلى كل مستوياته السياسية مع الجميع ، فالعمليات ضد المسيحيين سواء في مصر أو بريطانيا أو فرنسا أو في غيرها من دول العالم تأخذ شكل إرهاب ضد مسيحيين وهذا في ظاهره؛ ولكن الآن والمعنى الأهم هو محاربة تلك الدول لهزيمتها سياسيا لإقامة الدولة الإسلامية التي يرونها هم، ولذا فحتى الدول الإسلامية في العالم الإسلامي كله تدخل في إطار المواجهة معهم بما يدل على أن المواجهة الآن ليست عقائدية باختلاف الدين فقط ولكن هي سياسية ضد من يقف في مواجهة دولتهم الإسلامية القادمة، وعلى ذلك تصبح هذه المواجهة وتلك العمليات الإرهابية ضد الأقباط في حدها الأدنى الآن الاختلاف الديني ولكن في حدها الأعلى هو الاختلاف السياسي، هذا لأن الأقباط قد ساندوا وخرجوا في ٣٠ يونيو ٢٠١٣كما لم يخرجوا قبل ذلك في تاريخهم، كما أن حضور البابا اجتماع ٣ يوليو ٢٠١٣ والذي أعلن فيه سقوط نظام الإخوان إضافة لتلك المواجهات التي حدثت في عام حكم الإخوان بينهم وبين الأقباط والكنيسة من تصريحات وممارسات وتلسينات أكدت لهؤلاء أن الأقباط هم من شارك بفاعلية في إسقاط حكم إسلامى يؤشر ويمهد للدولة الإسلامية المرجوة حتي لو كان هناك اختلاف فى التكتيك بين هذه التنظيمات ولكنها تتفق فى الاستراتيجية العليا وهى الدولة الإسلامية، دولة الخلافة، إضافة إلى تلك العلاقة المميزة بين السيسى وبين البابا بشكل خاص وبينه وبين الأقباط بشكل عام، فحضور السيسى للتهنئة كل عيد ميلاد فى الكاتدرائية وهذا يحدث المرة الأولى فى تاريخ مصر ومحاولة السيسى التعامل مع المصريين على أرضية المواطن بعيداً عن الفرز الطائفى بين مسلم ومسيحى، الشيء الذى ظهر عند توجيه الضربة الجوية لداعش فى ليبيا بعد ذبح المصريين الأقباط فى ليبيا، وقد شاهدنا عدة ممارسات للسيسى فى تعامله مع مواقف وأحداث تخص الأقباط باعتبارهم مصريين قبل أن يكونوا مسيحيين، كل هذه الممارسات وغيرها أكدت لهذه التنظيمات وحسب رؤيتها أن الأقباط هم السند الرئيسى للسيسى سياسيا خاصة فى الانتخابات الرئاسية القادمة التى تؤشر حتى الآن على الرغم من أى متغيرات أخرى بأن الفيصل الأكثر والأعم مازال وسيظل مع السيسى خاصة تجاه تلك الممارسات التى تتم ضد الأقباط منذ حادثة البطرسية إلى طنطا والإسكندرية وصولا لحادثة المنيا هذه والتى قام فيها السيسى والجيش بتوجيه تلك الضربة الجوية لهذه التنظيمات فى درنة بليبيا، إذن الآن يتم التعامل مع الأقباط فى إطار الاختلاف الدينى وهذا قائم طوال الوقت والأهم يتم التعامل معهم على أرضية الخلاف بل التناقض السياسى الكامل كشركاء للسيسى وكمساندين للنظام ولذلك فالعمليات الإرهابية ضد الأقباط في هذا الإطار ولتلك المعطيات ترسل رسائل عدة، فالأقباط هم الحلقة الأضعف ويسهل اصطيادهم في أي مكان خاصة أن العمليات الإرهابية قد تطورت واستفادت من التقدم التكنولوجى الاتصالاتى، حتى إننا نشاهد الآن وفى كل العالم تلك الإخفاقات الأمنية التى لم تستطع مواجهة هذه العمليات قبل حدوثها وهذا يتم فى كل الدول، إحراج نظام السيسى فى الداخل لإحداث قطيعة مع المواطنين المسيحيين وفض الارتباط وللخارج بإثارة الرأى العام العالمى خاصة بعد الذى حدث للأقباط ولغير المسلمين فى العراق وسوريا ومحاولة تفريغ الشرق الأوسط من أصحاب الديانات غير المسلمة وعلى ضوء اهتمام بعض الأنظمة وبعض المنظمات المتاجرة بحقوق الأقليات، محاولة إثارة الرعب بين الأقباط وترويعهم وإثارة الفتنة بين المصريين المسلمين والمسيحيين خاصة فى ضوء ذلك المناخ الطائفى الذى يحوز سلوكاً طائفياً قد اقترب من إحداث فرز طائفي بين المسلمين والمسيحيين وقد رأينا نموذجا من هذا السلوك وذلك المناخ فى تصريحات عبدالجليل التى كفر فيها المسيحيين فى مقابل تصريحات مكارى، التى ادعى فيها أن مصر مسيحية وكأن هناك من يقول مصر مسيحية وآخر يقول إسلامية وهذه هي الفتنة وهذا هو المناخ الحاضن للإرهاب وهذا هو الخطر الحقيقى.
وسنتناول فيما بعد إن شاء الله قضية مصر مسيحية أم إسلامية، إذن وعلى ذلك نرى أن المناخ الطائفى الحاضن للإرهاب، ونرى تلك الأفكار الدينية غير الصحيحة التى تكفر الآخر ولا تقبله بالتخلص منه جسديا قبل معنويا وترى ذلك الصراع السياسى بين الإرهاب وبين الأنظمة، وترى تلك المساعدات بكل أصنافها وأساليبها للإرهاب من دول معروفة، وتشاهد تلك الحرب الكلامية والمواجهة الشعاراتية فى مواجهة الإرهاب التى لا تشبع ولا تغنى من جوع ، بل نشاهد الجميع بدلا من المواجهة الفعلية للإرهاب يتاجر بهذا الإرهاب لمصلحته بصورة أو بأخرى، كل هذا يعنى أن الحرب ضد الإرهاب صعبة وشاقة وطويلة ولن تنتهى بين لحظة وأخرى، فلو تم القضاء عى الجانب المسلح الآن فالأهم هو التوجه الفكرى للإرهاب، وأهم الأهم هو تلك الحواضن للإرهاب الفكري التي كانت وستكون هى المدد الذى يطيل عمر الإرهاب ويقويه، وعلى الرغم من كل ذلك فمصر تخوض حرباً شعواء قاسية على كل المستويات ولا تهاون بل تكشف الأدوار بكل صراحة وبكل حسم مثل ما حدث فى خطاب السيسى فى الرياض، ولكن ما هو العمل؟ منذ ثلاثة عقود وأكثر وأنا وغيرى والجميع نقول ونرغى ونكرر كلاماً تم حفظه حتى سئمنا فالكلام كثير وأصبح محفوظاً لدرجة الملل، فلا نقول مرة أخرى أدوار الجميع فى تلك المواجهة من ثقافة وتصحيح فكر دينى وتعليمى وإعلامى ودور الجميع بلا استثناء؛ ولكن نقول إنه بعد حادثتي طنطا والإسكندرية، أعلن الرئيس حالة الطوارئ لمدة ثلاثة أشهر حسب الدستور ولكن لم نرَ تغيراً ملموساً على أى مستوى فى إطار هذه العمليات وتلك المواجهة، كما أننا وجدنا الرئيس يعلن عن إنشاء المجلس القومى لمواجهة التطرف والإرهاب وقد مر نحو شهرين ولم نجد لهذا المجلس وجودا فلا قانون صدر ولا قرار جمهورى وجدنا، وكأن الأمور تحتمل هذا البطء، مع العلم أن هذا المجلس بما أعلن عن مهامه وتشكيله سيكون تحصيل حاصل إذا لم يكن له آليات محددة للتخطيط والمتابعة والتقييم والالتزام والأهم المحاسبة، فهل نرى حتى الآن أى واقع ملموس لما يسمى تغيير الفكر الدينى الذى يقبل الآخر، هل نرى الآن تعليماً يساهم فى خلق حالة التوحد المصرى التى هى حائط الصد لكل المؤامرات؟، هل نرى إعلاماً يعى المرحلة ويدرك الأهداف ويساعد فى خلق وعى وطنى حقيقى يولد انتماء صحيحا للوطن؟ بل نرى صراعاً بين الوزارات وتضارباً فى الاختصاصات وتهرباً من الالتزامات، فإذا لم تقُم كل الوزارات والأجهزة بأدوارها فى هذا الإطار قبل هذا المجلس فسيكون المجلس تجميعاً لسلبيات قائمة على أرض الواقع لا تنفع ولا تشفع، فالحرب طويلة واستهداف الأقباط سيستمر طالما الأسباب والمبررات موجودة وطالما طرق المواجهة ما زالت قاصرة، ولذا فالإرهاب ضد المصريين سواء كانوا أقباطاً أو مسلمين، جيشا أو شرطة أو مدنيين فهو استهداف لمصر ولكل المصريين والحديث عن استهداف الأقباط وعزله عن مجمل العمليات الإرهابية هو تأكيد للعزل الطائفى وانتصار للرؤية الإرهابية وتفتيت لتوحيد الوطن فهل نعي الأمور وهل ندرك خطورة الموقف وصعوبة المواجهة؟، فالمواجهة لن تكون بالكلام ولا بالشعارات ولا بطرح الحلول نظـريا وشعاراتياً، ولكن بالإيمان بأن الوطن فى خطر فالجميع فى خطر فالأمر يحتاج إلى نوبة صحيان حقيقية، نريد توحداً وطنياً، لن يكن بغير دولة القانون وإسقاط الفساد وإعطاء الفرصة للأكفأ والقضاء على الرشوة والمحسوبية وتطبيق العدالة الاجتماعية وإعطاء الفرصة للمعارضة التى لا تعرف الإرهاب والتى لا تسعى لنشر البغض وتكريس الكراهية بغير ذلك وسريعا لن تكون مصر لكل المصريين، ولن يكون هناك توحد يواجه هذا الإرهاب، حمى الله مصر وشعبها العظيم من كل شر.