رئيس مجلس الادارة

عمــر أحمــد ســامي

رئيس التحرير

طــــه فرغــــلي


لماذا تتكرر حوادث استهداف الأقباط ؟

31-5-2017 | 13:19


بقلم: أحمد بان

قبل ساعات من حلول شهر رمضان المعظم شهر الرحمة والمغفرة والعتق من النيران، أبى تنظيم داعش إلا أن يزرع الحزن فى بر مصر، عبر استهداف إخوانا الأقباط من جديد فى حادث بشع وإجرامى أثناء ذهابهم الى أديرتهم للصلاة والعبادة، حيث انطلقت ثلاث سيارات دفع رباعى تقل ما بين ثمانية إلى عشرة مسلحين ملثمين، مروا عبر مدقات جبلية ليفاجئوا ثلاثة أتوبيسات انطلقت من المنيا باتجاه دير فى الصحراء، كان أغلب الضحايا من الأطفال الذين لم يرحم المجرمون طفولتهم، الحادث يأتى بعد مرور شهرين تقريبا على استهداف كنيستين فى طنطا والإسكندرية على نحو متزامن عبر انتحارى فجر نفسه فى المصلين فى سلوك انتحارى من قبل التنظيم.

الآن تطور أداء التنظيم لينتقل إلى اشتباك مباشر بالأسلحة الألية، مكان الحادث هو مكان صحراوى، والطريق شأنه شأن معظم الطرق الصحراوية الشاسعة التى لا يمكن تأمينها إلا عبر شبكات مسح بالأقمار الصناعية، تساندها قوات دعم جوى بطائرات هليكوبتر خفيفة تقوم بدوريات على الطرق شأن كل دول العالم، لكن يبقى الأمر رهنا بإمكانات الدولة المحدودة وعدم تجاوب دول منتجة لهذه اللوجستيات، حيث تكتفى بأخذ المعلومات منا عن شبكات الإرهاب دون أن تقدم لنا بالمقابل لوجستيات تمكننا من خوض المعركة مسلحين، فى مواجهة شبكات تحظى بدعم قوى إقليمية تمرر لها السلاح والعتاد.

كان تنظيم داعش فى فبراير الماضى، قد أطلق تسجيلاً مصوراً مدته ٢٠ دقيقة هدد فيه المواطنين الأقباط بشن مزيد من الهجمات، وعرض التسجيل ما أسماه الرسالة الأخيرة لانتحارى زعموا أنه منفذ عملية تفجير الكنيسة البطرسية التى راح ضحيتها ٢٩ شخصاً فى ديسمبر من العام الماضي، ودعا ما يُعرف بـ«تنظيم الدولة الإسلامية مصر» عناصره إلى قتل من أسماهم بـ«الصليبين فى مصر».

وشهدت عدة محافظات مصرية حوادث قتل لأقباط فى الفترة القريبة الماضية منها قتل مواطن قبطى صاحب محل خمور بالإسكندرية قتل ذبحاً أمام نجله، وأكدت مصادر أمنية وقتها أن السبب شخصى وليس طائفياً، كما قتل مواطن قبطى وزوجته ذبحا بمحافظة المنوفية.

يكشف الباحث مينا ثابت إنه من الصعب فصل حوادث مقتل الأقباط الأخيرة فى محافظات الإسكندرية والمنوفية عما حدث فى العريش، موضحاً أنه يوجد مخطط من قبل أفراد التنظيمات التكفيرية والمتطرفة، لتغيير الطبيعة السكانية لأقباط مصر بنقلهم من أماكن سكنهم وانتزاع المكون المسيحى من بعض المناطق، وهذا ما كان يحدث قبل ذلك فى صعيد مصر من افتعال أزمات ومشاكل تنتهى بجلسات عرفية، تؤدى إلى تهجير الأقباط من منازلهم.

وإذا صح هذا التقدير فنحن أمام تحدى وجودى لأدوار الدولة المصرية حيث تمضى خطة التنظيم فعلا باتجاه هذا الهدف، وأضاف ثابت: «لديهم جميعاً نفس القيمة المشتركة التى يتبعونها بدرجات مختلفة، وهى أنهم يهجرون الأقباط بمباركة الدولة التى تبحث عن حلول سهلة فى نقل أصحاب المشكلة وتهجيرهم بدلاً من حل المشكلة نفسها، وهو نفس ما يحدث فى سيناء الآن».

وأكد ثابت أن ما حدث مؤخراً فى العريش ليس الأول من نوعه، ولكن المختلف فقط أن الانتهاكات هذه المرة كان بها استهداف مباشر وصريح للأقباط داخل منازلهم ومقار عملهم.

حالة الإرهاب وقتل الأقباط فى سيناء موجودة منذ فترة طويلة ولكن الجديد الآن هو فقط زيادة عدد التكفيريين وزيادة عدد الموتى، هكذا يعبر بعض الأقباط عن المشكلة بخجل ووطنية، وفقاً لمصادر غير رسمية، من أبرز محطات استهداف الأقباط فى شمال سيناء فى السنين الماضية التهجير القسرى الذى تعرضت له عشرات الأسر القبطية فى سبتمبر ٢٠١٢، إثر هجوم ملثمين على محال وبيوت مملوكة لأقباط، وتوزيع منشور تحذيرى يمهل أقباط رفح ٤٨ ساعة للرحيل عنها.

وتلا ذلك استهداف رجال دين ومواطنين أقباط فى حوادث متفرقة، أبرزها اغتيال القس مينا عبود فى يوليو ٢٠١٣ برصاص ملثمين، وبعده القس رافائيل موسى فى يونيه ٢٠١٦، وأعلنت «ولاية سيناء» مسئوليتها عن مقتل الأخير.

كما تعرض مواطنون أقباط للاستهداف على فترات متقطعة خلال السنين الماضية، منهم تاجر الأدوات الكهربائية مجدى لمعي، الذى وُجد مذبوحاً فى الشيخ زويد فى نوفمبر ٢٠١٣

عقب عزل محمد مرسى من الحكم فى يوليو ٢٠١٣ ، انتشر التحريض ضد المسيحيين على نطاق واسع، وجرى تحميلهم جزئيا مسئولية هذا التطور السياسي، وذلك عبر عدد من المساجد وتجمعات أنصار مرسي، من خلال توزيع منشورات تحمل توقيع «أنصار الشريعة فى أرض الكنانة»، تتضمن اتهامات واضحة للمسيحيين، واستهداف مباشر لمسيحيين بالقتل، حيث جرى قتل ثلاثة أقباط فى ثلاث حوادث متفرقة، كان من أبرزها اغتيال القس مينا عبود شاروبيم كاهن كنيسة ”مار مينا والبابا كيرلس“ بمنطقة المساعيد بالعريش، وحرق كنيسة مار جرجس بالعريش خلال أحداث ١٤ أغسطس ٢٠١٣ ، وخطف أقباط مقابل طلب فدية.

وأضاف التقرير أن هذه الاعتداءات دفعت ٢٩ أسرة للهجرة من رفح والشيخ زويد إلى مدينة العريش. وصارت المدينتان خاليتين من المسيحيين.

وفى نفس السياق، اعتبر عام ٢٠١٤ عام بلا استهداف، حيث مع تحسن الوضع الأمنى نسبيا خلال الشهور الثلاثة الأخيرة من ٢٠١٣، عادت نحو ١٣ أسرة قبطية من سكان مدينة العريش، إلى منازلهم التى هجروها عقب عزل محمد مرسى، ولكن فى ٢٠١٥ و ٢٠١٦ عادت حوادث القتل على فترات متباعدة خصوصًا خلال شهرى يناير وفبراير، والتى أسفرت عن مقتل كل من نبيل محروس ووليم ميشيل، بينما نجا عبد الشهيد توفيق من محاولة قتله. ويلاحظ أن الملثمين غيروا من طريقة الوصول إلى ضحاياهم، حيث اتجهوا إلى الهجوم على المنازل بعدما كان الاستهداف يتم فقط فى الشوارع والأماكن العامة والمحال التجارية، وهو ماجعل الأقباط يعودون مرة أخرى إلى المغادرة وقدم بعض الموظفين طلبات إلى محافظ شمال سيناء لنقلهم إلى محافظات أخرى خصوصًا مع تلقى البعض رسائل تهديد.

أما فى ٢٠١٧، فقد تزايد استهداف الأقباط مع نهاية يناير ٢٠١٧، وبلغت ست حوادث نتج عنها قتل سبعة أقباط، بدأت بقتل وائل يوسف قلدس، فى ٣٠ يناير، داخل متجره بشارع ٢٣ يوليو الرئيسى وسط مدينة العريش فى منتصف اليوم، وانتهت بقتل كامل رؤوف كامل الشهير بكامل أبو رومانى فى ٢٣ فبراير، واتسمت هذه الاعتداءات بالعنف الشديد واستهداف الأقباط فى منازلهم وحرق جثث البعض ونهب المنازل قبل حرقها، كما تنوعت الأحياء التى ينتمى إليها الضحايا، وعمل القائمون بهذه الاعتداءات على الحصول على التليفونات المحمولة للضحايا، وهو ما وفر لهم قاعدة بيانات جاهزة بأسماء وأرقام تليفونات باقى المسيحيين فى المدينة.

. بلغ عدد حالات الضحايا نتيجة انتهاك الحق فى الحياة ١٤ شخصًا خلال الفترة من يوليو ٢٠١٣ وحتى فبراير ٢٠١٧، تم استهدافهم جميعًا بشكل مباشر على الهوية الدينية، سواء داخل منازلهم أو فى الأماكن العامة ووسائل المواصلات، بالإضافة إلى انتهاك الحق فى حماية الملكية واختيار المسكن الملائم وعدم التهجير القسرى فخلال أحداث التهجير الأخيرة، وقعت عمليات اعتداءات واسعة تضمنت عقابًا جماعيّا على الهوية الدينية، كان من أبرزها الاعتداء على الممتلكات الخاصة سواء قبل فرار الأقباط أو بعده، ففى ١٢ مارس ٢٠١٧، تعرضت أربعة منازل لمسيحيين بالعريش تركها أصحابها خوفا على حياتهم لعمليات سرقة ونهب.

هذا السياق الممتد والممنهج من قبل مجموعات الإرهاب يجعل أجهزة الأمن افتراضيا تدرك أن العمليات الإرهابية ستأتى باتجاه الحلقة الأضعف وهى المواطنون الأقباط باعتبارهم مدنيين حيث تكفلت إجراءات رفع التعبئة داخل الأجهزة الشرطية والجيش بحصار حركة التنظيم الذى وجد أن الخاصرة الرخوة هى الأقباط الذين استهدفهم التنظيم فى كنائسهم وفى مصالحهم وتجمعاتهم البشرية.

لكن السؤال هل كان ذلك مفاجئا لأجهزة الأمن ؟ بالتأكيد لا إذن لماذا تتكرر العمليات ضد الأقباط ؟

هم مواطنون ساندوا الدولة المصرية عبر العصور بصرف النظر عن توجهات الأنظمة انطلاقا من قناعات دينية، تدع ما لقيصر لقيصر وما لله لله إضافة إلى أن شعورهم بالاضطهاد عبر عصور سابقة جعلهم أكثر حساسية تجاه دعم أى تغييرات سياسية قد تطيح بهامش حقوقهم الذى يعتقدونه محدودا، لكنهم يخشون المخاطرة حتى بهذا القدر.

يعد دعم الأقباط لثورة ٣٠ يونيه هو السبب المباشر الذى يدفعون من أجله ثمنا باهظا، حيث برز الدور الوطنى لأقباط مصر فى الحفاظ على هوية وبنية الدولة المصرية التى بدت مهددة أثناء حكم الإخوان.

وفى ظل حالة السيولة داخل مجموعات التطرف سواء الخارجين من تنظيم الإخوان، أو العناصر المنتمية فى السابق لجماعة الجهاد والجماعة الإسلامية أو بقايا القاعدة وعناصر داعش، نصبح أمام حالة من التواطؤ والتعاون بين هذا الطيف على استهداف الأقباط بعد تحميلهم مسئولية إسقاط حكم الإخوان، الذى كان المرحلة الوسطى قبل إعلان مصر دولة إسلامية على طريقتهم.

أخشى أن حوادث استهداف الأقباط ستتكرر، على أمل استفزاز مجموعات قبطية ان تحمل السلاح دفاعا عن نفسها، وهو ما تتحينه تلك القوى لإشعال فتنة طائفية بديلا عن رهانات هذه التنظيمات السابقة، تحت عناوين سياسية كالثورة او غيرها وهو ما فشلت فيه تلك المجموعات، ولم يعد لديها سوى هذه الخاصرة الرخوة الأقباط على أمل تكفيرهم بهذه الدولة وإشعارهم أنها فشلت فى حمايتهم.