رئيس مجلس الادارة

عمــر أحمــد ســامي

رئيس التحرير

طــــه فرغــــلي


تساؤلات مشروعة فى دائرة محظورة

31-5-2017 | 13:19


بقلم: د. طارق فهمى

تتجاوز مصر بالحادث الإرهابى الأخير فى المنيا والذى أدى الى مقتل ٢٩ من الأقباط المصريين مرحلة من تاريخ المواجهة العسكرية المباشرة مع التنظيمات الإرهابية على مختلف درجاتها إذ إن المواجهة الجديدة لن تكون على أسس المواجهة السابقة، ومن خلال إجراءات استراتيجية أخذت فى بعض الأحيان سياسات رد الفعل الى مرحلة استباقية ومباشرة وربما ممتدة إلى دول جوار إقليمى لن تتوقف عن المواجهة فى ليبيا فقط.

بتوجيه ضربة مباشرة على مواقع الإرهابيين فى ليبيا تتحول مصر من طرف إقليمى تضرر طوال السنوات الأخيرة من تداعيات الأوضاع السلبية فى ليبيا إلى طرف مباشر، ومن طائرات مجهولة كانت تقوم بمهام إلى طائرات معلومة تباشر دورها فى الدفاع عن حدودها بصورة مباشرة ودون العودة إلى أحد أو الذهاب إلى الأمم المتحدة للحصول على إذن بتوجيه ضربة مباشرة، إذ إن الأمر مختلف تماما ومثلما فعلت مصر عندما قامت بتوجيه ضربة عسكرية مباشرة وفعالة بعد واقعة ذبح المصريين الأقباط، فكان الرد المصرى المباشر وهناك جملة من الأسئلة التى تطرح فى هذا الوقت.

وتكشف عن مسار الفترة المقبلة من احتمال دخول مصر المواجهة فى ليبيا والتعامل المباشر مع التهديدات المباشرة فى هذا السياق، خاصة أن رفع الحظر على السلاح الليبى سيأخذ بعض الوقت وفى ظل عدم وجود اتفاق داخل مجلس الأمن وخارجه على هذه الخطوة، إضافة لعدم تمكن الجيش الليبى وقوات المشير حفتر من التعامل مع المشهد بحسم، برغم الدعم الذى يحصل عليه من دول الجوار ومنها مصر، ومن ثم فإننا أمام مشهد متعدد المسارات:

المسار الأول: إما الاكتفاء بتوجيه الضربة الأخيرة والعمل من الخارج من خلال السيناريو السابق وعدم الانخراط فى إدارة المشهد الليبى بصورة كاملة إلا من خلال سياسات رد الفعل وإن كان هذا السيناريو مستبعدا لعدة اعتبارات أن الخطر قائم ومستمر، وسيكون مطروحا ليس تجاه الأقباط فقط وإنما الوطن بأكمله، مما يعنى أن مصر قد تعمد لاستمرار حضورها العسكرى المباشر وعدم الإنصات لأصوات عدم التورط فى الشأن الليبى، وهو ما سيتيح الفرصة للدخول كشريك مباشر فى تهيئة الأوضاع فى ليبيا وفقا لحسابات دولية ما تزال غير حاسمة بما فيها الموقف الأمريكى من تطورات الأوضاع فى ليبيا، حيث لم يبدد تصريح الرئيس الأميركى دونالد ترامب بشأن ليبيا الغموض الذى يكتنف موقف أمريكا من الصراع الدائر فى ليبيا. وقال ترامب إنه لا يرى دورا للولايات المتحدة فى ليبيا باستثناء هزيمة متشددى تنظيم الدولة الإسلامية.

ويعد تصريح ترامب الأول من نوعه بشأن ليبيا بعد أشهر من الصمت حيال ما يحدث فى ليبيا ولم يحمل التصريح أى موقف بشأن بقية الجماعات الإسلامية المسلحة التى يحسب بعضها على تنظيم القاعدة مثل “سرايا الدفاع عن بنغازي” و”مجالس شورى الثوار” بمختلف المدن الليبية، التى يحاربها الجيش الوطنى الليبى ويعتبرها جماعات إرهابية وهو ما سيضع علامات استفهام حول طبيعة الدور القادم والمحتمل فى ليبيا فى الفترة المقبلة أو على الأقل دعم مصر عسكريا واستراتيجيا.

المسار الثانى: سيعتمد على أن تقوم مصر باستمرار توجيه ضرباتها على أن تقوم بتركيز مهامها، مع القوى الدولية فى مجلس الأمن وخارجه واستثمارا لحادث المنيا، فى طرح الملف فى سياقه الإقليمى والدولى، حيث لا يكفى أن يقوم الرئيس الأمريكى دونالد ترامب بالتنديد بالهجوم الذى استهدف أقباطا فى صعيد مصر وقال تعليقا على ذلك «يجب وقف إراقة دماء المسيحيين وأن الولايات المتحدة تقف إلى جانب الرئيس عبدالفتاح السيسى والشعب المصرى فى المعركة لهزيمة الإرهابيين، وأن أمريكا تقف بجانب الرئيس السيسى والشعب المصرى كله اليوم وعلى الدوام فى معركتنا لهزيمة هذا العدو المشترك وقال أيضا، إن أمريكا توضح لأصدقائها وحلفائها وشركائها أنه يجب حماية الطوائف المسيحية بالشرق الأوسط والدفاع عنها. يجب وقف إراقة دماء المسيحيين وعقاب كل من يساعد القتلة، وهذا التوجه المعلن يحتاج إلى مراجعات ومواقف مباشرة إن كانت الولايات المتحدة جادة فى هذا السياق، ومن المهم إثارة عدة تساؤلات حول مدى ما يمكن أن تقوم به الولايات المتحدة لدعم مصر على الأرض وعدم الاكتفاء بالتصريحات الإعلامية، خاصة أن مصر تجاوزت ذلك بصورة مباشرة إلى مرحلة المواجهة القادمة والمباشرة والتى سيكون لتداعياتها الأثر الأكبر الذى يمكن البناء عليه...

ما المطلوب أمريكيا؟

فى هذا السياق مطلوب من الإدارة الامريكية أن تدعم القدرات المصرية فى إطار مواجهة الإرهاب من خلال الاستجابة المباشرة للقائمة المصرية فى مجال دعم التسليح المصرى المطلوب عبر سياسة أكثر وضوحا لا تتوقف حول إبداء النوايا الحسنة والإعلان عن شراكة مصر من خلال توفير المعدات المطلوبة من قبل مصر لمواجهة التنظيمات الإرهابية على مختلف درجاتها وليس داعش فقط، والعمل على استئناف مناورات النجم الساطع المتوقفة والتى لن تكون بديلا عن مناورات تحية النسر التى جرت بين البلدين والمختصة بالقوات البحرية، والتى استفادت منها الولايات المتحدة بالأساس، إضافة لضرورة رفع الحظر على تصدير السلاح إلى الجيش الليبى وتقديم الدعم اللوجستى والأمنى والمعلوماتى عن خريطة تحرك التنظيمات الإرهابية وداعش تحديدا فى المنطقة ومحاولة الاقتراب من الحدود المصرية، ومن ثم فإن الإدارة الأمريكية مطالبة فى هذا التوقيت إن كانت جادة فى محاربة الإرهاب بأن تقدم الدعم العسكرى المطلوب من قبل مصر بدون إبطاء أو تشكك أو تحفظ على شكل الشراكة الراهنة مع روسيا والصين أو العودة لطرح شروط جديدة تركز على ضرورة أن تحدد مصر توجهاتها واستراتيجياتها التى يجب التعامل معها وهو ما يمكن أن يؤخر أى تحرك إيجابى تجاه مصر فى الفترة المقبلة، وتبقى العلاقات الأمريكية المصرية أسيرة مرحلة محددة، ومن هذا الإطار وهذا التوجه على الإدارة الأمريكية أن تلتزم بشكل وإطار الشراكة، وأن تستوفى بنودها، خاصة مع الإدراك العام أننا نتعامل مع إدارة تعتمد خيار النفقة والتكلفة والعائد أساس للحركة، وفى إطار أحاديث الصفقة المطروحة تحتاج العلاقات المصرية الأمريكية لوقفة جادة داعمة ومساندة ومؤيدة للتحركات المصرية المباشرة لمواجهة الإرهاب إذا استمرت التدخلات العسكرية فى ليبيا أو فى غيرها باعتبار أن هذا الأمر سيكون مطروحا فى المرحلة المقبلة.

المسار الثالث: المرتبط بالأساس بدعم أمريكى كامل لمصر أو التوجه لمصر بطلب المشاركة أو الدعم متعدد الأطراف من خلال دور فرنسى أو إيطالى أو عبر تفعيل الآلية الدولية فى هذا السياق، والتى قد تأخذ منحى جديدا اعتمادا على توجه أمريكى مباشر، وهو ما يجب الحذر منه ويجب تحديد أهم المصالح المصرية فى هذا السياق وليس فقط التحذير بالقبول أو الرفض، خاصة أن هذه الإدارة قد تعمد إلى وضع الملفات فى سلة واحدة، أى إدخال جبهة سيناء أيضا على المحك والمطالبة بالمشاركة فى توجيه ضربات مشتركة أو متعددة الإطار وهو طلب يذكرنا سلفا بالرغبة الأمريكية والإسرائيلية فى تدويل مسألة سيناء أو إيجاد ترتيبات أمنية مشتركة، وهو أمر مرفوض بصورة كاملة ومن ثم فإن الدخول مع الولايات المتحدة فى منظومة أمن مشترك لن يكون مقتصرا على ليبيا فقط، بل سيمتد إلى مسارح عمليات أخرى وسيكون لمصر قرارها فى هذا السياق وتجدر الإشارة إلى أن الرئيس عبدالفتاح السيسي وجه نداء إلى الرئيس الأمريكى دونالد ترامب بعد الحادث الإجرامى فى المنيا وتأكيده على الثقة فى الأقوال والأفعال الأمريكية وللرئيس الأمريكى فى مواجهة الإرهاب وأنها مهمة الرئيس الأمريكى بالأساس، وأن مصر تقوم بدورها فى محاربة الإرهاب وتحارب نيابة عن العالم.

وهو ما يشير إلى رغبة مصرية فى التعاون الجاد مع الولايات المتحدة فى مواجهة الإرهاب، مع تقديرنا الكامل بأن هناك مصالح مصرية كاملة فى إطار الحرب على الإرهاب، وهو ما يتطلب دعما لمصر على كل المستويات، إلا أن الأمر فى حاجة إلى مواقف مسئولة من قبل الولايات المتحدة ونكرر مسئولة، خاصة أننا نتعامل مع رئيس بنسق عقيدى مختلف شكلا ومضمونا عن الرؤساء السابقين، إضافة إلى أنه ما زال يعانى من أزمات متلاحقة داخليا، وقد لا يستكمل مدة حكمه بالفعل، خاصة أن التحقيقات الداخلية تجرى فى دائرة من السرية وعدم الإعلان، برغم ما يتسرب إلى الإعلام فى هذا السياق.

المشهد القادم

لن أتوقف أمام الذين تساءلوا عن حدود التنسيق المصرى الراهن مع الولايات المتحدة، وهل تم استئذان أمريكا قبل الضربة، وماذا عن القادم وماذا ننتظر من إدارة ترامب ....

مصر تدافع عن أمنها ومن المؤكد أن القرار المصرى الراهن والمحتمل فى مسرح عمليات ليبيا أو سيناء أو فى الجنوب محدد ومباشر وواضح، وأنه قد تم فى سياق وطنى بالأساس، ووفقا لحسابات وطنية بالأساس ولن يهم أن مصر أحاطت علما الولايات المتحدة بالضربة الأخيرة أو الضربات الأخرى إن تمت فى سياق التحركات المصرية فى هذا الإطار.

أن مصر بطبيعة الحال ترتب خياراتها وفقا لحساباتها الوطنية الكاملة ودفاعا عن مواطنيها مسلمين وأقباطا، ومن ثم فإن مصر تتوقع من الإدارة الأمريكية ألا تدخل فى مرحلة تديين الصراع وصبغه بطابع دينى بحت سنى / شيعى ومسلم / قبطى، فمصر تتعامل بمنطق مباشر وواحد، وبالتالى فالإرهاب واحد وليس له لون واحد، ومن ثم فإن ما يراه البعض خطرا على أمنهم قد لا تراه مصر خطرا على أمننا، ومن ثم فإن مصر تتماشى فكرا وتوجها وسياسة مع الحرب على الإرهاب وتنظيماته، ولكن لمصر تحفظاتها على أية ترتيبات أمنية قد لا تتفق مع مصالحها أو بناء محاور أيديولوجية معينة، خاصة أن اى ترتيبات أمنية يجب أن تخضع لحسابات استراتيجية محددة، وسبق لمصر أن طرحت فكرة القوة العربية المشتركة التى تحفظ عليها البعض، واليوم فإن كانت الإدارة الأمريكية جادة فى توجهات فعليها الضغط على الجانبين التركى والقطرى وإثنائهما عن دعم الإخوان المسلمين وتحركاتهم بالمساس بأمن المنطقة بأكملها، وهو ما يتطلب حلولا مباشرة وليست فقط الإدانة أو الشجب أو التهديد بنقل قاعدة العيديد أو التوافق مع الرئيس أرد وجان على تقسيم الدور والأعباء والمهام فى سوريا وما سمعناه عن توجه بنقل قاعدة إنجرليك إلى الأردن ليس صحيحا....

مطلوب من الإدارة الأمريكية أن تتفهم أن مصر دولة كبيرة وليست دولة عابرة فى الإقليم، وهى تدرك ذلك جيدا، ولكن ليس دور مصر إطفاء الحرائق فى الإقليم وإنما هى معيار الاستقرار والتهدئة بالفعل، ومن ثم فإن الدور المصرى محورى واستراتيجى ولن يكون مثل دور الآخرين فى المواجهة والتى لن تتوقف عند المواجهة الثقافية والفكرية، وهو ما يمكن أن يبنى استراتيجية جادة، وعلى الرئيس الأمريكى أن يدرك أنه لا توجد دولة فى الإقليم وقفت وحاربت وتحارب الإرهاب على مختلف درجاته، ومع ذلك لم تحصل على الدعم الكافى مثلما حصلت الأردن وتركيا وغيرها، ومن ثم فإن الإدارة الأمريكية إن كانت جادة فعليها أن تثبت حدود الشراكة والتزاماتها ومسئولياتها التاريخية المباشرة بدلا من إدخال ملف الأقباط فى منظومة واحدة مثلما هو الجارى فى العراق ولبنان ومصر، فالأمر مختلف ومصر تحارب بمفردها وتقف فى الصفوف الأولى وستقف.

على الصديق الأمريكى أن يقدر دور مصر فى الإقليم بأكمله وإن كان جادا فعليه أن يستوفى شروط اعتماد الشراكة الحقيقية، وأن يمارس ضغطا على دول مارقة مثل تركيا وقطر وإيران بالفعل، ولا يتعامل فقط من منطق المصلحة الأمريكية وإبرام الصفقات العسكرية والاقتصادية فقط.