بقلم: فريدة الشوباشى
لف الحزن قلوب المصريين من هول بشاعة مذبحة يوم الجمعة الماضى التى راح ضحيتها عشرات المواطنين «المسيحيين»، بين قتيل وجريح، عندما هاجمهم مسلحون فى الظهير الصحراوى الغربى فى المنيا.. وكان من بين الضحايا عدد كبير من الأطفال.. وأعرب السفاحون القتلة عن ابتهاجهم بما توهموه من نجاح فى شق الصف المصرى، إلى مسلمين ومسيحيين.. تابع المواطنون تفاصيل الجريمة بنضج واضح وسددوا للقتلة لكمة قوية، إذ أكدوا مرة أخرى على تلاحم المصريين فى حضن وطن واحد، وإن كان ذلك لا يعنى الكثير فى مفاهيم هؤلاء الذين باعوا أنفسهم لأعداء الوطن وصاروا أدواته القذرة فى مخطط التفتيت..
ونعرف جميعا ما تلا ذلك الحادث الاجرامى من تطورات أعلنها الرئيس عبد الفتاح السيسى، وهو الذى يفعل قبل أن يقول.. فقد تلقت معسكرات هؤلاء المرتزقة المتدثرين بعباءة الإسلام والإسلام برىء منهم تماما، ضربات موجعة، حاسمة، كما أعلن الرئيس بوضوح تام أن مصر لن تسكت على من يستهدف أمنها أو يهدد أبناءها.. ولا شك أن التلاحم الوطنى تحت قيادة رجل يستحيل أن يفرط فى حقوق المصريين، قد أذهل العالم الذى اعرب عن تضامنه مع مصر، الحضارة والتاريخ.. غير أن البعض يقع فى الفخ بحسن نية عندما يردد كلمات الغرباء الاجانب بوصف المصريين تارة بالمسلمين وتارة أخرى بالمسيحيين، وهو ما يصب فى قناة اعداء الوطن، ولن ننسى أبدا أن قوات الاحتلال البريطانى كانت تراهن على شق الصف الوطنى المصرى برفع شعار «فرق تسُد».. وحيث اننا عنصر واحد ممتد منذ آلاف السنين، فقد فشل المخطط البريطانى بفرز المصريين، مسلمين ومسيحيين، جرت بريطانيا «العظمى» أذيال الخيبة وانتهت قوة الاحتلال إلى التسليم باستحالة تنفيذ المخطط، حيث يستحيل على أحد مهما كان تعليمه أو فراسته، أن يفرق المصرى المسلم من المسيحى، إلا عندما يدخل هذا الجامع ليصلى، وذاك الكنيسة ليصلى.. والغريب أن جماعات الإسلام السياسى التى انشأتها بريطانيا وورثتها الولايات المتحدة الأمريكية، لم تتعظ بتجارب الفشل المتتالية فى تمزيق النسيج الوطنى المصرى ووجدت، أو توهمت انها عثرت على ضالتها المنشودة فى استغلال الدين الإسلامى، ما دام الخلاف الوحيد بين المصريين هو العقيدة، ولم يقل لنا أحد من هؤلاء إذا ما كانت إسرائيل تفرز قبل اعتداءاتها، جنود المحروسة أو مدنييها، وفقا لمعتقدهم الدينى، أم انها ترتكب جرائمها ضدنا كمصريين، لا فرق بين مسلم ومسيحي ذات السحنة ونفس الملامح؟.. ولا شك أن الرئيس السيسى يراهن على صلابة الوحدة الوطنية المصرية وقد ادرك العالم أجمع أن مصر السيسى تختلف عن مصر «الأهل والعشيرة»، كما أوضح ذلك بجلاء فى قمة الرياض.. وأننا نعرف تماما، أن المقصود بـ«التعاطف!!» مع المسيحيين المصريين، هو رفع كفاءة سلاح التمزيق، فالارهاب لم يستثن أحدا، وشهداء كرم القواديس الذين اغتالتهم أيادى الغدر والخيانة وهم يتناولون إفطارهم فى شهر رمضان، لم يكونوا مسيحيين، كما أن النائب العام المستشار هشام بركات لم يكن مسيحيا، وكذلك افراد الجيش والشرطة الذين طالتهم أيادى الإرهاب الجبان إنما يبدو أن فشلهم الذريع فى تقويض مؤسسات الدولة، لإحالتنا إلى دويلات لا حول لها ولا قوة، وتكون فى خدمة القوى المهيمنة وتحت أوامرها، قد قادهم إلى استدعاء المخطط القديم والذى حقق نجاحا، ولو مؤقتا، حتى الآن، فى العراق وسوريا وليبيا واليمن.. إن مصر هى الهدف الأول ولا حياة لوطن عربى إذا، لا قدر الله، وقعت مصر.. ومن هنا كان التحذير من الوقوع فى فخ أعداء وحدتنا، فنحن مصريون، ولا يصح وصف بعض وسائل الإعلام لنا بالمسلم والمسيحى، فالمستهدف هو الوطن، بعدما مزقت مصر مشروع التفتيت على صخرة ثورة الثلاثين من يونيو، وربما كانت عبارة الرئيس الأمريكى دونالد ترامب من بقايا المخطط الشرير، عندما قال «إن استهداف المسيحيين فى مصر يجب أن يتوقف؟!» وكأنه يجهل من هى مصادر تمويل الإرهابيين وتدريبهم وتسليحهم، وهو ما رد عليه الرئيس السيسى ضمنيا، عندما ذكر ترامب بتعهده بصدد مكافحة الارهاب وتجفيف منابعه، ويعلم القاصى والدانى، أن أكبر ممولى التنظيمات الارهابية، دُويلة قطر، التى تريد أن تلعب دور «قوة كبرى»، فذكرتنى بحدوتة الضفدعة التى كانت تريد أن تصبح فى حجم الثور، وانتهى بها المطاف إلى الانفجار.. مأساة جريمة المنيا، يجب أن تنبه الجميع، مؤسسات الدولة، والمؤسسات الدينية والتعليمية والثقافية، إلى خطورة «الفرز» بين المصريين حسب عقيدتهم الدينية، وألا ننساق وراء المخططات الخبيثة، التى لا هدف لها سوى تمزيق النسيج الوطنى تمهيدا لتفتيت الأرض المصرية.. ورب ضارة نافعة، وبقدر ما أصابنا الحزن العميق بعد حادث المنيا، فقد يكون قد لفت انتباهنا إلى خطورة الانسياق خلف التعريفات الوافدة والتى تسعى بكافة السبل والوسائل والادوات، إلى تنفيذ المخطط الشرير والذى يسعى إلى تشريدنا، مسلمين ومسيحيين، كما نرى ونسمع فى الدول التى نجح الارهابيون فى تمزيقها واشاعة الخراب والدمار فيها، وباسم الدين، وإلا فليدلنى أحد على بقعة واحدة فى الوطن العربى،لا تزال على حالها، ولم تتحول إلى انقاض أينما حل المتاجرون بالدين.. نحن ابناء مصر، الوطن والحضن والملاذ وسنظل أقوياء بها وستبقى أم الدنيا بنا، نحن أبناءها، أيا كانت عقيدتنا الدينية.