رئيس مجلس الادارة

عمــر أحمــد ســامي

رئيس التحرير

طــــه فرغــــلي


الإرهاب يستهدف الدولة من خلال «المواطنين المصريين الأقباط»

31-5-2017 | 12:44


بقلم: سليمان شفيق

كشف الحادث الإرهابى الأخير الذى استهدف زوار دير الأنبا صموئيل عن كثير من الألم والجراح فى جسد الوطن، خاصة فى الجزء المسيحى من هذا الوطن.

دون أن نقفز على الدم الطاهر الذى رفضت أرض الصحراء أن تشربة حزنا وألما، وبعيدا عن كل ردود الأفعال الإعلامية من كل من «هب ودب»، وضرورة الكشف عن الجرح المتقيح، دون إسقاط قلب الحقيقة، وهى أن الإرهاب «الممنهج» ضد المواطنين المصريين الأقباط منذ حادث البطرسية وحتى حادث الأنبا صموئيل، مرورا بمارجرجس طنطا والمرقسية بالإسكندرية، تستهدف ـ الوطن ـ الدولة ـ من خلال المواطنين المصريين الأقباط، ويعلن الإرهابيون ذلك صراحة.

الاستهداف الممنهج الإرهابى ضد المواطنين المصريين الأقباط، يستهدفهم بالأساس لمواقفهم الوطنية تجاه ٣٠ يونيو والرئيس السيسى جنبا إلى جنب مع الهوية الدينية.. وأعتقد ليس هناك فصل تعسفى بين (السياسى والديني)، فهما وجهان لعملة واحدة، لأن الكنيسة المصرية كنيسة وطنية، يسبق لاهوت الوطن فيها لاهوت العقيدة فى مسمى (الكنائس الثلاث: تبدأ تسميتها بـ«القبطية» وبعدها الإشارة للعقيدة «الأرثوزكسية ـ الكاثوليكية ـ الإنجيلية»)، والاستهداف الدينى واضح وفق أى معايير، لأن حوادث البطرسية ومار جرجس طنطا والمرقسية بالإسكندرية، وأخيرا دير الأنبا صموئيل كانت تستهدفهم وهم يصلون، أو فى طريقهم للصلاة فى الدير.. بل ووفق شهادة اللواء عصام بديوى محافظ المنيا بمداخلة ببرنامج «على مسئوليتي» للزميل أحمد موسى أكد أن الإرهابيين حاولوا أن يستنطقوا الضحايا ب «الشهادتين» ولكن الضحايا رفضوا!!

كثيرون تحدثوا عن الحادث دون تحليل لعلاقة الجغرافيا بالحادث، أقصد المنيا وتحديدا الجبل الغربى والقرى المتاخمة له..

المنيا التى لا يعرفها أحد:

كثيرون يكتبون عنها «إمارة المنيا»، ويعرفونها فقط بأرض الأزمات الطائفية، نشأت وترعرعت فيها، ومازالت فى القلب والعينين، رغم أنها مدينة المتناقضات، فإذا سرت على كورنيش النيل بها تشعر إنك بالإسكندرية، ولو تجولت فى أحياء «أرض سلطان وحى شلبي» كأنك فى مصر الجديدة، وإن سهرت فى فنادقها كأنك فى الزمالك، وفى كافيهاتها تشعر أنك فى بيروت، وحينما تزور بعض القرى والعزب والنجوع التى تعج بالمتشددين تعتقد أنك فى كابول؟!!

تقع محافظة المنيا فى منتصف مصر، يحد شمالاً محافظة بنى سويف وجنوباً محافظة أسيوط بطول ١٣٥ كيلو متراً، بينما يحدها غربا محافظة الجيزة، وشرقا محافظة البحر الأحمر، بعرض يبلغ فى المتوسط ١٨ كيلو متراً. يمثل الوادى الضيق المساحة المتاحة للسكان للعيش والعمل بنحو ٤.٢ ألف كيلو متر مربع تمثل نحو ٧.٥٪ من جملة مساحة المحافظة التى تبلغ ٢٢٧ كيلو مترا مربعا.

يبلغ عدد سكان المحافظة نحو ٥ ملايين و١٥٦ ألف نسمة خلال عام ٢٠١٥، وهى أكبر محافظات الوجه القبلى بعد الجيزة، ويغلب عليها الطابع الريفي، يعيش نحو ٨٢٪ فى القرى والنجوع، بينما يقطK نحو ١٨٪ المدن التسع التى تمثل عواصم المراكز الإدارية للمحافظة، التى تضم ٩ مراكز، و٦١ وحدة قروية، ٣٥٨ قرية، ١٧١٣ تجمعا سكانيا (عزبة وكفر ونجع).

ويعيب التخطيط الإدارى لقرى المحافظة أنه غير ثابت، فنجد مثلا قرية دلجا بمركز دير مواس يقترب عدد سكانها من ٧٥ ألف نسمة، وهو ما يزيد عن سكان عاصمة المركز، فى حين أن قرية زعفرانة بمركز أبو قرقاص يبلغ عدد السكان ٧٠٠ نسمة، وهو ما يلقى تبعات على توفير الخدمات الأساسية للمواطنين.

 تعد الزراعة هى النشاط الاقتصادى الرئيسي، حيث تصل المساحة المزروعة لنحو ٤٣٩ ألف فدان، يعمل بها نحو ٥٨٪ من القوى العاملة بالمحافظة، وتسود الحيازات الزراعية الصغيرة حيث إن ٩٠٪ من جملة الحائزين يحوزون أقل من ٣ أفدنة. وعلى الرغم من تحقيق المحافظة اكتفاءً ذاتياً فى معظم الحبوب وتوفير الفائض للمحافظات المجاورة، لكن المنيا تعانى من عدم الاهتمام بالفلاح وضعف أوجه دعمه لتسويق منتجاته. ويمثل قطاع التجارة والخدمات والذى ينتمى بشكل شبه كامل إلى القطاع الخاص، الأهمية الثانية فى هيكل الاقتصاد بالمحافظة، حيث يعمل فى هذا القطاع نحو ٣٢,٦٪ من جملة القوة العاملة. ولا توجد صناعات معروفة فى المنيا بخلاف عدد من المحاجر فى الجانب الشرقى من المحافظة.

عرفت المنيا العمل الأهلى منذ سنوات طويلة، حيث يقدر عدد الجمعيات الأهلية بنحو ألف جمعية تعمل فى مجالات تنمية المجتمع المحلى والرعاية الاجتماعية والاقتصادية للفئات الأضعف والتصدى للمشكلات القومية مثل المشكلة السكانية، والأمية، والبطالة، وحماية البيئة. وتعتمد فى مواردها على اشتراكات الأعضاء والتبرعات المالية بجانب الإعانات التى تقدمها وزارة الشئون الاجتماعية، ويعيبها غلبة الطابع العائلى، سواء فى عضويتها أو فى قيادتها، وعدم انتشارها جغرافيا فى كل القرى، بالإضافة لعدم البحث عن وسائل لتنمية الموارد بجانب التبرعات. 

تأتى المحافظة كثالث أكبر محافظات الجمهورية من حيث عدد المواقع الأثرية الموجودة بها بعد القاهرة الكبرى والأقصر، والتى تنتمى لكل العصور: الفرعونية، الرومانية، المسيحية، الإسلامية.

وبالرغم من تنوع الثروات الطبيعية والجغرافية والتاريخية، تحتل المنيا ذيل قائمة محافظات الجمهورية من حيث نسب التنمية البشرية، مؤشرات التعليم والصحة والدخل من بين أدنى المحافظات، حيث تقع ضمن أدنى خمس محافظات على مستوى الجمهورية.

 بالمنيا حوالى مليونى مسيحى يمتلكون ٣٠٪ من الثروة، بها خمسة آلاف مسجد وزاوية و٦٤٢كنيسة، لجأ إليها السيد المسيح والعائلة المقدسة بجبر الطير بسمالوط، وقبور للصحابة بالبهنسا بنى مزار، وآثار فرعونية فى تونة الجبل والأشمونين وبنى حسن وطهنا الجبل الخ.

فى البدء كانت جماعة التكفير والهجرة:

نشأت فى المنيا منذ نهاية السبعينيات من القرن الماضى أفكار التكفير على يد شكرى مصطفى وكان يدرب أعضاء التنظيم المعروف إعلاميا بتنظيم «التكفير والهجرة» فى الجبل، بمركز أبو قرقاص، تلك الجماعة التى اغتالت فضيلة الشيخ الذهبى وزير الأوقاف ١٩٧٨، وتمت محاكمتهم أمام محكمة عسكرية قضت بإعدام شكرى مصطفى وخمسة آخرين.

منذ ١٩٧٨ وحتى الآن مرت المنيا بثلاث مراحل من تطور الإرهاب:

المرحلة الأولى: ١٩٧٨ـ ١٩٨١ كانت الجماعة الإسلامية تتسيد الإرهاب، وبعد مقتل الرئيس السادات تقهقرت الجماعة من أسيوط إلى المنيا بعد مذبحة مديرية الأمن، والمرحلة الثانية ١٩٨٢ـ ١٩٩٠، وكان قادتها الأكثر عنفا حينذاك بالمنيا (عاصم عبدالماجد وكرم زهدى وفؤاد الدواليبى) وآخرين، وكانوا يتمركزون بمسجد الرحمن بحى أبو هلال الذى اعادوا تسميته بحى مكة، وكانوا يطبقون الحدود «عينى عينك» ويفرضون الجزية على الأقباط، ومن ١٩٩١وحتى ١٩٩٨ تبدأ المرحلة الثالثة التى انتهت بالمراجعات المزعومة.

منذ تسعينيات القرن الماضى بدأت جماعة الإخوان المسلمين فى استقطاب بعض قادة الجماعة مثل المهندس محيى الدين أحمد عيسى والمهندس أبو العلا ماضى الخ، لتبدأ مرحلة تواجد الإخوان بالمنيا، ليستوطن بها الأستاذ الجامعى سعد الكتاتنى ويصير نائب الدائرة.. إذا كان الرئيس الأسبق السادات قد شرعن لوجود الإخوان على هامش النظام السياسى بالمصالحة معهم وإعطائهم شرعية ضرب اليسار، ومن خلال محافظ أسيوط محمد عثمان إسماعيل وعثمان أحمد عثمان تكونت الجماعة الإسلامية فى أسيوط والمنيا لضرب خصوم السادات من الماركسيين والناصريين، فإن الرئيس المخلوع مبارك قد عقد صفقة معلنة معهم (العادلى ـ عاكف)٢٠٠٥ قد أدت إلى تمكين الجماعة سياسيا وحصولها على ٨٨ نائبا بالبرلمان، وحرية الحركة تحت سمع وبصر وإشراف أمن الدولة.

وعلى الصعيد الاقتصادى، ووفق قضايا غسيل الأموال فإن الإخوان غسلوا (١٤) مليارا، ووفق تقديرات للباحث سيطر الإخوان على ٥٥٪ من شركات الصرافة، وتجارة العملة، و٢١٪ من تجارة التجزئة

وعلى صعيد المجتمع المدنى سيطر الإخوان على ١٢٪ من الجمعيات الأهلية، والسلفيين ٥٪ والجماعات الإسلامية الأخرى ٧٪ ليكون إجمالى المؤسسات الأهلية الإسلامية ٢٤٪ من الجمعيات حصلوا على ٢٨٪ من التمويلات الأجنبية تحت سمع وبصر وزارة التضامن الاجتماعى، وسمح الأمن بعودة أكثر من ألف وخمسمائة مدرس إلى مراحل التعليم المختلفة، والسماح بسفر باحثين وطلاب دراسات عليا من الإخوان يقدرون بأكثر من خمسمائة إلى ١٤ دولة من دول أوربا الغربية وأمريكا، إضافة بالسماح لهم بعمل علاقات دولية والحوار مع الولايات المتحدة وغيرها من دول الغرب، الأمر الذى أدى إلى تقوية علاقاتهم مغ الغرب الأمريكى بشكل أقوى من الخارجية المصرية بعد ثورة ٣٠ يونيو، كل ذلك حدث فى الفترة من ٢٠٠٥وحتى ٢٠١٠.

والأخطر أن المنيا فقط تحتل ٣٠٪ من القاعدة الاقتصادية وجمعيات المجتمع المدنى لقوى حلف «الدفاع عن الشرعية».. بما فى ذلك الآلاف من الأفدنة فى الظهير الصحراوى الغربى للمنيا، والتى يستعين بها هؤلاء لمساندة الإرهاب، كما أنهم استحوذوا على نسبة كبيرة من المدرسين والمديرين فى المعاهد الأزهرية ٢٥٪ تقريبا منها، ومنها احتلوا نسبة كبيرة من الدعاة الذين اعتلوا المنابر التى خلقت ثقافة الكراهية لغير المسلم وعدم جواز بناء الكنائس فى ديار الإسلام.

وصولا لثورة ٢٥ يناير٢٠١١، وبدأ الظهور السلفى بعد المراجعات بالتنسيق مع جهاز أمن الدولة حينذاك، وجمع بين الثلاثة (الجماعة الإسلامية والسلفيين والإخوان) الفكر التكفيرى، وتحالف الثلاثة انتخابيا وحصلوا على ٨٠٪ تقريبا من الأصوات، وكذلك حصل المجرم محمد مرسى فى الانتخابات الرئيسية على ٧٨٪ من الأصوات بالمنيا (وصلت نسبة أصواتهم بالعدوة وقراها إلى ٩٩٪ تقريبا)، وتوغل الحلفاء الثلاثة فى الكثير من المناصب والنقابات بما فى ذلك المحافظ د مصطفى عيسى، و«السجين الآن».

أثناء الاعتصامات الإرهابية كانت الرحلات الأسبوعية (خميس وجمعة) للشباب وطلاب المدارس على قدم وساق، ووفق دراسة كان نصيب المنيا من ضحايا (قتلى وجرحي) فض الاعتصامات ٣٥٪، وعلى الجانب الآخر وبعد فض الاعتصامات والتخريب والحرق الذى أحدثوه، بلغت خسائر الوطن فى المنيا ٨٠٪ من محاكم وأقسام شرطة ومؤسسات دولة، وتم التمثيل بأجساد ضباط وأفراد الشرطة فى سمالوط ومطاى، كما بلغت نسبة خسائر المواطنين المصريين الأقباط فى المنيا أيضا ٧٠٪ من الخسائر على مستوى الجمهورية من كنائس وممؤسسات أعادت القوات المسلحة بناء ٩٠٪ منها حتى الآن، وبلغت أحداث العنف الطائفى فى المنيا من يناير ٢٠١٤ وحتى يناير ٢٠١٧ (٨٩) حادثا.

رغم كل الضربات التى طالت الإخوان والجماعة بالمنيا إلا أن الأفكار التكفيرية تعشعش فى الـ(٤٢) قرية التى تحدثنا عنها من قبل.

ماذا بعد حادث دير الأنبا صموئيل:

أولا:

للأسف حتى الآن لا يقاوم الإرهاب حقيقة إلا مصر، ولعل كلمة الرئيس عبدالفتاح السيسى فى مؤتمر السعودية مؤخرا وردود الأفعال التى دفعت مجلس الأمن الدولى أن يعتبرها وثيقة رسمية قدر ما كانت تكريما لنا، على قدر ما جعلت الدول الراعية للإرهاب تكثف جهودها الشريرة ضدنا، وأيضا موقفنا الثابت من الحل السلمى فى سوريا جلب علينا أيضا غضب ممولى الإرهاب فى سوريا، وأخيرا أعتقد أن المساندة الفنية من القوات المسلحة المصرية لقوات الجنرال حفتر والتى مكنته من تحرير بنى غازى كانت الدافع المباشر للانتقام من مصر عبر استهداف مواطنيها الأقباط، وإن كان الرئيس قد أكد فى خطابه الأخير على ضرورة معاقبة الدول الراعية للإرهاب، فهناك ضرورة على معاقبة المسئولين المصريين الذين أدى تراخيهم إلى عدم اليقظة واستخدام الإجراءات الوقائية لتفكيك الخلايا الإرهابية والتوقع المسبق للعمليات.

ثانيا:

صدق السيسى حينما أكد أن الهدف الأساسى من الاستهداف الممنهج للأقباط هو محاولة فك الترابط التاريخى والمصيرى الإسلامى المسيحى، ولكن يا سيادة الرئيس هناك مثل يقول «كثرة الدق تفك اللحام»، المواطنين المصريون الأقباط تحملوا ويتحملون جنبا إلى جنب مع القوات المسلحة والشرطة وجميعهم يدفعون الثمن فى وطنية ونبل، ولكن يا سيادة الرئيس ما لا يتحمله الأقباط أن تكون التحديات الداخلية لهم أشد ألما وجرحا، وليتسع صدرك كما تعودنا أن تعرف أن مثلا مدينة العدوة بلا كنيسة، وبعض القرى مثل «اللوفى» بسمالوط ممنوعين من الصلاة أو بناء كنيسة من قبل المتطرفين، إضافة إلى عدم تطبيق القانون على الفتيات القبطيات القاصرات اللاتى يدخلن فى علاقات عاطفية مع شباب مسلم، ويتواطأ بعض صغار المسئولين الأمنيين مع الشاب المسلم ولا يتم تسليم الفتيات القاصرات لأهلهن.. كل تلك الوقائع تزيد من الاحتقان.

ثالثًا:

سيادة الرئيس السيسى والذى لا يألو أى جهد من أجل شعبه أتمنى أن يصدر قرارا ب:

١ـ ترخيص كنيسة فى العدوة بالمنيا، وتحويل ملف الأقباط من المحليات والأمن إلى رئاسة الجمهورية لثقة المواطنين المصريين جميعا فى مؤسسة الرئاسة.

٢ـ إنشاء نصب تذكارى فى مكان الحادث يحتوى على أسماء الشهداء.

٣ـ عودة جلسات النصح والإرشاد للفتيات والنسوة اللاتى يرغبن فى إشهار إسلامهن، حتى نبطل أى حجج.

٤ـ الشروع فى تأسيس المجلس الأعلى المصرى لمكافحة الإرهاب، والذى وعدت به من قبل.

هذه هى المطالب العاجلة التى من شأنها احتواء الاحتقان، أقول قولى هذا واستغفر الله لى ولكم.